هل توليد الكهرباء عبر الشمس ممكن في سورية؟!
أعلنت وزارة الكهرباء عن تدشين أول محطة توليد طاقةٍ شمسية في الكسوة في ريف دمشق باستطاعة 1.26 ميغا واط وقدرة إنتاج حوالي مليوني كيلو واط في العام، وفق العقد الموقع بين شركة (سولاريك)، والشركة العامة لتوليد الكهرباء، فهل يمكن من البيانات الأولية أن نقيس الجدوى الاقتصادية لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في سورية؟!
يتوسع إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة بشكل مضطرد عبر العالم، وتحديداً من ألواح الطاقة الشمسية التي يتسارع الاستثمار فيها أعلى من غيرها من مصادر الطاقة البديلة الأخرى (الرياح- الوقود الحيوي- الهيدروليكية).
(الكهرباء الشمسية) تتوسع عالمياً
أنشئ خلال عام 2016: 31 ألف لوح طاقة شمسية لتوليد الكهرباء في كل ساعة من ساعات العام الماضي، بمجموع طاقة جديدة منتجة من الشمس بلغت 75 غيغا واط في العام الماضي بزيادة 48% عن عام 2015.
وبينما كان الاستثمار العالمي في الطاقة الشمسية في عام 2012 يبلغ 3 ملايين دولار، فقد ارتفع في عام 2015 إلى 158 مليون دولار، وصولاً إلى 233 ملايين دولار في 2016، ساهمت بـ 3 مليون فرصة عمل.
ثلثا هذه الطاقة الكهربائية الشمسية منتجة في آسيا، بينما ساهمت الصين بمقدار 34.5 غيغا واط إضافية في عام 2016، بنسبة زيادة 126% عن عام 2015، حيث أصبحت الصين تنتج 77.4 غيغا واط ساعي من الكهرباء باستخدام طاقة الشمس فقط.
وفق ما ذكره تقرير: Renewable Energy Policy Network for the 21 century.
تسارع كبير في انخفاض الكلف
يترافق توسع الاستثمار في الطاقات المتجددة مع التكثيف التكنولوجي واختصار في الكلف، فبينما قدرت الكلفة الوسطية للطاقة الشمسية في عام 2010 35 سنت للكيلو واط الساعي، فإن التكلفة انخفضت اليوم في بعض الدول التي تتمتع بأجواء شمسية مناسبة مثل: السعودية والشيلي لتصل فيها تكلفة إنتاج الكيلو واط الساعي الشمسي إلى 2- 3 سنت.
كما أن الإنتاج الآسيوي وتحديداً الصيني والهندي قد كسر المقاييس في كلفة الاستثمار، فكلفة تكنولوجيا الطاقة الشمسية في الصين والهند أقل من كلفتها في أوروبا بنسبة 20- 23% على التوالي.
ولكن جدوى الطاقة الشمسية لا تحدد وفق مقياس كلفة التكنولوجيا المستخدمة فقط، بل بمقدار الإشعاع الشمسي المتاح، وهو ما يجعل بعض مناطق آسيا مثل: السعودية ومنطقة (الشرق الأوسط) عموماً تبدأ بهامش تكلفة 6 سنتات أمريكية لإنتاج الكيلو واط الساعي، رغم أن التكنولوجيا المستخدمة في السعودية أعلى من التكنولوجيا المستخدمة في الصين بنسبة 60% وأعلى من التكنولوجيا في أوروبا بنسبة 47%.
وتعتبر سورية من المناطق ذات الكفاءة العالية في السطوع الشمسي المعتدل المطلوب لإنتاج الطاقة الشمسية حيث يسقط في بلادنا مقدار عالٍ من الطاقة الشمسية 1000 واط على المتر المربع أثناء النهار، إضافة إلى ذلك فإن أيام السطوع الشمسي عالي جداً بحدود 330 يوم في السنة، بالمقارنة مثلاً مع ألمانيا وهي دولة رائدة في استخدام الطاقة الشمسية فإن معدل الطاقة الساقطة 600 واط تقريباً وعدد الأيام المشمسة 65.
راجع قاسيون (خيار الطاقة الشمسية بالأرقام المحلية).
بالمقارنة مع الكهرباء من الوقود
ما تزال كلفة تكنولوجيا توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، وكلفها الاستثمارية مرتفعة بالمقارنة مع محطات التوليد الكهربائية العادية.
فعملياً، استثمار بمقدار مليار ليرة في سورية قادر على إنتاج 2 مليون كيلو واط ساعي خلال العام، وهي تكفي لتغطية الاستهلاك الوسطي لحوالي 1300 مواطن فقط بمستويات استهلاك عام 2010!
وهو ما يعيق التوسع في استخدامها، ولكن حسابات الجدوى الاقتصادية لتوسيع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في سورية، وفق معيار الكلفة المعدلة للطاقة (LCOE) وهو المعيار المستخدم في قياس كلفة الكيلو واط الساعي المنتج عبر طرق التوليد بالطاقة البديلة، يشير إلى أن الكلف تقل عن كلفة الإنتاج الحالي بالوقود المسعر عالمياً.
