الشركات الصناعية عِبءٌ على الحكومة أم العكس؟!

تقول وزارة الصناعة السورية أن لديها خطة لإعادة تأهيل المنشآت الصناعية العامة التابعة لها... خطة اليوم غير معلنة، ولكن خطة الأمس القريب في عام 2016، كانت تتحدث عن الخطوات الجريئة، لبيع أصول الشركات المتوقفة، ودعوة المستثمرين ليقدموا أ٨موالهم ويحصلوا على حصة، وفق قانون التشاركية، وذلك حتى تزيد قدرة هذه الشركات وفعاليتها ومواردها.

عندما تستمع للتصريحات حول وضع الصناعة العامة، تشعر بأن المشكلة كبرى، وأن هذه المنشآت والمعامل العامة الموزعة في سورية، ليست إلّا عبئاً على الحكومة، تثقلها بآلياتها وعمالها، وحتى بإنتاجها. وأن الحكومات (تدلل) على من يساهم في إعطاء هذه الشركات دفعة مالية لتعمل، حتى لو أخذ حصة!

ولكن الاقتراب من الأرقام والوقائع يقول لنا غير هذا، فبالمحصلة، فإن الشركات الـ 50 تقريباً العاملة، تحقق فوائض صافية فاقت 37 مليار ليرة في عام 2016. أيّ أن موازنة مجمل هذه الشركات في المؤسسات التابعة لوزارة الصناعة لا زالت رابحة. وذلك في عام 2016 عندما كانت ظروف الإنتاج والأسعار والوضع الأمني، أعقد مما هي عليه اليوم.
ولا تزال هذه الشركات تحقق إنتاجاً قارب في حينها 170 مليار ليرة، تصرف منه على مستلزماتها، وتدفع منه أجور عمالها، وعمال الشركات الأخرى المتوقفة، وتدفع منه ضرائب للحكومة، وتدفع منه حصة لاهتلاك آلاتها القديمة، التي لا تتجدد فعلياً! وبعد كل هذا يتبقى الفائض الذي فاق 37 ملياراً. وهذا الفائض يتحول للحكومة، ولا يبقى للشركات لتعمل به بمرونة... بل عليها أن تنتظر المخصصات الاستثمارية السنوية، فتعطيها الحكومة مخصصات بلغت فعلياً 11 مليار ليرة. ويتبقى للحكومة قرابة 25 مليار ليرة فائضاً صافياً من عمل هذه الشركات.
قد تقول الحكومة أن هذه الأرقام لا تتحقق بكاملها، وبالفعل، قد تكون الأرقام غير محققة، لأن تحققها يرتبط ببيع كامل الإنتاج، أي: بعمليات التوزيع والتسويق التي ترتبط بالعلاقات بين هذه الشركات، والتي تديرها المؤسسات والوزارة، مع الجهات الأخرى، وهي لا تتم تاريخياً بشكل فعال. وبالمقابل لا تمتلك هذه الشركات المرونة الكافية لتتعامل مع السوق مباشرة.
ولكن بغض النظر عن تحقق المبيعات أم لا، فإن هذا لا يُدين القدرة الإنتاجية لهذه الشركات، ولا يرتبط بالحل الذي تطرحه الحكومة، بالبحث عن شراكات ومستثمرين... فالمستثمر لا يحل مشكلة المبيعات، بل قد يحلها تعاقد مع موزعٍ معتمدٍ على سبيل المثال!
الحكومة تشير إلى أن المشكلة استثمارية، حيث لا تتوفر موارد كافية. وبالطبع إذا ما أرادت الحكومة أن تعوض الخسائر المباشرة للدمار الذي طال الصناعة العامة، فإنها ستحتاج إلى 500 مليار ليرة دفعة واحدة. وهذا غير ممكن أو حتى وارد في الطروحات الحكومية حالياً. بل المطلوب هو توسيع القدرات الاستثمارية للمعامل العاملة...
فلماذا لا تستثمر الحكومة أموال الشركات الرابحة في الشركات الرابحة والحدّية بنسبة أعلى! فتحصل على جزءٍ وتوظف جزءاً أكبر، أو تترك للشركات حرية استخدام الجزء الأكبر من فوائضها استثمارياً؟ وعندها فلتتعاقد هذه الشركات مع وكلاءٍ وأطرافٍ ليؤمّنوا لها آليات جديدة، ومعدات، لا تستطيع أن تستوردها أو أن تؤمنها بنفسها في ظروف العقوبات. ولتستخدم جزءاً من هذه الفوائض الاستثمارية في توسيع أعمالها، وفي تأمين منافذ تسويق لها. وفي توسيع كادرها العمالي عدداً ونوعاً، خارج منطق العقود السنوية، التي لا تسمح للعمال بالاستقرار، وللإنتاج بالتطور.
لماذا لا تجرب الحكومة آليات مختلفة في إعادة التأهيل للشركات الصناعية، بأن تترك هذه الشركات بحالها قليلاً. تترك لها الجزء الأكبر من فوائضها، وتحاسبها على نتائج أعمالها، وتترك لها حرية التوظيف والتعاقد، وتحاسبها على النتائج المتوقعة. ولماذا القفز مباشرة إلى البحث عن مستثمرين، والحكومة منطقياً لن تستفيد من عمليات الاستثمار الصناعي، لأن المستثمر لن يرضى أن توضع الفوائض لدى الحكومة؟! وسيطلب الكثير من التسهيلات والمساعدات التي تكلف الحكومة، ولا تقدمها اليوم للشركات العامة. كما أن المستثمر سيأخذ حصته من الفوائض، فتخسر الحكومة من الفوائض المالية التي تعطيها الشركات.
إننا هنا لا ندافع عن وضع الشركات الصناعية العامة، ونقول أن كفاءتها عالية، وينبغي المحافظة على وضعها! فعملياً نسبة الربح الوسيطة هي 28% بالقياس إلى التكاليف الإجمالية، وهي نسبة منخفضة، وتحديداً مع توقف الكثير من المعامل والمنشآت التي ينبغي الوصول إلى إجابات حول وضعها.
ولكننا نقول: إن القفز الحكومي السريع نحو البحث عن مستثمرين، ليس مُجدياً، ولا ضرورياً. فهذه الشركات في وضعها الحالي ودون مساعدات حكومية، بل بعبء حكومي مالي وإداري، تستطيع أن تحقق فوائض، وتستمر بالعمل والإنتاج.

كيف توزّع الإنتاج من 100؟

بفرض أنتجت الشركات الصناعية العاملة بمقدار 100 ليرة، فإنها دفعت قيمة مستلزمات الإنتاج منها 64، ودفعت أجور عمالها وعمال الشركات المتوقفة بمقدار 12، ودفعت ضرائب واهتلاكاً لآلاتها بمقدار 3.
ثم أعطت الحكومة الباقي 21، فأعادت للشركات 6 فقط للاستثمار، واحتفظت بـ 15 باقية... ثم قالت الحكومة: إن هذه الشركات غير فعالة، وعسى لو يأتي مستثمرون فينفقوا عليها ويحصلوا على حصة!