الصين تدخل في معركة النفط الأمريكية
ليلى نصر ليلى نصر

الصين تدخل في معركة النفط الأمريكية

لم يتفاعل الاقتصاد العالمي، وقطاع النفط جدّياً مع إعلان ترامب فرض عقوبات على النفط الإيراني، ولكن التفاعلات بدأت تظهر اليوم في إيران وعالمياً مع اقتراب موعد تطبيق العقوبات، وبتفاعلها مع مجريات أخرى، تحديداً من طرف الصين... فإن سوق النفط قد تشهد تغيرات كبيرة في الفترة القادمة.


الاقتصاد الإيراني يهتز
تسري الاضطرابات في الاقتصاد الإيراني حالياً، حيث موجة تراجع سريع أخيرة، أصابت الريال الإيراني الذي انخفض من قرابة 50 ألف ريال مقابل الدولار في شهر آذار، وصولاً إلى 112 وحتى 120 ألف ريال، ليفقد نسبة 50% من قيمته في ظرف أربعة أشهر. حيث ترتبط هذه التغيرات بخروج الأموال من إيران، حيث قاربت 59 مليار دولار خلال العامين الماضيين، وفق تقديرات منقولة عن البرلماني الإيراني.
تراجعت القوة الشرائية في إيران بنسبة 80% خلال ثمانية أشهر، عدا عن مستوى البطالة الذي وصل 15%، ليخسر الاقتصاد الإيراني ألف وظيفة يومياً، بحسب تقديرات غرف التجارة الإيرانية. وصولاً إلى ما جرى مؤخراً من تداعيات سياسية واجتماعية: إغلاق الأسواق، والاضطرابات في الشوارع، والحديث عن احتمالات سحب الثقة من الرئيس روحاني، أو حكومته، بعد أن أُقر استدعاؤه للمساءلة أمام البرلمان الإيراني.
صدَّرت إيران بعد الاتفاق النووي الإيراني حوالي 2,6 مليون برميل يومياً، وهو الحد الأقصى الذي وصلت له في نيسان الماضي، قبل إعلان العقوبات في شهر 5-2018 حيث استمرت الصادرات بالارتفاع إلى وسطي يومي 2,7 مليون برميل، لتنخفض بعدها في شهر 6-2018 إلى 2,4 مليون برميل... ولكن تقديرات مختصي النفط والأسواق تشير إلى أن تطبيق العقوبات على إيران سيقلص كميات النفط الإيراني المصدر عالمياً بمقدار مليون برميل، وهي خسارة هامة في كميات النفط العالمية سيكون لها تأثير كبير على الأسعار.

هل ستخسر سوق النفط
مليون برميل؟
ليس مؤكداً إذا ما كانت الأشهر الأخيرة المتبقية من العام الحالي 2018، ستشهد عودة عن هذه العقوبات أم لا... وإذا ما كانت إيران ستخسر فعلياً مليون برميل أو أكثر من صادراتها النفطية، أم ستجد ممانعة دولية جدّية للعقوبات الأمريكية التي يمكن أن تفرض عقوبات مالية على الشركات والبنوك الممتدة عبر العالم، والمساهمة في التعامل مع النفط الإيراني.
في ردود أفعال الدول المستوردة للنفط الخام الإيراني، فإن الموقف الصيني هو من أوضح المواقف بعدم الاستجابة إلى العقوبات الأمريكية على إيران، وكذلك أتى الموقف التركي المعلن بأن تركيا لن تتوقف عن استيراد النفط الإيراني... الموقف الأوروبي لا يزال ملتبساً وغير معلن في مسألة النفط، وسيكون من الصعب على أوروبا أن ترفض هذه العقوبات. والموقف الملتبس الآخر هو الموقف الهندي، وهي ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني بعد الصين. فبينما كانت التصريحات تشير إلى أن الهند لن تلتزم بهذه العقوبات، وستستمر باستيراد النفط من إيران وفق الاتفاقات الثنائية التي كانت تتيح للهند شراء النفط بعملتها، وليس بالدولار. ولكن الهند كانت أول الدول التي قلصت من شرائها للنفط الإيراني، بنسبة 15,9% خلال شهر واحد. كما أن السلطات الهندية أوعزت لقطاع التكرير الهندي بأن يستعد لتراجع في الواردات الإيرانية بمقدار قد يصل إلى الصفر، أو تستعد للعقوبات الأمريكية. وكردٍ هددت إيران بإلغاء الامتيازات التجارية الثنائية كافةً بين البلدين في حال التزام الهند بالعقوبات.
سوق النفط العالمية قد تخسر مليون برميل نفط من إيران، ولكن هذا ليس الخطر الوحيد على هذه السوق التي تتحول إلى واحد من محاور الاضطراب الاقتصادي العالمي. ولكن الردود الإيرانية والعالمية وتحديداً الصينية هي ردود ترفع سقف المخاطر إلى حدٍ يدفع الجميع للتفاوض بعد التوتر، وهو هدف وطريقة الإدارة الأمريكية الحالية.

