هل تشتري أوروبا نفطها بعملتها كما فعلت الصين؟
تعتبر دول الاتحاد الأوروبي مستورداً أساسياً للنفط عبر العالم، ولم تكن تستورد الطاقة من الولايات المتحدة يوماً، ولكنها كانت دائماً تستخدم الدولار في وارداتها النفطية، وبنسبة تصل إلى 85%... فهل تسعى أوروبا إلى ما سعت إليه الصين العام الماضي وتتبادل الطاقة بعملتها المحلية، باليورو وليس بالدولار؟!
تستورد أوروبا بضائعها من العالم، مستخدمة اليورو في التبادل بنسبة 50-60%، ولكن عند الانتقال إلى مستوردات الطاقة فإن المسألة تختلف، ويصبح استخدام اليورو لا يتعدى نسبة 20%، والباقي للدولار.
وذلك على الرغم من أن أوروبا لا تستورد من الولايات المتحدة نفطاً إلا منذ عام 2016 وبنسبة لم تتجاوز 5% من الواردات النفطية الأوروبية، التي تأتي من الدول الأوروبية بين بعضها البعض بنسبة تقارب 30% (استيراداً وإعادة تصدير)، ومن روسيا بنسبة تقارب 30% كذلك، ومن الدول المصدّرة من خارج أوبك، لتتبقى حصة قليلة للنرويج ولدول أوبك وللولايات المتحدة.
لماذا يُسعّر النفط بالدولار؟
إذا ما حيّدنا العوامل السياسية، ومنظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية ودورها في تحديد استخدام الدولار في سوق النفط العالمية، فإن استخدام الدولار في سوق النفط يعود أيضاً إلى الحاجة الموضوعية للعملة الأقوى لتسعير هذه السلعة العالمية وتوحيد آليات تسعيرها كمدخل إنتاج أساسي. فعموماً احتاجت التجارة الدولية في وقت من الأوقات إلى توحيد تسعير المنتجات الأساسية الكبرى المتجانسة.
كما أن آليات التسعير عِبر العقود المستقبلية للنفط المتداولة في البورصات، تلعب دوراً كأداة ومنتج مالي في تحديد العملة المستخدمة كوسيط في تجارة النفط. حيث إن العقود المستقبلية مسعّرة في البورصات بالدولار، وهي تهيمن على آليات تداول السلع المتجانسة والكبرى عِبر العالم، إذ كان سعرا برنت وغرب تكساس السعران المحددان والمبنيان على تداول العقود المستقبلية لشراء النفط عالمياً وبالدولار.
ولكن بالمقابل، إن كل هذا لا يُلزم المصدرين والمستوردين بالتسعير بالدولار، ولكن هذا الإلزام قد نتج موضوعياً من حاجة المصدرين إلى قبض قيمة سلعهم بالدولار، نتيجة الحاجة إليه في استيراد مستلزمات إنتاجهم من السوق الدولية، ولأن وصلات التجارة العالمية وسلاسل القيمة ومراكز الاستهلاك ومنابع التكنولوجية كانت لفترة طويلة أمريكية المصدر بالدرجة الأولى، ولذلك كان المنتجون العالميون يحتاجون إلى الدولار لأن الولايات المتحدة هي شريك أساس مُهيمنٌ في التجارة الدولية...
الولايات المتحدة لم تعد الشريك الأكبر
اليوم، لم تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأساسي عبر العالم، بل هي عملياً تعزل نفسها تجارياً، وأصبحت الصين هي الدولة التي تشكل الشريك التجاري الأول لأكبر عدد من دول العالم. كما أن الولايات المتحدة لم تعد مستهلكاً أساسياً للطاقة، بل انتقلت لتتحول إلى مُصدّر لها، وأصبحت الصين أيضاً المشتري الأكبر في سوق النفط الخام العالمي. ولذلك فإن الأسس العميقة لإلزام المصدرين بتسعير النفط بالدولار قد اهتزت خلال العقد الماضي. وقد ظهرت نتيجة هذا في التجربة الصينية لشراء النفط باليوان...
ثلث التداول بعقود اليوان
عندما أصدرت الصين عقوداً مستقبلية للنفط، مسعّرة باليوان المضمون بدوره بالذهب، في آذار من العام الماضي، حقق التبادل باليوان نقلات سريعة، وبأخذ نموذج رصدته وكالة بلومبرغ، فإنه وفق معطيات الشهر الأول من عام 2019، شكلت الكميات المشتراة وفق عقود اليوان في شانغهاي نسبة 33% من التداول تقريباً، وذلك لأقرب العقود المستقبلية لشراء النفط في الأسواق الثلاث: برنت – غرب تكساس- شانغهاي.
وهذه النسبة ارتفعت مع استعار الحرب التجارية، حيث تشير تقديرات لصحيفة وول ستريت جورنال بقلم ناثانيل تابلن إلى مدى سرعة قبول عقود اليوان في السوق العالمية، حيث في نهاية شهر 7- 2018، أي: بعد أربعة شهور فقط من إصدارها كانت قد شكلت نسبة 14% من التداولات، وقد احتلت هذه الحصة على حساب عقود خام غرب تكساس في نيويورك التي انخفضت من 70% من التداولات إلى 57% خلال الفترة ذاتها، ثم انخفضت في نهاية شهر 9 – 2018 إلى 52% من التداولات. وتراجع خام برنت كذلك من 38% إلى 32%. ومع مطلع 2019 كانت عقود اليونان قد أصبحت تشكل ثلث التداول العالمي.
20%
استخدمت أوروبا اليورو بنسبة تقل عن 20% في استيرادها للطاقة في الأعوام الأخيرة، بينما الباقي بالدولار رغم أنها لا تستورد من الولايات المتحدة إلا نسبة 5% من نفطها!
33%
ارتفعت مساهمة عقود النفط المسعّرة باليوان من 14% من التداول العالمي في شهر 7-2018 إلى 33% في شهر 1-2019 لتحتل ثلث التداول العالمي بعد 9 أشهر من إصدارها!
أصدرت الصين عقود النفط المستقبلي باليوان في شهر آذار من العام الماضي، وخلال تسعة أشهر تم رصد أن هذه العقود تساهم بنسبة 33% من عقود النفط المتداولة، وقد تضاعف شراء النفط باليوان في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الماضي مع اشتداد الحرب التجارية. إن هذه التجربة الصينية قد تشجّع المستهلكين الكبار العالميين، كالاتحاد الأوروبي الذي يستورد 85% من نفطه باستخدام الدولار، وليس اليورو، وبريطانيا التي تستخدم نسبة 90% تقريباً من مستوردات الوقود الصخري بالدولار، واليابان كذلك 90% من مستوردات الوقود والفحم والغاز الطبيعي بالدولار، وليس بعملات هذه الدول التي تعتبر عملات احتياطية دولية! اليوم تخرج أصوات من المفوضية الأوروبية تقترح توسيع الدور التجاري العالمي لليورو في مجال الطاقة، فهل تنتقل أوروبا إلى الخطوة الصينية؟ وهل يعقبها الآخرون؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 920