التعويضات... حق للسوريين

التعويضات... حق للسوريين

تشكل أصغر تقديرات حاجات التعافي وإعادة البناء في سورية 20 ضعف رقم الناتج الحالي المقدّر لسورية نهاية 2016 والبالغ: 15 مليار دولار.

أي: أننا إذا ما أردنا أن نستعين بالمقدرات المحلية للناتج الحالي، فإن عقدين من إنفاق الناتج استثماراً واستهلاكاً لن تكون قادرة على تعويض ما تراكم من خسارات تحتاج إلى تعويض! وهذا بفرض امتلاكنا التصرف بكامل ناتجنا المحلي في السنوات القادمة: ولم يغادر جزء منه للخارج كما كان يحصل سابقاً.

هذه الآجال الزمنية لا تناسب بالتأكيد حجم الكارثة الإنسانية السورية، ومستوى الحاجة إلى ترميم سريع لما هرب من عقود التنمية، وليس هذا فقط، بل إن إعادة الإعمار السورية إذا لم تتم بنجاح وبالوقت الملائم وبعملية نمو مضطردة ومستمرة فإن هذا يعني عدم الخروج من الأزمة السورية، لتعود وتطفو سريعاً على السطح مظاهر الفوضى والأزمة السياسية والعسكرية، إذا لم تحل الجوانب الاقتصادية –الاجتماعية بالشكل والوقت المناسبين.

(تدفيع) المجتمع الدولي
من هنا فإن قضية تأمين تمويل إعادة الإعمار وضمان المليارات الضرورية، من المجتمع الدولي هي واحدة من أهم عناوين المرحلة القادمة.
يبحث البعض في هذه المسألة بأكثر الطرق تقليدية، كأن تربط الإسكوا بين نجاح إعادة إعمار سورية وبين تدفق الاستثمار من الخليج! بينما يتلمس البعض الآخر المعضلات المترتبة على التمويل الدولي المسيس: فمن أين تأتي الأموال؟ وأين تصب؟ وعبر من تنفق؟ وهل تتمركز أم تتشتت؟ وهل تترافق بشروط أم لا؟ ومجموعة من المحددات تؤكد بأن مضمون وشكل التمويل، مسألة سياسية- اقتصادية، ستحدد لحد بعيد مضمون وشكل إعادة الإعمار، أي: ستحدد نجاح حل الأزمة السورية حلاً جدياً، أم تجعل مرحلة إعادة الإعمار، وهي المرحلة التالية من الحل، قائمة على (وضع رخو) ومضطرب قد يوقد النار والفوضى من جديد.
يتطلب نجاح إعادة الإعمار شكل تمويل يسمح ببناء نموذج ناجح، توزع فيه العوائد على حاجات استمرار النمو والتنمية الضرورين لعموم الشعب السوري، بينما فشله سيسببه بالدرجة الأولى النموذج العالمي السابق للتمويل، عندما (يتصدق) الممولون على وكلاء محددين ليرسخوا الولاءات، ويستثمروا سياسياً في قوى يدفعها المال نحو السلطة، فتضمن عودة المال للخارج أو تمركزه لدى مندوبي الممولين، وتمنعه عن ضرورات استقرار وتنمية سورية والسوريين..
على القوى السورية الوطنية أن تجنب سورية النموذج الثاني، نموذج التمويل عبر أمراء ووكلاء الحرب. بل علينا أن نحاول أن نضمن حقنا بالتمويل غير المشروط، وأن نحصل على مستحقات إعادة الإعمار بأقل التكاليف وأجدى الطرق وأكثرها عدالة، وإن كنا لن نستطيع تجنب الحاجة إلى مختلف أشكال التمويل، إلا أنه من الضروري أن نطالب قبل المنح والمساعدات بحقنا بالتعويض الضروري عن تجاوزات القانون الدولي الخارجية التي مورست بحق سورية، كما حصل في كل الحروب الكبرى عالمياً.

