عقد استثمار الأسمدة في أروقة الحكومة
مرّة وربع، هو مقدار التضاعف في قيمة الإنتاج الإجمالي في منشآت المؤسسة العامة للصناعة الكيميائية، حيث بلغت قيمة الإنتاج الفعلي 13,6 مليار ليرة في منتصف العام الحالي، بزيادة عن الفترة ذاتها من العام الماضي بمقدار 7,6 مليار ليرة، وبنسبة نمو في الإنتاج الإجمالي: 126%.
عشتار محمود
المنتج الأكبر لهذه القيم، هو: معمل الأسمدة بمقدار 9,4 مليار ليرة، حيث ينتج معمل الأسمدة 70% من إنتاج المؤسسة، ولكن مع هذا ترى المؤسسة أن مسألة إيجاد شريك في معمل الأسمدة مسألة لا بدّ منها.
عرضت شركة روسية خاصة على الحكومة تطوير الشركة العامة للأسمدة بمعاملها الثلاثة، عبر استثمار مبلغ مئتي مليون دولار (86 مليار ليرة) مقابل حصة من الإنتاج والأرباح. حتى الآن لم تتضح تفاصيل العقد، الذي وبحسب مدير المؤسسة سيكون لـ 15 عاماً قابلة للتجديد، دون توضيح الحصص.
هدر في المعامل المُهمَلة
يتجاوز عمر معامل الأسمدة 35 عاماً، وقد عانت خلال الأزمة من تقطع وصول الغاز، والفوسفات، والمستلزمات الأخرى، ومن خسارة نصف الفنيين والخبراء. وتتكرر عمليات التوقف حتى في حال توافر المواد الأولية، بسبب تكرار حدوث الأعطال. حيث تؤدي البنية الفنية المتردية لخطوط الإنتاج إلى هدر كبير يبلغ 20% من الغاز المستخدم، وبشكل عام فإن دراسات المؤسسة تشير إلى أن نسبة استغلال الطاقات المتاحة منخفضة لحد بعيد: معمل اليوريا 16%، والكانترو 3%، والفوسفاتي 4%، وفق تصريحات لمدير المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية.
تقول الإدارة: إن التشاركية في استثمار المعمل سترفع الإنتاج إلى 1600 طن، من مستوى 350-400 طن يومياً حالياً، وسترفع الربح إلى 30%. وتسوق مجموعة من الدلائل على حجم الهدر والخسارة في تشغيل المعامل، حيث إن مبيعات الأسمدة في العام الماضي كانت أقل من تكاليف الإنتاج بمقدار 500 مليون ليرة- بينما كانت الأرباح في عام 2016 بمقدار 1,3 مليار ليرة- كما تشير الإدارة إلى أن العائد على استثمار الأصول في الأسمدة لا يتجاوز 9 بالألف، حيث قيمة الأصول المتواجدة في الشركة تقارب1- 1,5 مليار دولار.
السياسة الاقتصادية وليس المعمل
من المؤكد أن الشركة العامة للأسمدة، المؤسسة في سبعينيات القرن الماضي، تعاني من مشاكل تقنية كبرى... وأن تأمين عملية ضخ استثماري لتطويرها، وإيقاف الهدر الحاصل، وتحسين شروط الإنتاج البيئية، هي عمليات ضرورية حتى قبل الأزمة. ولكن ينبغي مراجعة التقييمات المساقة من المؤسسة لتوضيح (حجم الفشل) في الأسمدة!
فالقيم السوقية لخطوط الإنتاج والآلات والمعدات العائدة إلى ثلاثةٍ إلى أربعةِ عقود، قد تم استعادتها من خلال عائدات إنتاج الأسمدة طوال هذه الفترة. ما يجعل عملياً العائد يحسب إلى التكاليف التي من ضمنها أجور الصيانة، فعندما يتحقق ربح يقارب 1,3 مليار ليرة، فإنه يقاس إلى التكاليف لتكون نسبة الربح: 25% في عام 2016، رغم الهدر والتوقفات. وإن كان هذا لا يبرر ضرورة إيقاف الهدر، وعدم خسارة الشركة، وتحديداً مع اشتداد الحاجة إلى منتجاتها مع توسع المساحات الزراعية، وتراجع إنتاجية التربة الزراعية في ظل تراجع قدرة المزارعين على التسميد، وارتفاع تكاليف الأسمدة بنسب قياسية لتشكل 22% من تكاليف إنتاج القمح مثلاً.
تعامت الحكومة عن مشكلات الأسمدة لعقود، واستيقظت الآن مع تقديم عرض تشاركية للمعامل! ليقول مدير المؤسسة: بأنّ أرقام معمل الأسمدة مخجلة ومعيبة! فمن السبب؟ إن لهذا المعمل حق على المال العام متمثل في المبالغ التي زود بها المالية العامة خلال عقود، والتي لم تقتطع منها حصة جدية ومستمرة لتأمين حاجته، ولتجديد وتوسيع الاستثمار في رأس المال الثابت والبشري في قطاع الأسمدة. وهذه السياسة الاقتصادية تجاه الصناعات العامة عموماً، تتحول اليوم إلى تهمة على المعمل وأداة للترويج لضرورة إيجاد مستثمرين شركاء في الإنتاج والربح.
كم ستبلغ حصة الشركة؟
تستطيع الحكومة اليوم أن تتذرع بصعوبة تأمين القطع الأجنبي الضروري لتطوير البنية الاستثمارية في الأسمدة وغيرها، رغم أن مبلغ 200 مليون دولار استثمار والمعادل لـ 86 مليار ليرة، يشكل نسبة 6,4% من الموازنة العامة لعام 2018. ويمكن استعادته من إيرادات مبيعات عامين متتاليين فقط، ومن أرباح 9 أعوام، وذلك في حال ارتفع الإنتاج إلى 1600 طن يومياً، والربح إلى نسبة 30%، كما تشير تصريحات إدارة المؤسسة.
وعدا عن القطع الأجنبي قد تتواجد معوقات عديدة، مثل: صعوبة توريد المعدات وشرائها دون وسيط في ظل العقوبات المفروضة على سورية.
ولكن السؤال: هل حاولت الحكومة الوصول إلى اتفاقيات أخرى للبحث عن حل لمشكلة معمل الأسمدة؟ ولماذا تأتي المبادرة من شركة روسية خاصة؟ وهل ستكون الآلية الاستثمارية مشابهة لعقد استثمار الفوسفات، بنسبة غير مسبوقة 70% من الإنتاج؟
25% للمستثمر يحقق ربحاً 100%
لم تتضح بعد الحصص في عقد التشاركية الذي يتم الحديث عنه، بل لا يزال العقد يجوب أروقة الحكومة، ويُدرس ويحصل على الموافقات، وفق مدير المؤسسة الكيميائية.
ولكن ينبغي التنويه إلى أن الشركة المستثمرة بمقدار 200 مليون دولار تستطيع أن تستعيد استثمارها خلال 15 عاماً إذا حصلت على حصة تقارب 12,5% فقط من الإنتاج السنوي الذي سيقارب وفق التصريحات 1600 طن يومياً. وهو ما يعني أن حصولها على نسبة 25% فقط من الإنتاج، يحقق لها ربحاً من استثمارها بنسبة 100%، خلال الفترة المذكورة. وهذا إذا افترضنا أن سعر مبيع الطن هو 110 آلاف ليرة سورية، كما هو وسطي مبيع الطن من السماد اليوم، بينما إذا ما أتيح للشركة أن تبيع حصتها خارج سورية، فإن نسبة الربح تصبح أعلى.