التشاركية .. (المجرّبة) قبل عقود!
بيت دولاك بيت دولاك

التشاركية .. (المجرّبة) قبل عقود!

مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة للاستثمار في البنية التحتية الأمريكية، وتخصيص مبلغ 1 تريليون دولار لتلك الاستثمارات، على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص، سيكثر الحديث في الفترة القادمة عن موضوع التشاركية والترويج لها. 

 إعداد: ديمة كتيلة

تقدم التشاركية لأصحاب الأموال استثماراً هاماً، في القطاعات الأساسية، ومضموناً بسلطة الدولة، وبمالها العام، ما يؤمن تسهيلات كبرى، وإمكانيات اقتراض عالية، وأرباحاً استثنائية، ولكنهم بالمقابل لا يستطيع هؤلاء أن يضمنوا لنا النتائج! والتجارب العالمية في هذا المجال، وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية تبين  بعض النتائج.. 

يقدم المقال التالي قراءة لتلك التجارب بالاعتماد على مقال منشور في موقع Global research بتاريخ 25-2-2017 تحت عنوان: Privatization and Corporate Plunder: The Bait and Switch of Public-Private Partnerships (PPP)

خطة ترامب تتوافق مع توجه الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تعمل على تخفيض الإنفاق العام، ومنح إعفاءات ضريبية ضخمة  لكبار المستثمرين، وتقديم الدعم لهم. فالتشاركية هي واحدة من تلك الطرق التي تُعّظم حصة رؤوس الأموال من الأرباح،  وسيؤدي دخولها على خط الاستثمار في الخدمات العامة بمنطق الربح، إلى رفع التكلفة، وتخفيض أجور العاملين المتبقيين على رأس عملهم، وتسريح جزء منهم. المبررات لهذا النوع من العقود، لا تنفصل عن المحاولات المستمرة لمنظّري النيوليبرالية، بإقناعنا أن القطاع الخاص يفترض أن يكون دوماً أكثر كفاءة من الحكومة. ولكن الواقع مختلف تماماً، فالحكومة توقع عقوداً طويلة الأجل مع المستثمرين، وبالتالي تخسر جزءاً كبيراً من إيراداتها، وعلى الأغلبية المنتجة بالمقابل أن تدفع أكثر لخدمات ذات نوعية أقل، والبيانات التالية توضح ذلك..

في بريطانيا .. 

التشاركية تثقل الحكومة بالديون!

الشراكة بين القطاع العام والخاص في بريطانيا، تجري تحت مسمى (مبادرات التمويل الخاص) البرنامج الذي طرحه الحزب المحافظ وتبناه كل من طوني بلير وغوردن براون، وأسفر عن نتائج كارثية، حيث كشف تقرير 2015 المنشور في مجلة الاندبندنت: أن برنامج التشاركية مع القطاع الخاص، أنتج أصولاً بقيمة 56.5 بليون جنيه استرليني فقط، ولكن بريطانيا ملزمة اليوم بدفع ما يفوق خمسة أضعاف هذا المبلغ كنتيجة لشروط البرنامج، حيث تقدر ديون الحكومة بأكثر من 222 بليون جنيه إسترليني للبنوك والمستثمرين كنتيجة لذلك البرنامج، وهو ما وصفه الخبراء بالكارثة المالية. تتكون تلك الديون من تكاليف الخدمات غير المدفوعة مثل الصيانة بالإضافة إلى مستحقات القروض المكتتبة من قبل البنوك والشركات المستثمرة، المشاركة. ملكية الممتلكات العامة ستعود إلى دافعي الضرائب البريطانيين بعد أكثر من 35 عام ومن المرجح أن ترتفع التكلفة خلال تلك السنوات، وحتى لو لم ترتفع التكلفة المتوقعة خلال 35 عام، فإن إجمالي الفاتورة سيزيد عن 310 بليون جنيه استرليني! الحكومة البريطانية، استخدمت مبلغ عجز الميزانية لتبرر لجوءها إلى برامج التشاركية، وبالمقابل فإن المبالغ المترتبة على الحكومة لقاء هذه البرامج، تبلغ أربعة أضعاف مبلغ عجز الميزانية، ووفقاً للأمين العام لمؤتمر النقابات العمالية البريطانية، فإن ديون برنامج التمويل فاقمت أزمة تمويل الخدمات العامة وخاصةً في القطاع الصحي.

