«تعفيش» استثماري عقاري

«تعفيش» استثماري عقاري

يصر مجلس الوزراء على إزالة سريعة لآثار الدمار، ولا تتوقف التصريحات الحكومية حول النشاط العقاري: فمسؤول يتحدث عن تنظيم المناطق العشوائية التي تبلغ 40-50% من مناطق السكن السورية، وآخر عن حماس الشركات الأجنبية والعربية للاستثمار في السوق العقارية السورية، وغيره يفند مزايا القانون رقم 10 ونموذج إعمار منطقة خلف الرازي.

 

على الجهة المقابلة تظهر جموع الناس في منطقة جنوب دمشق، يتلمسون بقايا بيوتهم التي اختفت معالمها، ربما ليقولو فقط: «نحن هنا»! وقد رافقتهم طبعاً ميليشيات النهب التي أصبحت جزءاً محسوماً من مراحل إنهاء الأعمال العسكرية! وعدا عن سكان هذه المنطقة فإن الكثير من الأسر السورية تتمسك بأوراق ملكيتها، إن وُجدت، تحسباً لعمليات تنظيم المناطق المنظمة وغير المنظمة، واستعداداً للتصدي للحماس العقاري الاستثماري.

وكما أن عملية إنهاء المعارك في محيط دمشق، وفي مساحات واسعة من البلاد، هي نتاج سياسي إيجابي... فإن البدء في إزالة آثار الدمار، وبحث مسألة المناطق المدمرة والعشوائية هو أمر ضروري أيضاً. ولكن الجانب المقلق هو: المتسلقون الاقتصاديون على الظروف السياسية، فكما يستفيد (المعفشون) من سطوتهم المؤقتة على بقايا البيوت، يحاول (المستثمرون الجدد) أن يستفيدوا من سطوتهم المؤقتة على القرار الاستثماري. ساعين ليحولوا مفهوم إعادة الإعمار، إلى ما يشبه تجربة «خلف الرازي» حيث أُخرج السوريون من منازلهم عنوة ليأخذوا أجاراً مؤقتة، وملكية أسهم، ومن ثم ليبيعوا ملكيتهم تحت ضغط الأمر الواقع للأثرياء، ممن يستطيعون أن يبيضوا أموالهم في عقارات (مشروع ماروتا) وغيرها.
فإذا كانت المناطق المدمرة كلها، والمناطق العشوائية كلها ستُعمر بهذه الطريقة، وستتحول إلى هذه القلاع الزجاجية التي تصورها المخططات... فأين سيسكن الملايين من قاطنيها الأصليين؟ ألن تنتج عشوائيات جديدة؟ ألن تكون الفوضى هي نتيجة كل هذه الخيبة والمرار؟ من الصعب أن ينجح الاستثمار العقاري، مهما استعجل الحالمون به، ففي وجهه عوائق لا تتمثل فقط بالملايين من السوريين ممن يستحقون التعويض الكامل عن خسائرهم، بل يقف في وجه هذا الربح المقامر، القوى الدولية كلها التي لا مصلحة لها باستمرار الأزمة، والقوى المحلية كلها التي تريد إعادة إعمار وتبني بلاداً لا أوهاماً.