حرية البيانات الكبرى... حرية (عمالقة التكنولوجيا)
تجري تغيرات في قطاع التكنولوجيا الأمريكي خلال العام الماضي، فيما يسمى (بعمليات تصحيح) في سوق أسهم شركات التكنولوجيا مستمرة، وهي ليست إلّا عمليات بيع لأسهم هذه الشركات، وانتقال الأموال الكبرى منها إلى مجالات أخرى... آخر هذه العمليات كانت خلال الأسبوعين الماضيين عندما بلغت قيمة التخفيض في القيم السوقية لأسهم الشركات الأمريكية الخمس الكبرى 40 مليار دولار جديدة في كل من: فيسبوك- أمازون- آبل- نتفليكس- وغوغل.
من بين أكبر 25 شركة تكنولوجيا كبيرة من حيث القيمة السوقية، هنالك 14 شركة مقرها الولايات المتحدة، وثلاث في الاتحاد الأوروبي، وثلاث في الصين، وأربع في بلدان آسيوية، وواحدة في إفريقيا. وقد وصلت القيم السوقية لشركات التكنولوجيا إلى قيم غير مسبوقة في عالم الشركات، كشركة آبل التي وصلت إلى 1 تريليون دولار، بما يفوق ناتجي السعودية وجنوب إفريقيا مجتمعين!
تتجمع لدى هذه الشركات الكبرى، البنية التحتية الرقمية الأكبر، بمستوى تمركز كبير جداً يجعل دخول الدول النامية، وشركات جديدة إلى هذا السوق، يحتاج إلى مستوى تعاوني كبير، فيما بينها. وتحتاج أيضاً إلى عملية ضبط وتنظيم، وتحديد حريات الشركات الكبرى في هذا المجال.
حيث أتاح التحرير في هذا المجال للشركات الكبيرة أن تتهرب إلى حد كبير من الرقابة التنظيمية الصارمة ومن رقابة، تحد من قدرة السياسات على الضبط.
إن عملية سيطرة هذه الشركات على السوق، تتيح لها عوائد وأرباح كبرى، حيث ترتفع أرباحها بالقياس إلى المبيعات بنسب عالية: ارتفعت في أمازون مثلاً من 10% في عام 2005، وصولاً إلى 23% في عام 2015. وارتفعت في شركة علي بابا الصينية من 10% في عام 2011 وصولاً إلى 32% في عام 2015.
وتعود هذه الأرباح والعوائد إلى عمليات استخراج ومعالجة البيانات، حيث تستخدم سيطرتها على البيانات، بتقديم خدمات هامة، وتوسط العمليات التجارية والمعاملات...
إن مستوى التمركز والهيمنة في هذا القطاع، يتناقض مع ما يروج له حول (البيانات الكبرى) و(ثورة البيانات) على اعتبارها، نتاج اجتماعي، وتحديداً إذا ما ترك عمل هذه الشركات للسوق لتنظم العمل ذاتياً، دون ضوابط.
فعملياً تؤمن هذه الشركات، احتكارها للبيانات، بشكل شبه مجاني، حيث يتلقى المستهلكون خدمات رقمية متوسعة، مقابل تسليم بياناتهم، بأسعار رمزية صفرية... التحكم في هذه البيانات واستخدامها هو ما يسمح بتحقيق الريع الكبير لهذه الشركات، عبر استخدام البيانات، بل وإساءة استخدامها.
تفرض الضرورات اليوم، وجود سياسات بيانات تقييدية لمعالجة أربع قضايا: من يمتلك البيانات، وكيف يمكن جمعها، ومن يمكنه استخدامها، وبأية شروط... بالإضافة إلى معالجة مسألة سيادة البيانات، فأيها يحكمها القانون المحلي، وأيها عالمي يحكمها قانون عالمي.
لا يمكن أن تطور البلدان النامية بنيتها التحتية الرقمية، أو أنّ تطور من عمليات الضبط والقوننة في هذا المجال، دون عمليات تعاونية واسعة. تساعد في إدراج السياسات الرقمية ضمن السياسات التنموية. ليدرج بينها توطين البيانات، وإدارة تدفق البيانات ونقل التكنولوجيا والرسوم الجمركية على الإرسالات الإلكترونية.