تريليونا ليرة ودائع... عشية عودة الإقراض
بدأ الحديث منذ بداية العام الحالي ومع استقرار سعر صرف الليرة حول عودة الإقراض من المصارف السورية العاملة وبعد القرار /52/ م.ن الصادر في الشهر الرابع من العام الحالي، عمم مصرف سورية المركزي على المصارف مجموعة الضوابط المحددة لمنح الائتمان، ما قد يعني نهاية قريبة لوقف الإقراض التمويلي الإنتاجي والسكني وغيرها المستمر منذ عام 2012.
يوجد أكثر من ألفي مليار ليرة من الودائع في المصارف السورية، وهذه المبالغ كانت محجوبة عن تمويل الاستثمار وتوسيعه، نتيجة عمليات وقف الإقراض طوال سنوات الأزمة، وهذه الكتلة المالية قد تعود للدخول في عمليات الإقراض فما هي أرقامها، وأين تتواجد وكيف تتوزع؟!
قاسيون تقرأ من بيانات المركزي المعلنة الشهر الماضي في ملتقى الحوار الاقتصادي، وضع السيولة العامة في المصارف العاملة وبعض نشاطه ودلالاته قبل عودة الإقراض المرتقبة.
تضاعف الأموال المودعة في المصارف
تجاوزت الأرقام الرسمية المعلنة في الشهر الماضي التقديرات والتصريحات السابقة كلها، ليتبين بأن حجم الودائع الموجودة في المصارف السورية العامة والخاصة قد بلغ في نهاية عام 2016: 2250 مليار ليرة، حيث تضاعفت كتلة الليرات المودعة في المصارف عن عام 2011 حيث كانت تبلغ 1100 مليار ليرة.
وبطبيعة الحال فإن هذه المليارات المتضاعفة قد فقدت جزءاً هاماً من قيمتها، فبأخذ قيمتها بالدولار كمقياس تقديري فإن أموال المودعين في المصارف السورية قد انخفضت من قرابة 22 مليار دولار وصولاً إلى 4.3 مليار دولار بأخذ سعر صرف في 2011: 50 ليرة، وسعر صرف 517 ليرة مقابل الدولار بأسعار اليوم.
أي: أن نسبة الزيادة في ودائع المصارف 100% مقومة بالليرة، بينما مقومة بالدولار فقد انخفضت فعالية هذه الأموال بنسبة تقارب 80%.
خمس إلى ربع الناتج
إذا ما أردنا أن نقارب قيمة ودائع المصارف بعيداً عن الأرقام فقط فلا بد من نسبها إلى الناتج الإجمالي، وإلى حجم الاستثمار بمستواه المتدني الحالي. فبينما كانت الودائع المقدرة بقرابة 22 مليار دولار في عام 2011 تشكل نسبة 39% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، فإن التقدير يشير إلى أن ودائع المصارف في نهاية عام 2016 تشكل نسبة تتراوح بين 20-28% تقريباً من الناتج المحلي المقدر لسورية وفق تقديرات تقارير منظمة الإسكوا (بدائل السياسات الاستراتيجية لسورية).
ما يعني بأن الأموال المودعة في المصارف العاملة العامة والخاصة لا تزال تشكل نسبة تقارب ربع ما ينتج سنوياً من دخل إجمالي، وهذا الربع معزول عن عمليات الاستثمار، ولا يساهم في توسيع الناتج استثمارياً، بل هو مال مودع لأصحابه.
فإذا ما قارنّا كتلة الودائع الموضوعة في البنوك، مع كتلة المبالغ التي يتم استثمارها في رأس المال الثابت في سورية، أي: في المكونات المادية التي توسع العمليات الإنتاجية، فإن كتلة الودائع أربعة إلى خمسة أضعاف كتلة الاستثمار الثابت التي لا تتجاوز نسبة 5% من تقديرات الناتج، وفق ما يقدرها تقرير البنك الدولي (the toll of war).
ما يعني بأن ألفي وربع مليار ليرة مودعة في البنوك ومحجوبة عن الاستثمار الفعلي، تشكل قرابة ربع الناتج الذي لا يستثمر منه إلا نسبة 5% فقط، والأموال المتكدسة التي لا تساهم في الاستثمار المادي تمنع التعافي الاقتصادي وإمكانية إيقاف التراجع.
