تبعية التجارة التركية للغرب: 60% من العلاقات التجارية
تشهد تركيا بداية مرحلة عنوانها تبدّل توجهاتها وعلاقاتها السياسية الدولية والإقليمية المتبلورة بعد الحرب العالمية الثانية, تحديداً في سياق تغيير الأوزان النسبية للقوى الكبرى مع صعود الصين، وعودة النشاط السياسي الروسي، وتراجع مستوى النشاط الأمريكي في منطقتنا. بالمقابل هنالك تساؤلات حول مستوى الاستقلالية التركية الاقتصادية الضرورية عن المعسكر الغربي التي تسمح في إنجاز التحولات المطلوبة لاستقرار تركيا والمنطقة.
رغم تحقيق تركيا معدلات نمو مرتفعة نسبياً خلال العقدين الماضيين, ما زالت تخيم الشكوك حول نوعيته وقابليته للاستمرار, فالنموذج الاقتصادي قائم على الوصفات النيوليبرالية لتحرير التجارة وحركة الأموال... الأمر الذي يجعل الاقتصاد التركي هشاً في وجه العقوبات، فهو ضعيف الاستقلالية الاقتصادية، وعميق التبعية بالمنظومة الغربية: تجارياً ومالياً بالدرجة الأولى.
تبين معطيات التجارة الخارجية التركية، عمق هذا الارتباط حيث أكثر من نصف الصادرات والواردات التركية تتجه إلى الغرب وتأتي منه...
وزن التجارة في الاقتصاد التركي
ارتفعت نسبة التجارة الخارجية التركية (واردات+ صادرات) من 42% من الناتج الإجمالي إلى 60%، خلال الفترة بين 2000-2018. وبمقارنة تركيا مع شبيهاتها من الدول الصاعدة خلال هذه المرحلة والمنضمة إلى مجموعة العشرين، يظهر أن وزن التجارة في الناتج التركي أعلى من غيره، إذ تبلغ النسبة في الصين 40%، وفي الهند 40%، وفي روسيا 46%. يعكس وزن التجارة للناتج درجة اعتماد الاقتصاد التركي على تدفقات التجارة الخارجية، ولكنّ فهماً أعمق يتطلب دراسة بنية هذه التجارة بين واردات وصادرات.
الميزان التجاري التركي
العلاقات التجارية غير متوازنة وباطراد, إذ ازداد العجز التجاري التركي بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، لينتقل من 10 مليارات دولار في عام 2000 إلى قرابة 40 مليار دولار في 2017.
وجهة الصادرات التركية
تتركز التجارة الخارجية للبضائع التركية اليوم بين أوروبا والشرق الأوسط إضافة إلى أمريكا الشمالية، فأكبر خمسة شركاء تجاريين يشكلون ثلث التجارة التركية هم على التوالي: ألمانيا، بريطانيا، الإمارات، العراق، الولايات المتحدة.
أما الصادرات التي يشتق منها دخل التجارة الخارجية وترتبط بها منشآت اقتصادية وفرص عمل ، فتؤكد على عمق ارتباط الاقتصاد التركي بالمنظومة الغربية.
50% من الصادرات البضاعية التركية تذهب إلى أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا، بينما تصدر تركيا إلى محيطها الإقليمي نسبة الربع تقريباً من صادراتها، وتحديداً إلى دول المنطقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأهمها الإمارات والعراق، بينما تصدر تركيا كميات متقاربة إلى إيران ودولة الكيان بنسبة تقارب 2% لكل منهما. أما في الإطار الدولي الأوسع، وبشكل يتناقض مع التوجهات السياسية التركية مؤخراً، والتوجهات الاقتصادية الدولية، فإن صادرات تركيا إلى كل من الصين وروسيا مجتمعة (4%) تشكل نسبة أقل من صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة (5,5%).
وعموماً، أكثر من 60% من صادرات البضائع التركية تتجّه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذه المؤشرات تعكس مدى ارتباط التجارة والإنتاج التركي بالمنظومة الغربية حتى الآن، مما يعطي الأخيرة أدوات اقتصادية عالية، يمكن تثميرها سياسياً في الضغط على تركيا وتهديدها اقتصادياً.
مصادر الواردات التركية
التغيرات في وجهة الواردات التركية أكثر وضوحاً، في التسعينات كان الموردون الخمسة الكبار إلى تركيا: ألمانيا الولايات المتحدة إيطاليا فرنسا ثم الاتحاد السوفييتي. أما اليوم فأهم خمسة موردين إلى تركيا هم بالترتيب: الصين 10%، ألمانيا 9%، روسيا 8%، الولايات المتحدة 5% ثم إيطاليا 4%. حيث 18% من قيم الواردات التركية تأتي من الصين وروسيا، و18% من ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا.
الصين انتقلت لتتحول إلى المورّد التجاري الأكبر لأغلب دول عالم، ومن ضمنها تركيا، وتسبق الصين ألمانيا في تصدير السلع الرأسمالية من آلات ومعدات إنتاجية إلى تركيا، أمّا 60% من الصادرات الروسية إلى تركيا فهي من الوقود. بينما تبقى أوروبا مصدر 50% من واردات السلع الوسيطة إلى تركيا (وهي السلع نصف المصنعة والتي تدخل في العمليات الإنتاجية) وهي ثلث الواردات البضاعية التركية.
الاتجاهات الاقتصادية العالمية المتغيّرة تجد انعكاسها في الوضع التركي، حيث حُوّلت الصين إلى المورّد الأول لتركيا، وازدادت صادرات تركيا إلى محيطها الإقليمي خلال العقود الأخيرة... إلا أنّ التحولات الضرورية لرفع استقلالية القرار السياسي التركي عن الغرب ما زالت كبيرة تحديداً مع الأخذ بعين الاعتبار الارتباط المالي العميق مع الغرب الذي سنبحث في تفاصيله لاحقاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936