اشتداد الاحتجاجات الشعبية في فرنسا
اندلعت في فرنسا يوم السبت 17 تشرين الثاني احتجاجات شعبية في أكثر من ألفي مدينة وقرية، شارك فيها أكثر من 287 ألف شخص، احتجاجاً على رفع أسعار الوقود، وتدهور القدرة الشرائية. حيث من المتوقع أن ترتفع أسعار الوقود في فرنسا ابتداءً من 1 كانون الثاني القادم بمقدار 2,9 سنت بالنسبة للتر البنزين و6,5 سنتا بالنسبة للديزل.
منذ مطلع تشرين الأول الماضي وعلى خلفية رفع أسعار الوقود، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات لحركة شعبية احتجاجية تسمى «السترات الصفراء»، توعدت بإغلاق الطرقات والمطارات ومحطات الوقود في العاصمة باريس وضواحيها، مما سيشل العاصمة التي تشكل أهم النقاط الحيوية والإستراتيجية في البلاد، بهدف دفع الحكومة إلى مراجعة سياستها الاجتماعية.
وقد حاول المتظاهرون يوم السبت إغلاق الطرق السريعة ومنع الوصول إلى مستودعات الوقود، والتقدم كذلك إلى الشانزليزيه في باريس لكن قوات الشرطة منعتهم من ذلك، وأطلقت الغازات المسيلة للدموع مما تسبب بإصابة أكثر من 400 شخص، وتم احتجاز 282 متظاهراً.
تشكل هذه الاحتجاجات تصاعداً في الحراك الشعبي المستمر في فرنسا ضد السياسات الاقتصادية الاجتماعية، بأشكاله وأساليبه المتنوعة من مظاهرات إلى إضرابات عمّال في شركات ومؤسسات مختلفة، وطلّاب جامعات، ومُدرّسين، تنديداً ببرنامج ماكرون الإصلاحي، الذي يصب في مصلحة أصحاب رؤوس الأموال، ومضمونه فتح باب أوسع للاستثمارات الأجنبية، وتخفيض في نسبة الضرائب على الشركات، وكذلك تخفيض في نسبة الميزانية المخصصة للنفقات العامّة، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى انتزاع حقوق الطبقة العاملة التي اكتسبها الفرنسيون في نضالاتهم السابقة ضد السياسات الليبرالية.
تشتد الأزمة الرأسمالية في دول المركز، ومع تغير ميزان القوى وتراجع إمكانية النهب على المستوى الدولي، تلجأ اليوم الأنظمة الرأسمالية إلى استغلال شعوبها أكثر، محاولةً انتزاع ما اكتسبته سابقاً من حقوق، بما يؤدي إلى تدهور أعلى في مستوى معيشتها، والذي يعني في نهاية المطاف ارتفاع مستوى الاحتجاجات الشعبية، وممارسة مختلف أشكال الضغط بشكل أكثر تنظيماً.
تأتي أهمية هذه الاحتجاجات في فرنسا، بالإضافة إلى أنها تعكس مصلحة وإرادة غالبية الشعب، كونها تجري في دولة مركزية ضمن المنظومة الرأسمالية، ودولة ذات وزن مهم في الاتحاد الأوروبي، مما يعكس بشكل لا لبس فيه، عمق أزمة المنظومة الرأسمالية التي أصبحت عاجزة عن إيجاد الحلول لأزمتها، وما يعنيه جدياً من انفتاح الأفق أمام الشعوب لتتحرر من الاستغلال.