طريق بحر الشمال.. وصل آسيا بأوروبا عبر (القطب الروسي)
تتغير الجغرافية الاقتصادية للعالم... وتأتي المؤشرات بشكل مكثف لتشير إلى التغيرات الكبرى التي تعيد ربط العالم اقتصادياً ببعضه البعض، لترسم خريطة متغيرة مع تغير موازين القوى. تلعب طرق النقل دوراً مفتاحياً في هذا الشأن، أما طريق بحر الشمال فهو واحد من هذه الطرق المفصلية التي تعمق الربط الآسيوي الأوروبي، وتزيد العزلة الأمريكية.
ينتج عن التغير المناخي العالمي، كميات أقل من الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، وهذا الأمر يغير في أدوار هذه المنطقة الممتدة من مضيق بين روسيا والولايات المتحدة، على طول أقصى الشمال الروسي، وصولاً إلى المنفذ القريب من النرويج. ويتحول الطريق البحري الممتد ضمن هذه المنطقة إلى فرصة نقل تجاري بين آسيا وأوروبا. تشكل منافسة كبرى، للطريق البحري التقليدي الممتد عبر بحر الصين الجنوبي، ومضيق ملقا إلى المحيط الهندي فقناة السويس إلى البحر المتوسط.
حيث إن طريق الشمال أقل طولاً من الطريق التقليدي بمقدار الثلث تقريباً، ومن المتوقع أن يتحول في المستقبل غير البعيد إلى المسار المفضل على مدار العام في ظل تغير الظروف المناخية.
يحتاج الطريق المذكور، إلى حماية أولاً وإلى بنى تحتية وناقلات متطورة ثانياً، ولذلك فإنه يتحول إلى مشروع دولي تتعاون فيه حالياً الطاقات الروسية والصينية بشكل مشترك.
كاسحات الجليد الروسية النووية
لقد ضاعفت روسيا الإنفاق على الدفاع في القطب الشمالي، وهي من الممكن أن تكون المستفيد الأكبر من الطريق ليس فقط جغرافياً، بل لأنها البلد الوحيد في العالم الذي يمتلك أربع كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، وسفينة حاويات تعمل بالطاقة النووية، وتعمل على إنشاء ثلاث كاسحات إضافية.
كما أن شركات الطاقة الروسية كشركة نوفاتيك، التي نقلت أول ناقلة غاز عبر هذا الطريق إلى الصين، تعمل على إنشاء أسطول من الناقلات التي تمتلك ميزة كسر الجليد، والتي لا تتطلب كاسحات مرافقة.
وتتقدم تكنولوجيا بناء السفن القادرة على التعامل مع القطب الشمالي بالتوازي، في كوريا الجنوبية التي أنشأت ناقلتها الأولى. بالإضافة إلى الصين طبعاً التي تعمل بشكل أوسع في هذا المجال.
الصين شريك إستراتيجي
الصين معنية بطريق الشمال لأنه يقلص الطريق البحري لنقل بضائعها إلى أوروبا لمدة 12 يوماً، مختصراً المسافة بمقدار 5 أيام بالمقارنة بقناة السويس. كما أنه يؤمن لها ممراً شمالياً بحرياً لإيصال الغاز الطبيعي... ولذلك فإن الصين تنخرط في المنطقة بشكل واسع، وبتعاون إستراتيجي مع روسيا.
حيث يقدم مشروع يامال للغاز الطبيعي في روسيا، مثالاً على هذا التعاون: فالمشروع الذي لا ينتج الغاز فقط، بل يقوم بإنشاء بنى النقل التحتية ومن ضمنها سفن النقل التي تكسر الجليد... هو مشروع روسي، ولكن تشارك فيه الصين بنسبة 20% عبر شركة البترول الصينية الوطنية، ويتمول أيضاً بنسبة 10% من صندوق طريق الحرير.
وقد اتخذت الصين حتى الآن ثلاثة أشكال للتعاون في المنطقة: فهي تزيد حصتها من طلبيات البضائع المنقولة عبر السفن الروسية في المياه القطبية، وتعزز حصة ملكيتها من السفن التي ترفع العلم الروسي، وثانياً: أطلقت برنامجاً لبناء كسارات الجليد والسفن المناسبة، لتتمكن من حمل المزيد من السلع والمواد الخام على سفنها الخاصة، وثالثاً: ما تقوم به الشركات الصينية من عمليات مشاركة وحفر في مناطق المحيط المتجمد الشمالي، بالإضافة إلى مرافق الموانئ التي تبنيها في روسيا.
التعاون في تلك المنطقة قد يتجاوز الروس والصينين، فاليابان مثلاً معنية أيضاً بهذا الطريق، لأنه يختصر 9 أيام من طريق وصول بضائعها إلى أوروبا. ويسهل وصول الغاز الطبيعي المسال إليها من روسيا. وقد بدأت تظهر الشركات المتشكلة من تحالفات جديدة مبنية على أساس الفرصة التي يتيحها طريق الشمال المذكور، كالشركة الروسية فلاديمير روسانوف للغاز الطبيعي المسال، المملوكة بشكل مشترك من قبل روسيا، وشركة ميتسيو اليابانية، وشركة الشحن كوسكو الصينية.
الأمريكيون في قارة أخرى
أهم ما في هذا الطريق أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تستطيع التحكم به. كما في الطريق الجنوبي المعروف بطريق السويس، الذي تهدد الولايات المتحدة به كلاً من الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان. عبر سيطرتها على مضيق ملقا، واحتمالات الحصار التي تلوح بها، وهو المضيق الذي يصل عبره 80% من حاجات الصين واليابان من الطاقة حالياً. بالإضافة إلى عنصر التوتير الذي تصعده الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، وهو ضمن الطريق الجنوبي المذكور.
وبالتالي، فإن طريق الشمال يشكل حلاًّ نوعياً في مواجهة الضغوط الأمريكية، على الطرق البحرية للنقل والتجارة الدولية، التي تصل بين آسيا وأوروبا. وحلاً نوعياً لنقل الطاقة والغاز الروسي المسال تحديداً إلى المستهلكين الكبار في اليابان والصين. وقدرة الأمريكيين على العمل في القطب الشمالي محدودة، لأن الولايات المتحدة لا تمتلك سوى كاسحتي جليد واحدة متوسطة وواحدة ثقيلة، وكلتاهما أصبحتا قديمتين بالقياس إلى العمر والنوع، وستحتاج الولايات المتحدة لعام 2025 لتنشأ كاسحة الجليد القطبية الضرورية للدخول والعمل في الطريق الجديد، حيث بدأ الآخرون...