التعويضات.. حق قانوني
تضمنت اتفاقيات الهدن السياسية عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية على ضرورة التعويضات، بأن تقوم الدول المعتدية والمتسببة بالضرر بتعويض الدول المتضررة، وهذا ما حدث في حالات أخرى كتعويض العراق للكويت، وفي تعويض جنوب إفريقيا لأنغولا وغيرها، وهذا ما يضمنه القانون الدولي وينطبق على الحالة السورية ويستحقه السوريون.
فالدمار في سورية ناجم عن جملة أسباب تتحمل قوى سياسية سورية في الأطراف كلها جزءاً هاماً من المسؤولية عليها، إلا أن مسؤولية أطراف دولية وإقليمية عالية الأهمية في المساهمة بنقل الأزمة إلى مستواها العسكري الواسع، وزيادة استعار الحرب، بل وتمويل الإرهاب، مروراً بفرض العقوبات، ولكل ذلك دور هام في الخسائر المسجلة «أرقاماً دولارية»، والأهم في انعكاساتها بأوجه الكارثة الإنسانية السورية: فقراً وتشرداً وبطالة و...و...
إن سورية ووفق القانون الدولي يستحق لها تعويضات عن سنوات الحرب، بمقدار مساهمة أطراف دولية وإقليمية في خسائرها، وهو ما ينص عليه القانون الدولي: «كل فعل غير مشروع دولياً تقوم به الدولة يستتبع مسؤوليتها الدولية» سواء كان في عمل مقصود، أو في إغفال عن دور أطراف تتبع للدولة المسؤولة، كما ينص مضمون هذه المسؤولية على الجبر، أي: الالتزام بالجبر الكامل عن الخسارة الناجمة عن الفعل غير المشروع دولياً، بالرد أو التعويض أو الترضية. وفق ما ورد في وثائق لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة حول مسؤولية الدول- 2001.

من سيدفع؟!
ما هي المحددات التي تقول بأن الطرف الإقليمي أو الدولي المحدد قد ساهم في خسائر السوريين واستمرار حربهم واستعارها، وسط تعقيدات الأزمة السورية وأبعادها الداخلية والخارجية متعددة الأطراف؟!
لا بد أن المحددات توضع وفق القانون الدولي، وبالدلائل والإثباتات اللازمة لرفع الدعاوى دولياً. وذلك بإثبات إخلال الدولة الإقليمية أو الدولية بأحد الالتزامات المتواجدة في اتفاقيات جنيف 1949، أو في أحد بروتوكولاتها.
ولكننا نستطيع أولياً أن نحدد بالقول: أن الأطراف الإقليمية والدولية التي أسهمت في نقل الصراع إلى مستوى عسكري، عبر التدخل العسكري غير المباشر من خلال تمويل وتسليح أطراف خارج محددات الشرعية الدولية، أي: كل عمليات التمويل والتسليح والمساهمة العسكرية التي تمت خارج الاتفاقيات بين الدول رسمياً. هذا أولاً.
أما ثانياً: فالعمليات المتعلقة بتمويل أو تسهيل تمويل وإمداد وتجارة الإرهاب الدولي الذي حاول الاستيطان في سورية.
وثالثاً: هناك العقوبات الاقتصادية الأحادية على الشعب السوري التي لم تصدر عن قرارات دولية أممية، والتي أدت عملياً إلى عرقلة واسعة للاقتصاد السوري في ظروف صعبة، وساهمت برفع المستوى العام للأسعار، وبزيادة الفقر، وأتاحت الثراء للمتحكمين والقادرين على تجاوز هذه العقوبات والالتفاف عليها.
أصحاب المشروع المهزوم سياسياً ممن ساهموا في تسعير الأزمة السورية، عليهم أن يدفعوا ثمن ممارستهم غير الشرعية، وهذا لا يعني بأن قوى المال والنهب والتشدد المحلية في الطرفين كليهما لن تدفع ثمن أفعالها، بل على العكس فهؤلاء أوائل المنهزمين وأكبر الخاسرين، ولكن تحميلهم مسؤولياتهم هو أمر يحدده السوريون دون المجتمع الدولي، لترمم جراح السوريين ، ويعاد إعمار سورية بنموذج سوري، ينبذ مصالح قلة النهب، ويضمن أعلى نمو أعمق عدالة.

يعتبر موضوع التمويل المفصل الأول الأساسي في إعادة الإعمار وتأمين الدفعة الأولى الضرورية غير المشروطة للسوريين، هو حق يصونه القانون الدولي عبر التعويضات، ولكن الحق لا يستحق إذا لم نطالب به ونعمل لإثبات شرعيته، وهنا دور القوى الوطنية السورية التي عليها أن تنتزع حق السوريين بالتعويضات، بما يمنع ارتهان سورية للتمويل القادم لأمراء ووكلاء الحرب، ذاك الذي يضمن فشل إعادة الإعمار. وتستطيع هذه القوى أن تستند على التوزان الدولي والقوى الصاعدة التي تدعم نجاح إعادة بناء سورية واستقرارها، فإعادة الإعمار تتوازى من حيث الأهمية مع محاربة الإرهاب، والحل السياسي وتشكيل حكم توافقي مستقر. لأن بناء نموذج اقتصادي اجتماعي عادل في سورية هو ضمانة الحل الجدي والمستدام للأزمة السورية، وضمانة نجاح أول تجربة مكتملة لإطفاء الحرائق التي يوقدها ويسعّرها الغرب ومن يدور في فلكه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
827