متاهات المشتقات النفطية في 2016..
كلما احتدت أزمة المحروقات، كثرت التصريحات المرتبطة بقطاع النفط عموماً في رَدّ فعلٍ حكومي على الضغوط الناجمة عن فشلها في إدارة الملف، الذي يتعقد مع تعقد المصالح الكامنة وراءه، وليس فقط نتيجة صعوبات الاستيراد، والأوضاع الأمنية المتوترة فيما تبقى من مناطق إنتاج..
قاسيون ومن خلال بيانات عن الإنتاج والمبيع، ومن خلال ما رشح من تصريحات حكومية تستعرض أهمّ الأرقام وتحللها، لنحاول أن نجمع المعلومات ونطرح الأسئلة الضرورية..
عشتار محمود
محروقات باعت 4 مليون طن!
شركة محروقات، هي الموزع الأساسي والحصري للمشتقات النفطية، مع استثناءات في هذا العام. ومن البيانات يتبين كم المشتقات النفطية المباعة عبر محروقات، وكلفتها وحجم الدعم، خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من عام 2016.
والجدول التالي يوضح بعض البيانات
الكمية المباعة في شركة محروقات، خلال 9 أشهر تقارب 4 مليون مليون طن من النفط، أي حوالي 28 مليون برميل نفط، وكلفتها الإجمالية 623 مليار ليرة تقريباً، أي حوالي 1.2 مليار دولار.
فما هي مصادرها؟ هذا ما توضحه البيانات من تقرير لوزارة النفط منشور في 11-2016.
النفط أمَّنت 4.4 مليون طن
كانت تصريحات وزارة النفط، حول كميات الإنتاج خلال الأشهر العشرة من عام 2016، قد بينت أن النفط الخام المستورد المكرر في مصافي النفط السورية حمص وبانياس قد بلغت 21.4 مليون برميل، أي قرابة: 3 مليون طن. من النفط الخام المستورد عبر الخط الائتماني الإيراني، والذي أمّن حسب التصريحات، استيراد بواخر شهرية بحمولة تتراوح بين 2-3 مليون طن تقريباً، يبدو أنها لم تنتظم بشكل شهريّ.
كما بيّن التصريح ذاته، بأن إنتاج النفط الخام قد بلغ خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2016 حوالي 9.8 مليون برميل، أي حوالي 1.4 مليون طن.
وبيّنَ: أن كمية المستوردات من المشتقات الجاهزة بلغت مليون طن: (242 ألف طن بنزين- 165 ألف طن مازوت- 419 ألف طن فيول- 225 ألف طن غاز سائل)
أي، عملياً: أن ما تؤمنه هذه الكميات المصرح عنها، هو حوالي 4.4 مليون طن من النفط، تشكل حوالي 31 مليون برميل نفط.
بينما مجمل ما باعته محروقات من المشتقات النفطية قد بلغ قرابة 4 مليون طن، بفائض لإمكانيات الإنتاج والمستوردات يقارب 400 ألف طن، وحوالي 2.8 مليون برميل، قيمتها 140 مليون دولار تقريباً.
فأين ذهب الفائض البالغ 400 ألف طن؟! ومن وزعه إن لم تكن محروقات؟!
هل وزع الشركاء النفط الفائض؟!
تبين أيضاً من التصاريح الحكومية، أنه قد تم التعاقد مع شركات خاصة، لتقوم باستخدام الطاقة التكريرية الفائضة للمصافي، ففي عام 2016 بدأت شركة جيكو أوف شور اللبنانية، بتأمين النفط الخام، بموجب عقد ينص على: تأمين النفط الخام، وتكريره في المصافي السورية، مع إمكانية عدم التصريح عن مصادر استيراده، حيث حصلت المصافي على عائد 12 مليون دولار من عملية التشغيل هذه، وأن تقوم الشركة بتوزيع المشتقات، على جهتين الأولى: المناطق الآمنة في دير الزور، والقامشلي، والحسكة، أي أن لها إمكانية التنقل عبر المناطق غير الآمنة. والجهة الثانية هي: توزيع المشتقات على الصناعيين في المناطق الآمنة، وبالفعل كانت تصريحات غرف الصناعة قد أشارت إلى تأمين الشركة للمشتقات، العملية التي توقفت في شهر 5-2016.