ثلثا الودائع لدى المصارف العامة
تتوزع الودائع بين المصارف العامة والخاصة، فبينما كانت ثلاثة أرباع الودائع تتركز في المصارف الخاصة في عام 2010 فقد تراجعت كتلة الودائع الموضوعة في المصارف الخاصة إلى 38% من إجمالي الودائع. وبالمقابل ازدادت نسبة الودائع الموضوعة في المصارف العامة من 24% في عام 2010 إلى 62% في عام 2016.
ما يعني أن الودائع الموضوعة في المصارف العامة قد ازدادت خلال سنوات الأزمة بمقدار أربعة أضعاف من 333 مليار ليرة وصولاً إلى 1400 مليار ليرة تقريباً، ولكن رغم أن المصارف العامة تمتلك الكتلة الأكبر من الودائع، وقادرة على تعبئة أموال تقارب 70% من الموازنة العامة لعام 2016، إلّا أن هذا لا يؤثر على الأداء الاقتصادي الاستثماري للحكومة التي لا تساهم إلا باستثمار بنسبة 1% من الناتج.
(خدمات مناصفة) بين الخاص والعام
تقدم المصارف خلال الأزمة تسهيلات ائتمانية لزبائنها، وليست قروضاً، وهي مجموعة من الخدمات المصرفية التي تتعلق بإدارة الحسابات، وفتح الاعتمادات، والكفالات، وحسم السندات وغيرها... ويتركز هذا النشاط لدى المصارف العامة التي قدمت تسهيلات من هذا النوع بنسبة 100% من ودائعها، بينما المصارف الخاصة قدمت تسهيلات بنسبة لا تتعدى نصف ودائعها 51%.
ورغم هذا فإن القطاع الخاص يحصل على نصف هذه التسهيلات تقريباً بحوالي 950 مليار ليرة تسهيلات سنوية وسطية للقطاع الخاص خلال السنوات بين 2011- 2016، بمقابل 900 مليار وسطياً للجهات العامة.
ولا تعتبر هذه العمليات تمويلية بمقدار ما يمكن تسميتها (بإدارة للحسابات المودعة) ذاتها مع الحصول على إيرادات خدمات، وليست أرباحاً من الإقراض التمويلي وفوائده.
للتجارة الحصة الأكبر
يوضح توزع التسهيلات الائتمانية المذكورة بين القطاعات، الوجهة التي تعمل فيها رؤوس الأموال المودعة في المصارف، وأين يتركز نشاط أصحابها، وإذا ما أخذنا العام الأخير 2016 يتبين التالي:
كما هو متوقع فإن النشاط التجاري هو النشاط الأساس لرؤوس الأموال العاملة في الظرف الحالي ولنمط الخدمات التي تقدمها المصارف، حيث إن حصة التجارة من التسهيلات الائتمانية بلغت 43% من مجموع التسهيلات الممنوحة أي: ما يقارب 787 مليار ليرة، وقرابة 1.5 مليار دولار.
وتليها حصة الزراعة بنسبة 26% وما يقارب 475 مليار ليرة، وقرابة 900 مليون دولار تتداول، فيما يرتبط بالنشاط الزراعي خلال سنة، وهو رقم كبير نسبياً لا توضح بيانات المركزي مكوناته.
أما الصناعة والتعدين فنسبتها 10% وأقل من قطاعي الإنشاءات العقارية وباقي الخدمات التي كل منهما تحصل على 11% من التسهيلات الائتمانية المصرفية.
تدل بيانات الودائع بأن المنظومة المصرفية خلال سنوات الأزمة عملت على إدارة حسابات زبائنها، سواء كانوا في القطاع الخاص ممن وسعوا ودائعهم نتيجة زيادة أرباحهم، وحصولهم على الكتلة العظمى مما تبقى من دخل في سورية! أو زبائن المصارف من جهات القطاع العام، والذين تراكمت ودائعهم من الدين العام أي: النقد الحكومي المصدر دون تغطية إنتاجية.
وتعبّر زيادة كتلة الودائع عن تضخم كتلة الليرة السورية الموجودة في الأسواق، أكثر مما تعبّر بطبيعة الحال عن أداء عال للنشاط الاقتصادي، بينما كان من الممكن لهذه الموارد المتمثلة بالودائع المعبأة في المصارف، أن تساهم في زيادة قيمة الليرة والإنتاج وفي زيادة الدخل الحقيقي للمصارف فيما لو أنها وضعت ضمن خطة لتمويل دقيق للإنتاج الفعلي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 829