فإذا ما طبقنا معيار الكلفة المعدلة البسيط على نموذج منشأة التوليد الشمسي الصغيرة في الكسوة بكلفة استثمارية مليار ليرة، ووزعنا هذه التكلفة على كم الطاقة المنتجة خلال الفترة الوسطية المعتمدة في عمر تكنولوجيا الطاقات المتجددة وهي 25 سنة، فيتبين أن كلفة الكيلو واط الساعي لا تتعدى: 20 ليرة للكيلو واط الساعي، أي 4 سنتات أمريكية بسعر صرف تقريبي 500 ليرة مقابل الدولار، وهي أقل تكلفة للكيلو واط مسجلة في تقرير الطاقات المتجددة المذكور سابقاً.
وإذا ما قلصنا الفترة الزمنية إلى 15 سنة فإن تكلفة الكيلو واط الساعي تبلغ 33 ليرة، أي 6 سنتات، وهي تعادل أقل تكلفة مسجلة في الشرق الأوسط.
وبمقارنة كلفة الكيلو واط المذكورة مع الكلفة الوسطية المقدرة لإنتاج الكهرباء باستخدام الفيول والغاز والمازوت، والتي يبلغ الوسطي العالمي لها 5.7 سنتات أمريكية أي حوالي 30 ليرة سورية، فإن كلفة توليد الكيلو واط الساعي بالطاقة الشمسية أقل أو تقارب كلفة توليدها من الوقود وفق أسعاره العالمية، ولكن مع فارق بيئي هام.
وعملياً، يمكن مقارنة التكلفة أيضاً من حيث وفر الوقود، فالاستثمار الذي تبلغ قيمته مليار ليرة وموزع على 25 سنة، يحقق وفراً في استخدام الفيول بمقدار 500 طن سنوياً، قيمتها اليوم حوالي 90 مليون ليرة. أي: أن ما نوفره خلال 25 سنة يقارب 2.2 مليار ليرة، وضعف تكلفة الاستثمار.
10 مليارات دولار لنصف الاستهلاك المنزلي!
تبقى كلف الاستثمار العالية عائقاً جدياً للتبني الواسع لهذا النمط من توليد الكهرباء، فإذا ما أخذنا نموذج محطة الكسوة الذي قد يكون من الممكن اختصار تكاليفه الاستثمارية- حيث تتبنى شركة سولاريك خطوط إنتاج أوروبية، وهي أعلى تكلفة من مصادر خطوط الإنتاج والتكنولوجيا الآسيوية والصينية تحديداً كما ذكرنا سابقاً- فإن وصول سورية إلى توليد 10 مليارات كيلو واط ساعي سنوياً وهي نصف الاستهلاك المنزلي السوري في عام 2010 تقريباً قد يحتاج إلى استثمار بمقدار: 10 مليارات دولار...
لذلك فإن عملية إدراج التوليد الشمسي بشكل واسع يجب أن تكون عملية تدريجية ومترافقة مع عوائد اقتصادية أعلى، كتصدير جزء من الطاقة، أو باتفاقيات استثمارية طويلة الأجل مع الجهات الممولة الأقل تكلفة كالصين، والأهم أن هذه المبالغ الضخمة توفر من جوانب مختلفة أهمها: الوقود المستخدم في إنتاج الكهرباء والعوائد الاقتصادية للأثر البيئي الإيجابي لتقليص استهلاك هذا الإنتاج.
إن إنتاج الكيلو واط الساعي عبر الشمس في منطقتنا قد أصبح أقل كلفة اقتصادية من إنتاجه عبر الوقود بأسعاره العالمية، ولكن إذا ما أدخلنا الكلف البيئية لنمط التوليد القديم، فإن التوليد بالطاقة الشمسية يصبح أقل كلفة في المعايير كافة، ولكن تبقى الكلف الاستثمارية الضخمة لهذه التكنولوجيا عائقاً أمام توسيعه، إلا أن الوفر البيئي والاقتصادي لتقليص استخدام الوقود تجعل تأمين هذه المبالغ الاستثمارية ذا جدوى عالية. يضاف إلى ذلك أنه يتضح من تسارع التوليد العالمي عبر الطاقة الشمسية: أن هذا المصدر الطاقي سيتوسع بسرعة عالمياً، حيث يشبه تقرير الطاقة الدولي فورة الاستثمار فيه بمرحلة التطور السريع للاستثمار بتكنولوجيا الأجهزة المحمولة، والتي أدت إلى شيوع استخدامها عالمياً وانخفاض قياسي في أسعارها خلال فترات قياسية زمنياً، ما يجعل وضع هذا الجانب ضمن مكونات إنتاج الطاقة في سورية خلال مرحلة إعادة الإعمار القادمة إمكانية واقعية بل ضرورية اقتصادية وبيئية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 830