المضائق والتوترات السياسية
إيران هددت علناً، بأن منع تصدير نفطها سيعني عدم تصدير النفط من الخليج ككل. أي: بإغلاق مضيق هرمز، حيث يمر حكماً كل نفط الخليج العربي المصدر بحراً. وحيث الحركة اليومية الوسطية من المضيق تقارب 19 مليون برميل نفط يومياً. كما انتقلت المخاطر إلى باب المندب، حيث يمر5 مليون برميل نفط يومياً من الممر الذي استهدفت فيه ناقلتان سعودية وكويتية بحمولات تفوق مليون برميل لكل منهما.
كما أن الاضطرابات امتدت مؤخراً إلى مناطق عديدة مؤثرة في تدفق النفط العالمي: ليبيا، ونيجيريا، وحتى كندا.
ومقابل التقلص النفطي العالمي، فإن الولايات المتحدة تطلب من السعودية توسيع إنتاجها، الأمر الذي لن يكون دون رد إيراني، كما تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة إنتاجها من النفط الصخري، وزيادة قدراتها التكريرية والتصديرية. ولكن الرد أتى من الصين قوياً، وهادفاً إلى تغيير قواعد المفاوضات في لعبة النفط التي تلعبها الولايات المتحدة مؤخراً.

الصين تقلب الطاولة
أعلنت الصين بتاريخ 4-8-2018 أنها ستوقف عمليات استيراد النفط الخام الأمريكي بشكل مؤقت وحتى شهر 10-2018. وقد أتى هذا الإعلان من قبل شركة التكرير الأكبر في آسيا يونبيك التابعة للدولة في الصين، وهي المستورد الأكبر للنفط الأمريكي، حيث استوردت الشركة 300 ألف برميل يومياً من أصل 427 مليون برميل نفط خام صدرتها الولايات المتحدة في شهر 5-2018.
أتى القرار الصيني كَردٍ على التصعيد الأمريكي في سوق النفط، وكَردٍ على التلويحات الأمريكية برفع التعرفة الجمركية على الصادرات الصينية بمقدار يصل إلى 200 مليار دولار، بل و500 مليار دولار وفق تصريحات ترامب الأخيرة. حيث أعلنت الصين أنه في حال دخول هذه التعرفات قيد التطبيق، فإن الصين ستفرض تعرفات على قائمة من مجموعة كبيرة من السلع الأمريكية تصل إلى 60 مليار دولار، من ضمنها منتجات الطاقة الأمريكية لترفع تعرفتها من 5% إلى 25%. ما يعني تراجع استيراد النفط الأمريكي من قبل الصين، المستورد الأكبر.
ارتفع سعر برميل النفط العالمي الشهر الماضي إلى 80 دولاراً للبرميل وهو أعلى مستوى له منذ حرب النفط وانخفاض أسعاره في عام 2014، النفط مرشح للارتفاع والكثير من الاضطرابات تهدد بتغيرات في سوق النفط العالمية: العقوبات على إيران واحتمال خسارة مليون برميل يومياً، رفع التعرفة الصينية على صادرات النفط الأمريكي، وإيقاف استيراده مؤخراً،  والاضطرابات المحتملة في المضائق الأساسية في منطقتنا. ولكن قد يكون كل ما يجري هو إطار تفاوضي تستخدم فيه القوى الفاعلة قدراتها النفطية استيراداً وتصديراً... وقد ينتهي بدعوة ترامب إلى الحوار دون شروط مسبقة.

آخر تعديل على الإثنين, 06 آب/أغسطس 2018 13:36