الغرب يحذّر من (الإعمار الصيني)

الغرب يحذّر من (الإعمار الصيني)

ينشر الإعلام الغربي الاقتصادي الكثير حول إعادة الإعمار السورية، ولكن معظم ما يُنشر يركز حالياً على الجانب السياسي الدولي في هذه العملية، وتحديداً حول دور الصين في إعادة الإعمار القادمة...

 

يتوقع الكثيرون، بأن الصين ستكون المحرك الأساس لإعادة الإعمار في سورية، ولهذا التوقع الكثير من المحددات المنطقية... القائمة على الإمكانات الصينية من جهة، والمصلحة الجيوستراتيجية من جهة ثانية، بالإضافة إلى المنافسة الدولية الضعيفة في المرحلة القادمة في سورية، وتحديداً تراجع فرص الغرب في المساهمة في إعادة الأعمار. وذلك مبني على وضع الغرب لاشتراطات وتعقيدات في وجه انخراطه المبكر في عملية إعادة الإعمار، والأهم: سير مشروعه السياسي نحو الفشل في سورية.

تتباين تقديرات تكلفة إعادة الإعمار السورية، إلا أن أدناها يسجل 250 مليار دولار... وهذه الفاتورة التي تبدو مرتفعة، لا تشكل حافزاً كافياً للاستثمار الدولي بمعنى الأرباح، بقدر ما تحمل إعادة إعمار سورية دلالات لنتائج الجانب الدولي من المعركة في سورية. حيث ستعبر عملية إعادة الإعمار في حينها عن طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية في المرحلة القادمة. فإما أن يكون للغرب دور محوري في الاستثمار وإعادة الإعمار كما كان في لبنان على سبيل المثال! وإما أن يكون للقوى الصاعدة تجربتها الأولى والأهم في ترسيخ الاستقرار الاقتصادي، بعد الاستقرار السياسي.
يركز الإعلام الاقتصادي الغربي على الدور الصيني المرتقب في إعمار سورية، ويحذر منه، فالصين هي الأكثر قدرة من حيث الفوائض المالية، وهي الطرف صاحب القدرة التمويلية الأعلى، والتجربة الأوسع للاستثمار والمساعدات... كما أن للصين حافزاً لتأمين الاستقرار والمساهمة في الفعالة في إعادة إعمار سورية، فالأزمة السورية، والاضطراب في (الشرق الأوسط)، يقف عائقاً في وجه المشروع الصيني لربط الشرق بالغرب، عبر مشروع طريق الحرير، الذي يقع الساحل الشرقي للمتوسط على مفصل عالي الأهمية فيه.
ما يعني: أن للصين إمكانات ودوافع للمساهمة الفعالة في عملية إعادة إعمار سورية. وبالمقابل فإن الطرف التمويلي الآخر، الغرب ومؤسساته، لا يزال مكبّلاً بمحددات مشروعه السياسي في سورية. فبعد أن انتعشت عمليات البحث التفصيلي في المؤسسات الدولية لآليات وسياسات المرحلة القادمة في سورية، عادت لتخمد في العام الحالي، وعاد التركيز على عمليات الإغاثة والمساعدات والتمويل الجزئي، لمناطق سورية دون أخرى، في سياسة ترتبط بآمال ومساعي الغرب نحو التقسيم... حيث ازداد تشدد الموقف الغربي الذي يستمر بالعقوبات على سورية، ويتوسع بها، ويربط مساهمته بالتمويل، بشروط سياسية كعملية انتقال سياسي، وفق الرؤية الغربية. ويتوسع هذا المنطق لتطرحه الولايات المتحدة وليس فقط الاتحاد الأوروبي كما كان سابقاً. وآخر ما يجري في هذا السياق تجهيز الولايات المتحدة لمشروع حكومي، ينص على فرض عقوبات على الجهات الدولية التي توصل المساعدات إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.
الصين وغيرها من الدول، كروسيا وإيران بالدرجة الأولى، تبدي مرونة بالتعامل مع ملفات إعادة الإعمار في سورية، والتعامل مع ضرورات إحياء البنى التحتية، والتركيز على قطاعات دون غيرها، تبعاً للأهمية كما في قطاع الطاقة على سبيل المثال... رغم أن هذه العمليات تعني البحث عن طرق وآليات لإمكان الاستثمار والتمويل، مع تجاوز العقوبات الدولية على سورية. التي ستشكل عائقاً على عمليات استثمار واسعة، وهو ما يفسر وجود الكثير من الحركة، والزيارات والمبادرات، وبالمقابل عقود وتنفيذ فعلي منخفض! فالتأخر يرتبط بعاملين الأول: درجة استقرار الظروف الأمنية والسياسية من جهة، ومن جهة ثانية: الاستعصاءات التي تضعها العقوبات الغربية الدولية، التي تعيق أي استثمار بالدولار أو تدفق الأموال للاستثمار في سورية.
إن البدء بالاستثمار حالياً لا يستطيع إلا أن يكون بطرق التفافية، أو بمستوى عالٍ من التنسيق بين الحكومات للاستثمار بشكل مباشر... لذلك فإن إعادة الإعمار بالمعنى الواسع والشامل، لن تتم في سورية إلا بمستوى أعلى من الاستقرار السياسي المرتبط بالحلول السياسية الشاملة، وسيعبر في حينها عن فشل مشروع الفوضى الغربي، ما يعني استحالة أن يكون الاستثمار الغربي وما يشابهه فاعلاً جدياً في إعادة الإعمار السورية.