ما الذي تعنيه   الحصة الضئيلة للأجور؟!

ما الذي تعنيه  الحصة الضئيلة للأجور؟!

ما الذي يعنيه أن يكون لأصحاب الأجور في سورية وعائلاتهم نسبة لا تتجاوز 11% من الناتج؟! إن هذا يشكل التفسير العميق لمعنى الكارثة الإنسانية السورية. أي أن تكون نصف القوى العاملة عاطلة عن العمل، نصف السكان قد خسروا منازلهم، 4 مليون منهم مشردون في الإقليم، نصف أطفالهم بلا تعليم، وفقراً لا يستثني أحداً من هؤلاء، طالما أن أجورهم لا تكفي حاجات غذائهم الأساسية..

 

 

وعلى ضفة الأرباح الأخرى، ما الذي يعنيه أن يمتلك قرابة 4% من أرباب العمل، بل العشرات من «نخب مالكي الثروة» في سورية، وأزلامهم قرابة 89% من الدخل؟! إن هذا يعني نخبةً معمّدةً بالفساد والربح غير الشرعي المجني من جوع وتدهور الآخرين، ومستعدةً لكل الممارسات في سبيل الحفاظ على حصتها..

وإن كان لهذا التوزيع الجائر أعمق الأثر على الظواهر الاجتماعية، وعلى تفسخ المجتمع السوري، وتعمق الاحتقان فيه، فإنّ أثره الاقتصادي المباشر على النمو ليس أقل وطأةً. فسورية لا يمكن أن تدخل إعادة إعمارها، وأن تضمن نجاحها، دون إحداث تغيير جذري في توزيع الثروة، وطبعاً باتجاه أن تزداد حصة الأجور وأصحاب الدخل المحدود بشكل كبير، وإلى حدود 60% من الناتج، وهي نسبة كفيلة بأن تعيد كتلة الأجور إلى مستويات قدرتها الشرائية في عام 2010..

إن تعطل نصف القوى العاملة، يعني تعطل نصف قدرات الإنتاج، وحصول المشتغلين على أجور لا تكفي لتجديد قوة عملهم، أي لتامين غذائهم الضروري، يعني قوىً عاملةً ضعيفةً الإنتاجية، وتحتاج إلى الإعالة والمساعدة، وغير قادرة على القيام بمهمات الإنتاج والإعمار..

كما أن حصول الأغلبية على هذه الأجور الضئيلة، يعني قدرات استهلاك محلي محدودة، لا تشكل أي حافز لتوسيع الإنتاج، وتبقي الاقتصاد المحلي مرهوناً إما بالطلب الخارجي، أي بقطاعات التصدير المقتصرة على بعض المنتجات المتراجعة وحدود توسيعها ضيقةً في ظل الإنتاجية الضعيفة، أو بطلب النخب المحلية أي بسلع استهلاكها المترفة، التي غالباً ما تستورد ولا تنتج محلياً..

وبالمقابل فإن وجود قرابة 89% من الناتج، على شكل أرباح معظمها لدى النخب المالكة، يؤدي عملياً إلى تعطيل هذه الموارد. فهؤلاء يدرسون الجدوى، ويجدون أن استخدام أموالهم في التجارة، وفي المضاربة، وفي قطاعات الربح السريع أجدى من أن يستثمروا في الإنتاج المحلي، وهو ما كان يحدث قبل الأزمة عندما كانوا يحصلون على 75% من الدخل، ويستثمرون منه ما لا يتعدى 15%، والباقي (يعلم الله) إمّا يهرّب للخارج ليودع في المصارف الدولية، أو يتحول إلى عقارات أو يستخدم في التجارة الخارجية، والقطاعات المربحة غير الإنتاجية.

إن إعادة توزيع الدخل، بحيث يصب بالنهاية بنسبة 60% منه لصالح أصحاب الأجور، هو ضمانة لتحول هذا الدخل، إلى إنتاجية أعلى للعمل، وإلى طلب محلي، يحفز العملية الإنتاجية، وإلى استثمار في القطاعات الأساسية، وكل هذا مشروط بوجود ملكية عامة واستثمار عام، عبر جهاز دولة فعّال اقتصادياً، ومراقب شعبياً..

لا يمكن أن يتم تشغيل القوى العاملة السورية، طالما أن معظم الناتج يتحكم به نخبة من المعتادين على السعي إلى الربح السريع، ولا يمكن توسيع الموارد إلا إذا قلصنا طموح هؤلاء، بالاحتفاظ بمعظم الناتج، لتبقى حصة لمن يساهم منهم في توسيع القاعدة الإنتاجية السورية، وبمعدل أجر مضمون لعماله، وبمعدل ضرائب مضمون للمال العام، ووفق الخطة الوطنية الاستثمارية التي يجب أن تصاغ على أساس توسيع حصة الأجور لتصل إلى 60% بأسرع وقت في المرحلة القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
800