سورية: 100 مليون حبّة كبتاغون في أقل من عام! وسوق قد تقارب 16 مليار دولار...

سورية: 100 مليون حبّة كبتاغون في أقل من عام! وسوق قد تقارب 16 مليار دولار...

في نهايات العام الماضي سجلت سورية رقماً قياسياً عالمياً جديداً... إذ كانت الوجهة التي خرجت منها أكبر شحنة كبتاغون مُصادرة عالمياً! عندما صادرت السلطات اليونانية 33 مليون حبة قادمة من موانئنا، ولكن ذاك الرقم القياسي لم يكن الأخير... إذ تتالت المصادرات الكبرى وفي أوقات متقاربة، كاشفة عن سوق سوداء سورية ضخمة ومتسارعة النمو بشكل قياسي.

حبوب الكبتاغون المنتجة أو المعبّأة في سورية تخرج بشكل دوري من الحدود السورية، ولكن الكميات الأكبر هي التي تخرج بسفن الشحن من الموانئ، فمثلاً في شهر 2- 2020 تمّت مصادرة أكثر من 35.3 مليون حبة كبتاغون من شرطة دبي قادمة من ميناء اللاذقية، ومؤخراً تمّت مصادرة 19 مليون حبة في السعودية، قادمة أيضاً مع البضائع السورية إلى الموانئ السعودية... وبين هذه الشحنات الكبرى هنالك العديد من الشحنات الأصغر التي يمكن متابعتها عبر التصريحات الرسمية في سورية ودول الجوار.

99 مليون حبة خلال 11 شهر

خلال أقل من عام وبين شهر 6-2019، وشهر 4-2020، وصلت حصيلة المصادرات داخل البلاد أو الآتية من سورية إلى دول الإقليم إلى أكثر من 100 مليون حبة كبتاغون، إضافة إلى مصادرات مادة الحشيش التي تكون مترافقة معها غالباً. وذلك وفق رصد لقاسيون للكميات المعلنة من الإعلام الرسمي في سورية والأردن والإمارات والسعودية خلال فترة 11 شهر مضت.
إنّ هذه الكمية (ترفع سورية) إلى مرتبة متقدمة جداً في كميات المصادرات السنوية، وتدلّ على الحجم الكبير للسوق السوداء داخل البلاد.
فحوالي 100 مليون حبّة مصادرة ، تعني قرابة 20 طن خلال أقل من عام، وهي كميات أعلى من كل المصادرات في الإقليم الذي يعتبر (رائداً) في استهلاك حبوب الميثافيتامين المخدرة ومن ضمنها الكبتاغون، وأعلى من معدل المصادرات في السعودية التي تستهلك 30% من سوق الكبتاغون العالمية. بل إن هذا الرقم يجعلنا قريبين من رقم المكسيك المصنفة رابعاً عالمياً في حجم سوق هذه الحبوب. وهذا وفق أرقام unocd للمصادرات الرسمية لعام 2017. (UNITED NATION OFFICE ON CRIME AND DRUGS)
تتوسع سوق هذا النوع من المخدرات بمستوى استثنائي، فالمصادرات في سورية خلال عام مضى أعلى بنسبة 450% عن أعلى مستوى سجلته سورية في عام 2015، ما يشير إلى أن الإجرام يضع أقداماً ثابتة في البلاد ويجد جواً مناسباً للتوسع والانتقال من العبور إلى الإنتاج والتصدير الدوري المنظم والتعبئة في مختلف أنواع المنتجات السورية: من البرادي إلى القضبان الحديدية إلى شحنات التفاح وصولاً إلى الحليب والمتة وغيرها.

 

حجم السوق 16 مليار دولار!

