قطاع الصحة «مرضه مستعصٍ»
تراجع القطاع الصحي في سورية خلال سنوات الأزمة كغيره من القطاعات، من خلال الضرر الذي لحق بالمنشآت والبنى التحتية الصحية من جهة، وتراجع نصيب الفرد من مخصصات الإنفاق على الصحة في الموازنة العامة من جهة أخرى، قاسيون ومن خلال الاعتماد على البيانات الرسمية المتوفرة، بالإضافة إلى تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخراً “ The Toll of War”، تقدم تقديراً لحجم الضرر والتراجع.
حصة الفرد من أموال الصحة
تراجعت بنسبة 33%
لتقدير حجم الأموال التي تخصصها الحكومة لكل فرد بهدف تقديم الرعاية الصحية المطلوبة، يجب العودة إلى موازنة الدولة لعام 2017، حيث نجد أن مخصصات وزارة الصحة من الموازنة بلغت حوالي 40 مليار ليرة، وعند الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان سورية لعام 2017 حسب تقديرات الأمم المتحدة يبلغ 18,270 مليون نسمة، نجد أن نصيب الفرد الواحد من الإنفاق على الرعاية الصحية يبلغ حوالي 2200 ليرة، وحوالي 4 دولار للفرد على أساس سعر الصرف 517 ليرة. وبالمقارنة مع موازنة 2011، حيث بلغت مخصصات وزارة الصحة حوالي 8 مليار ليرة عندما كان عدد سكان سورية يقدر بحوالي 23.5 مليون نسمة، نجد أن نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية بلغ حوالي 341 ليرة و 6 دولارات حسب سعر الصرف 50 ليرة. أي: أن حصة الفرد من الإنفاق على الصحة تراجعت خلال ست سنوات بنسبة 33%، وهي كانت قليلة وأصبحت أقل.
ويعتبر مبلغ 4 دولارات كنصيب للفرد من الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية مبلغاً قليلاً مقارنة بالمعدلات العالمية، حيث يبلغ المعدل الوسطي العالمي للإنفاق العام والخاص على الرعاية الصحية ما يعادل 1059 دولار في عام 2014 حسب بيانات منظمة الصحة العالمية، بينما بلغ في سورية حوالي 66 دولاراً فقط، وهو مبلغ منخفض جداً إذا ما قورن مع الأرقام العالمية ومع أغلب دول الجوار حيث بلغ حوالي 569 دولاراً في لبنان و187 دولاراً في مصر.
خسارة نصف الأطباء
و16% من المنشآت
الضرر الأكبر والمباشر الذي لحق بالقطاع الصحي جرّاء الأزمة، هو في الدمار الكلي لبعض المنشآت الصحية والضرر الجزئي الذي حلّ ببعضها الآخر في محافظات عدة، بالإضافة إلى خسارة جزء من الكوادر والمعدات الطبية، فبحسب تقرير البنك الدولي، تعرضت المنشآت الطبية إلى 400 هجوم، بينما فقد حوالي 768 موظف صحة أرواحهم خلال سنوات الأزمة، بالإضافة إلى هجرة العديد منهم، وحسب تقارير دولية، غادر سورية ما لا يقل عن 15 ألف طبيب من أصل 30 ألف طبيب، وأنه حتى شهر شباط من عام 2017 فإن ستة من كل عشرة مرافق صحية في عشر محافظات شملها التقرير قد تعرضت لشكل من أشكال الضرر، وبشكل أوسع فإن 16% منها قد دمرت بشكل كامل بينما تعرض 42% منها إلى ضرر جزئي.
وتتفاوت درجة الضرر الذي لحق بالمرافق الصحية بين المحافظات، لتنال حلب الحصة الأكبر، حيث دمر تماماً ما يقدر بـ 35% من البنية التحتية الصحية فيها، كما تفاوت الضرر بين المرافق الصحية التابعة للقطاع العام وتلك التابعة للقطاع الخاص، لينال القطاع العام الحصة الأكبر، فحتى عام 2017، دُمّر أو تضرر ما يقدر بحوالي 60% من مستشفيات القطاع العام، و 48% من مستشفيات القطاع الخاص، وبشكل أكثر تحديداً، تم تدمير حوالي 11% من جميع المستشفيات العامة بالكامل، وتضرر ما نسبته 50% منها تقريباً. وفي القطاع الخاص، بلغت نسبة المستشفيات التي دُمرت بشكل كامل حوالي 9%، ولحق ما يقارب 40% منها مستوى من الضرر.
الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 11.5 مليون سوري يحتاجون إلى عناية صحية عاجلة، من بينهم 1,2 مليون جريح. وأن واحداً من بين كل ثلاثة أطفال لا يحصل على اللقاحات المطلوبة، يضاف إلى هذا أن حوالي 3.1 مليون طفل وامرأة حامل ومرضع يعانون من نقص التغذية.
ويضاف إلى هذا أن الأمم المتحدة تقدر بأن حوالي 600 ألف سوري يعانون من الأمراض العقلية الحادة بينما 10% فقط من المراكز الصحية داخل البلاد تقدم رعاية وعلاج لهذا النوع من الأمراض.
أما تقديرات حاجات الرعاية الصحية في سورية لعام 2017 فتبلغ 459 مليون دولار، بينما مجمل المساعدات المصنفة مساعدات صحية للسوريين خلال ست سنوات قد بلغت 774 مليون دولار، في قطاع أصبحت مشاكله لا يمكن أن تحل عبر انتظار أموال المانحين الدوليين...
الضرر المباشر الذي لحق بالمرافق الصحية نتيجة الأزمة، وتراجع الإنفاق على الصحة، بالإضافة إلى مغادرة حوالي نصف الأطباء لسورية، كل ذلك أدى إلى تراجع القطاع الصحي كماً ونوعاً، كأحد أبرز أوجه الكارثة الإنسانية للسوريين جرّاء الأزمة..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 828