المستثمرون الماليون يشترون الذهب بمعدلات استثنائية
يتحول الذهب إلى ملجأ أساسي في أوقات الأزمات الاقتصادية الكبرى، كالتي يشهدها العالم منذ مطلع العام الحالي... حيث شهد الطلب على الذهب تغيرات ملفتة خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، فمع التضخم الكبير في الإصدار النقدي وخطط الإنقاذ، فإن أكثر الأوراق المالية أمانأ تصبح خطرة، وهو ما ينطبق على سندات دولار الخزينة الأمريكية أكثر الأصول العالمية (موثوقية) كما هو متعارف عليه بلغة الاستثمار المالي.
الذهب هو واحد من الأصول والمنتجات العالمية القليلة التي ارتفعت أسعارها منذ مطلع عام 2020 وسط التراجع العالمي في أسعار السلع والأسهم والعملات، ليرتفع بنسبة 8% تقريباً خلال ثلاثة أشهر مضت، وبنسبة 33% خلال عام مضى...
منذ أزمة عام 2008 يتصاعد الطلب العالمي على الذهب، مشيراً إلى انعدام الثقة بالنظام النقدي العالمي، إذ كانت البنوك المركزية في الدول الصاعدة هي المصدر الأساسي لشراء الذهب، وبالدرجة الأولى: روسيا والصين إضافة إلى تركيا والهند. حيث اشترت البنوك المركزية ما يقارب 4890 طن من الذهب بين 2008- 2020. فروسيا ضاعفت احتياطياتها الرسمية بمعدل 4,3 ضعف، وتركيا بمعدل 3,7، والصين بمعدل 3,2 ضعف المستويات المسجلة في عام 2008.(world- gold council)
وقد سجل عاما 2018- 2019 أعلى معدلات شراء الذهب من البنوك المركزية، إذ تمّ شراء 651- 650 طن على التوالي، وهي أعلى معدلات مسجّلة منذ عام 1971 عندما أدى إنهاء العمل باتفاقية بريتون وودز- وفك ارتباط الدولار بالذهب- إلى فقدان الثقة مؤقتاً بالدولار وارتفاع كبير في أسعار الذهب العالمية.
عمليات الشراء المتسارعة والمتزايدة للذهب جعلت روسيا والصين في مطلع العام الحالي في الموقعين الخامس والسادس على التوالي ضمن ترتيب الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات مركزية للذهب عبر العالم، حيث الولايات المتحدة هي الأولى تليها ألمانيا ومن ثم إيطاليا وبعدها فرنسا في المرتبة الرابعة. (وينبغي الملاحظة أنه من حيث الإنتاج فإن الصين هي صاحبة الموقع الأول عالمياً، كما أن عمليات الشراء الكبرى التي قام بها البنك المركزي الروسي كانت من إنتاج روسيا بالدرجة الأولى، وقد أعلن في شهر نيسان 2020 توقفه عن شراء الذهب لأسباب لم يتم توضيحها).
منذ مطلع العام الحالي، ونتيجة الأزمة المالية وفرض نفقات صحية عالية، من الحكومات العالمية، فإن البنوك المركزية في هذه الدول لم توسّع كميات شرائها من الذهب كما في العامين الماضيين. حيث ازدادت الاحتياطيات المركزية لدول العالم بمقدار 145 طن في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وهي نصف معدل الزيادة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. المشتري الأكبر في 2020 كان البنك المركزي التركي بمعدل 72,7 طن، والروسي 28 طن، بالإضافة إلى الإمارات التي زادت 8 أطنان إلى احتياطاتها، وغيرها بكميات أقل...
ولكن الملفت خلال الأشهر الأولى من العام الحالي هو التوسع الكبير في شراء الذهب من جانب المستثمرين الماليين الخاصين، سواء البنوك أو الجهات الاستثمارية المختلفة من صناديق ومؤسسات وغيرها، وهو مؤشر على مستوى فقدان الثقة بالاستثمار بالأوراق المالية، ومستوى تراجع عوائدها حتى اتجهت كتلة الاستثمار المالي الدولية إلى الذهب كملجأ.
والطلب على الذهب من المستثمرين الماليين الخاصين في الربع الأول من عام 2020 بلغ 540 طن، بارتفاع بنسبة 80% عن مستوى العام الماضي... وهذا طبعاً لسبائك الذهب بأوزانها المختلفة (أما المصاغ الذهبي فقد تراجع الطلب العالمي عليه لحد بعيد). ومن بين هؤلاء فإن المستثمرين الماليين المحترفين في صناديق الاستثمار بالعملات FX كانوا أكبر المستثمرين، واشتروا 300 طن من الذهب في 2020 مقابل 40 طن فقط في الفترة ذاتها من العام الماضي. إذ يمتلك هؤلاء 3180 طن من الذهب، وبمقارنتهم باحتياطيات الدول، فإنهم يتبوؤون المرتبة الثالثة عالمياً.
أكبر هذه الصناديق موجود في الولايات المتحدة، ويمتلك ما يقارب 1056 طن من الذهب، أعلى من احتياطي سويسرا المصنفة سابعةً عالمياً، كما تتوزع صناديق أقل وزناً في بريطانيا وألمانيا.
إن الاتجاه نحو الذهب من جانب البنوك المركزية، كان دليلاً على أن تغييراً يستحق ويتم التجهيز له في النظام النقدي والمالي
العالمي، أما الانعطافة في العام الحالي لزيادة الطلب على الذهب من جانب المستثمرين الماليين العالميين، فهو واحد من التعبيرات الهامة على مستوى ترقب الأزمة المالية وعدم الثقة بحجمها ومآلاتها، فالذهب يتحول إلى استثمار رابح عندما تفقد الأوراق المالية قدرتها على خلق العوائد، نتيجة تعميم معدلات الفائدة الصفرية، حيث تبدأ هذه الصناديق ببيع أجزاء هامة من أصولها غير المضمونة، سواء من الأوراق المالية كالدولار أو العملات أو السندات أو المستقات المالية، وشراء المعادن الثابتة بالمقابل...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 971