إنّ أموالاً كبرى توظّف في هذه السوق، والكثير من القطع الأجنبي يصل للسوق السوداء عبر هذه التجارة التي يتم تقدير حجم سوقها انطلاقاً من المصادرات، وعادة ما تعتمد المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن نسبة 1 إلى 10، إذ تعتبر أن المصادرات تشكّل عُشر السوق الفعلية.
ما يعني أننا وفق آلية التقدير هذه لربما نكون أمام سوق إجمالية في سورية تقارب 200 طن من الحبوب فقط، ومليار حبّة سنوياً. أما قيمتها السوقية فتتباين مع تباين الأسعار لحبوب الكبتاغون في السوق الإقليمية، وقد تبلغ وسطياً: 16 مليار دولار وفق سعر وسطي للحبّة: 16 دولار*، وهو رقم يقارب إن لم يكن يفوق الناتج المحلي السوري وهذا دون احتساب سوق الحشيش والأنواع الأخرى!
فإذا ما أخذنا مصادرات الحشيش المعلنة من شهر 1 حتى شهر أربعة فقط والبالغة 5.2 طن من الحشيش، فإن قيمتها وفق تقديرات إدارة مكافحة المخدرات تقارب 390 دولار للكغ، وقيمة الحشيش المصادر 2 مليون دولار، والسوق كاملة قد تصل قيمة 2 مليار دولار في أربعة أشهر فقط!
*(تمّ تقدير هذا السعر الوسطي من مجموع تقديرات الأسعار المتباينة في تركيا ولبنان والسعودية والإمارات وفق بيانات UNCODلأسعار التجزئة التي تأخذها من استمارات دورية موزّعة على السطات في كل دول العالم، وسطي السعر في تركيا 14 دولار للحبة، في لبنان: 15 دولار، في الإمارات: 10.5 دولار، في السعودية: 24 دولار).

ربح 3000-5000%!

الوجهة الأساسية لهذه السوق في سورية هي المستهلكون الأكبر في الإقليم أي الخليج، إضافة إلى أوروبا الغربية وتركيا، وتعتبر سوق الحبوب المخدرة التي يندرج الكبتاغون ضمن إحدى تصنيفاتها واحدة من أكثر الأسواق السوداء توسعاً عبر العالم، ويقدر مستهلكوها بأكثر من 60 مليون.
يشكّل ما سبق حافزاً لتوطين مثل هذه التجارة الإجرامية في سورية، ولكن الحافز الأهم يبقى معدلات الربح الاستثنائية في سوق مثل هذه. فعملياً الفارق الكبير بين أسعار الحبوب في سورية (والتي أصبحت بالغالب منتجة محلياً) وبين أسعار سوقها الإقليمية. والمقارنة تشير إلى مربح يقارب وسطياً 3200%، وهو الفارق بين تقدير إدارة مكافحة المخدرات السورية لقيمة الحبّة وسطياً بـ 500 ليرة، وبين السعر الوسطي في الإقليم 16$ للحبّة. وبالطبع معدلات الربح قد ترتفع أكثر في الشحنات الكبرى، فالشحنة التي صادرتها شرطة دبي والآتية بقضبان الحديد من سورية قدّرت السلطات الإماراتية سعر الحبّة منها بـ 26 دولار في السوق الإماراتية حيث معدل الربح هنا يفوق 5000% توزّع على حلقات الإجرام والفساد من موردي المواد إلى ورش التصنيع إلى مراكز العبور إلى التعبئة فالموانئ.
فما الذي قد يوقف تجارة بهذا الحجم من الربح، وتحقق مثل هذه العوائد من القطع الأجنبي، وتدرّ كل هذا المال الأسود على حلقات الإجرام والفوضى المحلية المترابطة إقليمياً؟!...

هل يمكن إيقاف سوق بهذا الحجم؟!