العقد، الذي يطرح الكثير من التساؤلات، حول وجهة تأمين النفط، وحول حصة الشركة من عملية توزيع المحروقات.. يُعجب الحكومة، حيث أكدت تصريحات جهات مسؤولة في وزارة النفط: أنها ستسعى إلى مزيد من التعاقد لتشغيل الطاقات التكريرية الإضافية للمصافي النفطية السورية!
وأكدت التصريحات أن: (الوزارة أعلنت مع بداية عام 2017 عن عروض خارجية جديدة للتكرير، وقد تكون مع شركات خاصة أجنبية، تعود لقطاع خاص، محلي بالأغلب، ولكنها مسجلة كشركات أجنبية) ودعا الصناعيين والقطاع الخاص السوري، إلى السعي للاستفادة من هذا عبر استيراد النفط الخام، وتكريره وفق عقود مع المصافي السورية.
لماذا هذه الأزمة
كلها في الربع الأخير؟!
إن وجود فائض -في النفط المؤمن- عن المباع، وفائض في الطاقة التكريرية، وفق التصريحات الحكومية والتقارير والبيانات. يطرح التساؤل: عن سبب الأزمة العميقة في الربع الأخير من 2016، أي خلال أشهر الشتاء، وحتى الآن..؟
فإن كانت الظروف الأمنية في منطقة حمص، والبادية، قد أوقفت آخر إمكانيات الإنتاج القليلة المتبقية، فماذا عن الاستيراد؟! طالما أن بيانات الوزارة تقول: بأنها أمّنت عملياً نسبة 94% من النفط ومشتقاته عبر النفط الخام المستورد أو عبر استيراد المشتقات النفطية. فلماذا يتعسر تأمين مستوردات المشتقات لهذا الحد في الربع الأخير؟!
إذا ما كانت التكلفة هي السبب، كما يحاول المسؤولون عن هذا الملف التنويه بشكل دائم، فإننا نستطيع أن نسترشد ببيانات تكاليف مبيعات محروقات للدلالة على حجم الحاجة.
فعملياً 4 مليون طن من النفط، كلفت قرابة 623 مليار ليرة، أي حوالي 1.1 مليار دولار، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، أي أنه من الممكن تأمين الكمية الوسطية ذاتها للربع الأخير، بمبلغ يقارب 366- 400 مليون دولار، وحوالي: 208 مليار ليرة سورية، لكامل حاجات المشتقات النفطية.
إن الكلفة الإجمالية الوسطية لمشتقات المحروقات في عام 2016 فيما لو تم تأمين استيراد مشتقات في الربع الأخير، كما في بداية العام تبلغ: 830 مليار ليرة تقريباً، أي حوالي 1.5 مليار دولار بسعر صرف 517 ليرة مقابل الدولار.
وهذه تستردها الحكومة، من جيوب مستهلكي المشتقات، فالدعم وفق الأرقام الحكومية نسبته لا تتجاوز 10% من التكلفة!
إذاً عملياً فائض الطاقة التكريرية، لا يجد مزيداً من النفط الخام المستورد حكومياً، ليتم تشغيله في التكرير، وعملياً لم تنجح عمليات الاستيراد في تأمين مسار معتمد وبتواتر مستمر، رغم أنها تمتلك دعماً من الخط الائتماني الإيراني، وعقوداً مع شركاء خاصين يستطيعون تأمين النفط الخام؟! فهل التقنين في التكاليف هو المشكلة؟ هذا ما يتطلب الذهاب إلى متابعة أرقام الدعم الحكومي للمشتقات النفطية..
ما هو حجم الدعم الفعلي؟!