علاوةً على ذلك، تسعى الشركات الخاصة لتبديل تلك العقود بهدف مضاعفة الربح. حيث قامت أربع شركات حاصلة على عقود لمدة 25 عاماً لبناء وصيانة المدارس بمضاعفة أرباحها من خلال بيع حصصها التي تقل عن خمس سنوات في البرنامج لتحقيق ربح مركب بقيمة 300 مليون جنيه. ومن أبرز كوارث الخصخصة في بريطانيا كان الاتفاق الذي تم توقيعه مع شركة ميترونت بقيمة 30 بليون جنيه لتطوير وصيانة نظام المترو في لندن. حيث فشلت الشركة في إنجاز المشروع، مخلفةً وراءها فاتورةً بقيمة 2 بليون جنيه، مستحقةً على دافعي الضرائب، لأن الجهة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على الإنفاق ضمنت 95% من ديون الشركات الخاصة!

مدن ألمانية وفرنسية تلغي شراكتها مع القطاع الخاص

ألغت مدن في فرنسا وألمانيا شراكتها مع القطاع الخاص للاستثمار في قطاع المياه، ففي باريس انتهت العقود مع المستثمرين عام 2010، وخلال الـ25 سنةً السابقة لذلك تضاعفت أسعار المياه، وعلى الرغم من تكلفة إلغاء العقود، استطاعت المدينة توفير مبلغ 35 مليون يورو خلال السنة الأولى، وتخفيض رسوم المياه بنسبة 8%. مدن ألمانية أيضاً استعادت ملكيتها الكاملة لمرافق أساسية. ففي مدينة بيرغكامن على سبيل المثال، تم إلغاء خصخصة خدمات الطاقة، والمياه وغيرها، وباستعادة تلك الخدمات من قبل القطاع العام، تكسب المدينة الآن 3 مليون يورو سنوياً كإيراد من شركات القطاع العام، والأهم أن التكاليف انخفضت بنسبة 30%. 

كندا..التشاركية ترفع التكلفة بنسبة 16%

عقود الشراكة في كندا أيضاً، أنتجت السيناريو نفسه من الخسائر، فحسب دراسة قام بها باحثون في جامعة تورنتو حول 28 مشروعاً قائماً على الشراكة بين القطاع العام والخاص، فإن تلك الشراكة رفعت التكلفة بنسبة 16% عن رقم التكلفة، فيما لو أشرف عليها القطاع العام فقط، وكأمثلة عن تلك المشاريع، مركز برامتون الطبي الذي كانت تكلفته أعلى بمبلغ 200 مليون دولار، ومشروع جامعة كيبيك الذي ارتفعت تكلفته بمبلغ 400 مليون دولار كنتيجة للتشاركية. 

في أمريكا حصة الأرباح مصانة 

عقود التشاركية لا تنفصل عن التوجهات النيوليبرالية الساعية، لإرضاء المستثمرين، حيث ستتحول التشاركية التي يسوق لها ترامب، إلى ضمان الربح من أساسيات الاقتصاد الأميركي، وبناه التحتية، والمفارقة أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) يخصص مبلغ 4.1 تريليون دولار لبيع السندات، بينما مجمل مبلغ الاستثمار اللازم لإعادة بناء شبكات المياه، السدود والمدارس في الولايات المتحدة لا يتجاوز 3.4 تريليون دولار، فلماذا لا يتم تمويلها مباشرةً، عوضاً عن اللجوء إلى إقراض المال لرؤوس الأموال؟! جربت الولايات المتحدة مشاريع تشاركية لشبكات المياه في عدة ولايات، وحسب دراسة قام بها الباحثون أدت إلى النتائج التالية: 

الخدمات المقدمة من قبل المستثمرين، رسومها أعلى بنسبة 33% بالنسبة للمياه و63% للصرف الصحي مقارنةً برسوم الخدمات الحكومية المقدمة في تلك القطاعات. 

بعد الخصخصة مباشرةً ارتفعت أسعار المياه ثلاثة أضعاف واستمرت بالارتفاع بنسبة 18% سنويا.

تكاليف أرباح المستثمرين، تقاسم الأرباح وضريبة الدخل رفعت تكلفة التشغيل والصيانة بنسبة 20 إلى 30 %.  

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
800