المناشدات لا تجدي نفعاً عندما يصبح حجم سوق الفوضى يقارب حجم الناتج الإجمالي... فسوق بهذا الحجم تفرض قوانينها وتتحول إلى تحدّ اجتماعي كبير أمام كل السوريين، فهي تستخدم القوى البشرية المحلية وتستنزفها، تستخدم قوى السلاح والفوضى، تستخدم جهاز الدولة وتستطيع تجاوز كل أجهزة (الرقابة والضبط)، وتستخدم البنى التحتية من طرق ومعابر وموانئ، حتى أنها تستخدم ما تبقى من إنتاج وقدرات تصدير محلية لتخبئ سمومها ضمنها.
إنّ الموانئ هي الحلقة الأبرز والأهم في هذه التجارة، فالشحنة الواصلة إلى الإمارات 35 مليون حبة أتت من ميناء اللاذقية في شهر 2-2020، بينما الشحنة الواصلة إلى اليونان في شهر 6-2019 أتت من ميناء طرطوس، وشحنة الحشيش الكبرى المصادرة في ميناء بورسعيد في مصر في الشهر الرابع من 2020 أيضاً آتية مباشرة من الموانئ السورية ومعبّاة بالبضائع السورية، وكذلك الشحنة التي وصلت السعودية مؤخراً بـ 19 مليون حبّة معبّأة في منتجات محلية وواصلة إلى ميناء قريب من مدينة جدّة.
إنّ المصادرات الكبرى الخارجة من الموانئ السورية، تشير إلى درجة (اطمئنان) عالية عندما يتمّ تحميل عشرات الأطنان ضمن البضائع بشكل دوري! وهي لم تنكشف في الموانئ المحلية بل في الدول التي تتوجه إليها هذه الشحنات.
وبينما لم تسجل إدارة مكافحة المخدرات تقريباً أية حالة ضبط في المرافئ، فإنها تسجل عشرات الحالات للقبض على تاجر هنا وتاجر هناك وتمتلئ الأخبار المحلية بمصادرات أعلاها بلغ 3 مليون حبة على الطرق البرية، بينما عشرات ملايين الحبوب تخرج من الموانئ، ومئات آلاف المصادرات تسجلها الأردن دورياً على الحدود...
إنّ سوقاً بهذا الحجم من الفساد والإجرام هي واحدة من النتائج عميقة الأثر لسنوات الحرب في سورية، ولسياسة الفساد المنظم التي تتغير نوعياً، ويتحول الوزن الأساسي فيها من التعدي على المال العام واستخدام السلطات لأعلى مستوى من التحكم والاحتكار، لتصل اليوم إلى مستوى متصدّر في تجارة الإجرام والفوضى.
الأمر الذي لن تنهيه أو تحلّه قرارات ودوريات، بل مجتمع كامل يعيد بناء بلاده على أسس جديدة ويطوي صفحة التخلف والإفقار والإجرام، عبر تغيير سياسي جذري وشامل يسمح للمجتمع السوري بإنهاء هذا الحجم من الفوضى واستعادة جهاز الدولة.

 

 

دمار المخدرات في سورية والإقليم...

إن حجم كارثة المخدرات في سورية لا تقتصر تجلياتها في حجم السوق والشحنات والتجارة السوداء، بل يظهر أيضاً في المؤشرات الصحية السورية المقاسة عالمياً.

فالمخدرات بأنواعها في سورية هي المسبب الخامس الأكبر لحالة (الإعاقة والتوقف وعدم القدرة على العمل) في عام 2017، ومن بين كل 100 ألف سوري فإن 610 أشخاص تعطّلهم المواد المخدرة. ولمعرفة ما يعني هذا الرقم ينبغي أن نشير إلى أن هذا المعدّل أعلى بـ مرتين من المعدل الوسطي لمجموعة الدول التي ننتمي إليها من حيث الدخل، ويقارب معدلات الخليج الذي يعتبر أكبر ضمن أكبر المستهلكين، ويفوق معدل تركيا... ويفوق المعدل في دول اشتهرت بابتلائها بالسوق السوداء العالمية، مثل: المكسيك وكولومبيا، حيث يبدو أن (الصيت لهم والفعل لنا) فالمعدل السوري لا يفوقه إلا معدلات لبنان والخليج، في منطقتنا التي تبتلع الفوضى مجتمعها الشاب.

المصدر: Institute for Health Metrics and Evaluation IHME-

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
964
آخر تعديل على الأحد, 06 أيلول/سبتمبر 2020 21:10