بيانات مبيعات شركة محروقات، تشير إلى أن التكاليف الإجمالية للمشتقات تبلغ 623 مليار ليرة، بينما مبيعات شركة محروقات بلغت قرابة 555 مليار ليرة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، والدعم لا يتجاوز 68 مليار ليرة، بناءً على الفارق بين وسطي التكلفة ووسطي البيع. أي أنّ السوريين يدفعون لقاء المشتقات المنفقة نسبة 90% من التكلفة، بينما الدعم الحكومي يبلغ 10%.
التكلفة الوسطية للمشتقات، يفترض أنها لم ترتفع في النصف الثاني من العام، بعد استقرار سعر الصرف، واستقرار أسعار النفط التي إن ارتفعت فإنها انتقلت من 47 دولار، إلى قرابة 50 دولار للبرميل. ولكنّ أسعار المبيع ارتفعت في شهر حزيران 2016، أي في النصف الثاني من العام، وفي الجدول التالي نقارن التكلفة الوسطية الواردة في بيانات محروقات، مع سعر البيع بعد الرفع ليتبين الربح من مبيع اللتر من المشتقات الأساسية:
وفق بيانات محروقات، التي تضع تكلفةً وسطيةً بين الاستيراد والمنتج المحلي، ما قد يضخم التكلفة الفعلية، فإن التكاليف أعلى من المبيعات بنسبة 10%، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2016، إلا أن رفع الأسعار في النصف الثاني من العام، يرفع سعر المبيع ليصبح أعلى من التكلفة، لمختلف المشتقات.
9%
أمنت وزارة النفط حتى شهر 9-2016 حوالي 4،4 مليون طن نفط بين إنتاج محلي، واستيراد خام، واستيراد مشتقات. وباعت محروقات 4 مليون طن تقريباً وفائض 400 ألف طن بنسبة 9% لم يُبَعْ.
10%
يتبين من المقارنة بين التكاليف والمبيعات في شركة محروقات أن الدعم لا يتعدى نسبة 10% من التكلفة، ومبلغ 68 مليار ليرة خلال الأشهر التسعة الأولى في عام 2016.
650%
445 مليار ليرة مبلغ دعم المشتقات المخصص، في موازنة 2016، وهو يعادل أكثر من ستة أضعاف ونصف الدعم المنفق فعلياً خلال الأشهر التسعة الأولى.
ماذا عن
مئات مليارات الدعم؟!
كانت الحكومة قد وضعت مبلغ 445 مليار ليرة في موازنة عام 2016، لدعم المحروقات. وهذا المبلغ يشكل أكثر من ستة أضعاف رقم الدعم المنفق فعلياً على المشتقات النفطية: 68 مليار ليرة، خلال أول 9 أشهر من عام 2016.
أي: إن بيع المشتقات بالأسعار المحررة، يوفر على الحكومة مبلغ 337 مليار ليرة، كانت قد وضعتها في إنفاق موازنتها العامة، ولم تنفقها. ولو أنها أنفقتها في تأمين تدفق المزيد من النفط الخام، أو في تخفيض أسعار المشتقات المباعة، فإنها تستطيع، إما أن تزيد كمية المشتقات المستوردة إلى النصف، أو تستطيع أن تخفض أسعار المشتقات المباعة إلى النصف، مساهمة بكلتي الحالتين في تحفيز الإنتاج، وعدم تعطيله، وفي تخفيض الأسعار..
ولكن السياسة الاقتصادية، التي تدير شؤون وموارد البلاد، لا تعكس مصالح الإنتاج ومصالح عموم السوريين، بل عملياً بإدارتها المتكاسلة المتقشفة لأزمة المحروقات، تعكس مصالح من يستفيد من أزمة القطاعات الكبرى، أي أولئك القادرين على الحلول مكان (جهاز الدولة) الذي يفشل، مع هذه السياسة، عن إدارة المهمات الاقتصادية الوطنية. والآن تطرح الحلول السريعة، والتي تناسب كبار السماسرة: مثل إتاحة استيراد المحروقات، تشغيل المصافي لمصلحة الغير، تأمين النفط من شركات، والتساهل مع مصادرها، تأمين صفقات استيراد المشتقات في أوقات الأزمات، وبالسعر الذي يفرضه (المنقذون) وهكذا دواليك..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 796