نقاطٌ أساسية في فهم أزمة النفط
انخفض سعر برميل النفط الخام الأمريكي في سوق غرب تكساس بنسبة 300% في يوم واحد، وأصبح يُتداول بسعر قريب من (-40$). وهي ظاهرة استثنائية ولكنها تحدث في الأزمات الكبرى، مثل: الركود العالمي لعام 2020 الذي بدأ بقوّة. نورد هنا مجموعة نقاط حول انهيارات سوق النفط الأمريكي وتفسيراتها.
• السعر السالب لبرميل النفط، هو سعر تداول في سوق الأوراق المالية، إنه سعر عقود النفط الآجلة لشهر أيار التي يبيعها ويشتريها المستثمرون الماليون. ولكن هذا لا يعني أنّه في الحقول الحقيقية في الولايات المتحدة لا يوجد سعر سالب...
• عندما كان سعر التداول 20 دولار في سوق العقود، كانت الصفقات الحقيقية تجري بوسطي 10 دولار للبرميل، واليوم السعر هو -40$ تقريباً، ولكن هنالك عقوداً تجري بسعر 35$ للبرميل، وأخرى بسعر -2$ فعلاً!
• لقد وصل بعض منتجي النفط الصخري الأمريكي إلى حد أن يدفعوا لزبائنهم لقاء تصريف الإنتاج، وتحديداً في الحقول والشركات البعيدة عن السواحل وعن أماكن التخزين، حيث أصبحت كلف تخزين النفط مرتفعة، وتحتاج مثل هذه الشركات لتصريفه بأي ثمن.
• إن السعر السالب يدل على مستوى التراجع العميق والركود في الاقتصاد العالمي، فالنفط يستمر ضخه، بينما لا أحد يطلب النفط المتراكم.
• لقد تراجع الطلب العالمي على النفط بنسبة 30%، وفي الولايات المتحدة تحديداً تراجع الطلب بينما لم يجر أي تقليص لكميات الإنتاج، فتقليص الكميات وإيقاف حفارات وآبار قد يؤدي إلى تكاليف أعلى لإعادة التشغيل وخسائر أكبر في تكاليف المعدات الكبرى المعطّلة، ما قد يجعل إيقاف تدفق النفط صعباً حتى مع استمرار تراجع الطلب.
• بالمقابل الخزانات الاستراتيجية الأمريكية امتلأت، وما تبقى من سعتها 70 مليون برميل يومياً، يغطيه الإنتاج الأمريكي بأقل من 7 أيام.
• الخسارات كبيرة في سوق النفط الأمريكية، وتحديداً لدى المنتجين في النفط الصخري وهو يشكل 63% من الإنتاج النفطي الأمريكي، ويحتاج إلى سعر للنفط بين 40-50$ للبرميل ليغطي تكاليفه.
• هذه الخسارات قد تدفع إلى إفلاسات واسعة في شركات النفط الصخري، ولكنها بالمقابل قد تؤدي إلى أرباح للشركات الأكبر في قطاعي الطاقة والمال الأمريكيين، حيث ستؤدي إلى إعادة هيكلة القطاع... أي شراؤه في لحظة الانهيار، وهو الأمر الذي قد يتم عبر حزمة الإنقاذ الحكومية.
• جميع الاحتمالات مفتوحة أمام قطاع النفط الصخري، ولكن المرجح أن إنتاجه في الأجل المتوسط سيتقلص، حيث تراجعت الاستثمارات في القطاع بنسبة 20%، وسيتوقف توسعه المستمر منذ عام 2014. ما قد يهدد الموقع الأمريكي كأكبر منتج عالمي.
• ولكن بالمقابل إنتاج النفط الصخري قد يصبح متمركزاً أكثر وأقل تكلفة نسبياً بعد أن انخفضت كلف الاستثمار به، وقد يعود للتوسع لاحقاً... ولكن هذا مرهون بحجم الخسارات في الناتج الأمريكي وحجم الطلب اللاحق على النفط، ومسار الأزمة الاقتصادية العالمية في الأجل المتوسط.
• سوق النفط الأمريكية ذات وزن مالي هام، فالاستثمار المالي واسع في هذا القطاع حيث 30% من عدد التداولات اليومية في بورصة السلع الأمريكية تجري في قطاع الطاقة... وهذا قد يحمل خسائر مالية كبرى، ولكنه سيدفع هذه الأموال للهروب مؤقتاً نحو الدولار الذي يرتفع مع كل انهيار في السوق للأسهم أو للسلع.
• إن هذا الانهيار لا يمكن أن يكون أمريكياً فقط، بل سيمتد ليؤثر على سعر النفط العالمي برنت الذي يتحدد سعر عقوده في لندن وأيضاً عبر المستثمرين الماليين في سوق النفط، لكن انهيار هذا السعر سيضر بالمنتجين العالميين الآخرين.
• الدولار يستفيد مؤقتاً من انهيارات النفط العالمية، وسياسياً يحقق سعر النفط المنخفض ضغطاً على حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وعلى أعدائها في روسيا، ويفتح باباً للمعركة والتفاوض...
• ولكن انهيارات بهذا الحجم هي لعبة خطرة، على قطاع المال العالمي والدولار... لأن انهيار النفط في السوق الأمريكي قد يكون له مفعول الدومينو في ظل سوق مضطربة وركود عالمي. لينتقل الأثر من السوق الأمريكية إلى سوق برنت، إلى انهيارات في الأسهم العالمية لشركات الطاقة وغيرها، إلى تعثر ديون هذه الشركات وتحديات للبنوك ومنظومة الدَّين العالمية. فديون قطاع النفط العالمي تجاوزت في عام 2014: 2,5 تريليون دولار وهي اليوم أعلى من هذا بكثير...
• أخيراً، إن انهيارات السعر العالمي عبر الأسواق المالية في الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تدفع أيضاً وإلى الأمام آليات التسعير الأخرى كما في سوق شنغهاي، حيث عقود النفط الذي تشتريه الصين تُسعّر باليوان المضمون بالذهب.
• إن انهيارات واسعة في سوق النفط، وانتقال آثارها إلى السوق المالية، وانفتاح الأبواب لآليات وعملات التسعير الأخرى... يهز جدياً العلاقة بين الدولار والنفط، وبالتالي موقع الدولار كعملة للتداول العالمي، فالموقع العالمي للدولار يرتبط بتحويل النفط لغطاء له منذ السبعينات عبر منظومة البترودولار هذه المنظومة التي تشهد عواصف كبرى في الانهيار الحالي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 963