ما الذي يعنيه تجاوز الذهب عتبة الـ 2000 $؟!
تجاوز سعر أونصة الذهب العالمية 2000 $ وهو رقم ذو دلالة معنوية، فالذهب يقفز قفزاته الكبرى خلال الأزمات وكان قد تجاوز عتبة 1000 $ للأونصة في أزمة 2008.
إن ارتفاع الذهب يعكس ضمناً تراجع الدولار... حيث سجل أقل سعر له منذ عامين، ويزداد الطلب على المعدن الأصفر كملجأ آمن مع التوقعات باضطراب أسعار الدولار واحتمالات اتجاهها نحو انخفاض قد يكون كبيراً مع خطر اتقاد التضخم في الاقتصاد الأمريكي المتوقف والمتخم بالمال... وذلك إثر استمرار سياسية ضخ تريليونات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي وتراجع أسعار الفائدة إلى مستوى الصفر وإعلان الفيدرالي أنّ هذه السياسة مستمرة ومفتوحة الآجال.
حتى إنّ بنك غولدمان ساكس الأمريكي حذّر في استراتيجيته من أنّ (التخوفات الجادة حول استدامة الدولار الأمريكي كعملة احتياطي دولية قد بدأت بالظهور)، ووضع تقديراً لسعر الذهب خلال 12 شهر قادم وصلت 2300 $ للأونصة.
الطلب الكبير على الذهب كان يتوسع خلال السنوات العشر الماضية، حيث تشتري البنوك المركزية للدول الصاعدة أكبر كميات من الذهب (اشترت ما يقارب 4890 طن من الذهب بين 2008- 2020K( وفي مقدمتها روسيا التي ضاعفت احتياطيها الذهبي أكثر من أربع مرات، والصين التي ضاعفته ثلاث مرات وهي أكبر منتج للذهب عبر العالم، كما ضاعفت تركيا احتياطيها أكثر من ثلاث مرات أيضاً.
ولكن مع أزمة عام 2020 أصبحت حتى صناديق الاستثمار المالية الأمريكية توسّع إلى حد بعيد من شرائها للذهب وزادته في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 80%. وهو مؤشر على توقع ارتفاع سعر الذهب، والأهم فقدان المنفعة والرغبة بالاستثمار في الأوراق المالية في السوق الأمريكية وتحديداً سندات الدولار.
ارتفاع الذهب منذ عام 2008 وتسارع وتيرته في أزمة 2020 يشير إلى هشاشة النظام النقدي الدولي القائم على الدولار غير المغطّى بشيء إلا هيمنة الولايات المتحدة... والعالم يترقب بدائل على هذا النظام تحديداً مع التراجع الكبير في هذه الهيمنة، واختلال الثقة بالولايات المتحدة وباستدامة اقتصادها وقوة دولارها وهي التي راكمت ديوناً أصبحت تقارب 130% من ناتجها!
وبالمقابل فإن ارتفاع الطلب على الذهب يرتبط بمؤشرات أخرى تأتي من الشرق وتحديداً من الصين، فالبعض يربط ارتفاع الطلب على الذهب بعزم الصين على إصدار عملتها الإلكترونية اليوان الرقمي قريباً والتي من المرجح أن يكون إصدارها مبنياً على تغطية ذهبية لترسي قاعدة جديدة في إصدار العملات الدولية وترفع الموثوقية باليوان إلى حدود غير مسبوقة، مدعوماً بكل مزايا الصين... ولكن مباشرة بالسبق التكنولوجي ومزايا العملات الإلكترونية المركزية، وباقتصاد قوي وأكثر قدرة على التعافي من الأزمات، هذا عدا عن التغطية الذهبية للعملة الجديدة.
الجميع يترقب بدائل في النظام النقدي الدولي، قد تأخذ وقتاً ومعارك حتى تستقر، وقد تسارع الأزمات من وتيرتها... لكن المؤكد أن عرش الدولار اهتز والبدائل تُبنى! إنّ مرحلة انتقال كهذه هي مرحلة عنيفة وعاصفة اقتصادياً وسياسياً وعلى كل الصعد... فالأزمة ليست فقط أزمة نظام نقدي دولي مهيمن منذ الخمسينينات ويمثله الدولار، بل هي الأزمة الشاملة للمنظومة الرأسمالية، ومن رحمِها يمكن أن نتوقع الكثير من الموت والولادات.
تفاصيل في مادتي قاسيون:
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 977