أين وصل مشروع زجاج الفلوت؟ اتهامات متبادلة بين الشركة المستثمرة والإدارة والخاسر الأكبر الوطن
بدأت صناعة الزجاج في سورية عبر مصنعين في دمشق وحلب بعام 1976، وفق طريقة «البيتسبورغ» المعتمدة من الوكالة العالمية لصناعة الزجاج منذ العام 1973، والمفارقة أنه وعلى الرغم من التطور الصناعي الهائل في نهايات القرن العشرين، فإن هذين المصنعين هما الوحيدان في العالم اللذان ما زالا يعتمدان تلك الطريقة، في ظل منافسة قوية من الأسواق العالمية بعد فتح أبواب الاستيراد لهذه المادة على مصاريعها، لتكون النتيجة خسائر كبيرة جراء كساد البضاعة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، في وقت لا يصل الإنتاج اليومي لخط «البيتسبورغ» لأكثر من 40 طناً، ويحتاج كل طن منه لـ1000 كغ من الفيول، أي ما قيمته قرابة أربعة أضعاف كميات الفيول التي يحتاجها إنتاج الطن الواحد من الزجاج بطريقة «الفلوت»، فيما لا يستطيع «البيتسبورغ» إنتاج سماكات أكثر من 4-6 مم.
وضع حد للطريقة «الخرافية»
للانتهاء من هذه الطريقة «الخرافية» تم الإعلان عن استدراج عروض مفتاح باليد لتوريد وتركيب وتشغيل خط كامل لإنتاج زجاج الفلوت في عام 2007 بطاقة إنتاجية مقدارها 108000 طن في العام كإنتاج جاهز للبيع من المؤسسة الكيميائية وبسماكة من 2 إلى 12 مم وبمواصفات عالمية (أوروبية، أمريكية، بريطانية)، على أن يعمل هذا الخط على الفيول أو الغاز، ويتم تنفيذه في معمل زجاج القدم، وبناء على العرض تم تشكيل لجنة عامة ولجنة فنية لدراسة العروض، وقد أحالت اللجنة العامة عرضين إلى اللجنة الفنية الأول مقدم من شركة «شيتاركو» اللبنانية وبتصنيع الشركة الهندسية الصينية، والثانية هي شركة «لاسكو» اللبنانية وبتصنيع شركة ياهوا الصينية، حيث رسا العقد على شركة «لاسكو» فقامت اللجنة بدراسة هذه العروض وإجراء المراسلات الفنية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع، وبعد التقييم دونت اللجنة مقترحات وتوصيات للتنفيذ الأمثل للمشروع منها ما يتعلق بالغاز والكهرباء والمدخنة، وتوضع الخط في معمل الزجاج، والذي يتطلب إزالة أبنية وأقسام، وضرورة زيارة معمل الشركة المنفذة لمعرفة الواقع الفني لها.
وعلى هذا الأساس تم إجراء التعاقد، وأرسل العقد للمصادقة عليه أصولاً، إلا أنه رفض في المرة الأولى لوجود بعض الملاحظات، وقد أعدت المؤسسة الكيميائية إجابات عن هذه الملاحظات وأعيد إليهم ثانية، ليتم المصادقة عليه، وقد ربط فتح الاعتماد بإرسال لجنة للكشف على الشركة الصينية فقط (كان يتوجب أن تدرس جميع ملاحظات اللجنة الفنية الدارسة التي دونتها في محضرها الأخير، وخاصة توضع المشروع في معمل الزجاج).
لا بد من الإشارة أيضاً أن السعر الكلي لخط الفلوت هو 53199646.7 يورو منها 8252063.02 أي ما يعادل 577644411.4 ل.س أعمال مدنية والباقي قيمة التجهيزات والنقل والتركيب والتشغيل والتدريب... إلخ).
الخط الجديد اخترق جميع الأقسام
بعد عودة اللجنة التي قامت بالكشف على الشركة المصنعة، تم فتح الاعتماد، وأعطي أمر المباشرة، وتم تسليم الموقع بتاريخ 26/1/2009، وهنا ننوه بأن مدة تنفيذ المشروع حسب الدراسة الفنية هي 22 شهراً منها 4 أشهر لإجراء تجارب التشغيل، وقد تكفلت شركة لاسكو أثناء التعاقد بإزالة ونقل الأقسام التي تقع ضمن مسار الخط، وأعطيت 4 أشهر إضافية لذلك، وهكذا أصبحت مدة التنفيذ 26 شهراً، وقد تعهدت لاسكو بالمحافظة على خطي المحجر والقوارير إضافة لخط القوارير القديم من أجل إنتاج مادة السيليكات، وحيث أن خط الفلوت بطول حوالي 400 متر فهو يخترق معمل الزجاج من أوله إلى آخره قاطعاً معمل الكرتون، وقناة الخدمات المغذية للأفران بالوقود والكهرباء والهواء، ومخترقاً سير المواد الأولية المغذي لفرن القوارير ومستودعات المنتج النهائي، هذا عدا الأقسام الخدمية لخط الفلوت التي تنتشر يميناً ويساراً، ولهذا توجب إيقاف هذه الأقسام للأسباب السابقة.
وبسبب عدم كفاية مخطط العقد، وبعد عدة نقاشات تمت زيادة المساحة من أجل التنفيذ دون أن يؤثر ذلك على الالتزامات العقدية، على أن تقوم شركة لاسكو بإعادة أبنية جديدة عوضاً عن الأبنية القديمة التي أضيفت للمخطط.
الصيد بالماء العكر
بدأت لاسكو بالإزالة، ومن أجل عدم إعطاء أي فرصة لشركة لاسكو لتبرير أي تأخير قد يحصل، على الرغم من أنها استلمت الموقع دون تحفظ مسبق، وللحفاظ على القيمة المالية للنفايات المعدنية التي تنتج عن الهدم، تم الطلب من شركة لاسكو وضعها في مكان لا يؤثر على أعمال إنجاز خط الفلوت، وتنفيذ العقد في موعده، حيث تم التعاقد مع متعهد آخر لبيعه هذه المخلفات.
تابعت الإشراف على أعمال شركة لاسكو لتنفيذ العقد لجنة شكلت بقرار من مدير عام المؤسسة الكيميائية، حيث قامت هذه اللجنة بتدوين حوالي 56 محضراً ، أحيلت جميع هذه المحاضر أصولاً إلى المؤسسة الكيميائية، وتم مراسلة لاسكو بما طلب منها في هذه المحاضر، والإجابة على كافة الكتب الواردة بخصوص تنفيذ العقد.
إن عملية الهدم عوضاً من أن تستمر أربعة اشهر، فقد استمرت لأكثر من عام، إن المشروع يتألف من أكثر من 50 منشأة منها الفرن وحمام القصدير ونفق الشوي، وقسم القص ومحطة الهيدروجين والنتروجين والمواد الأولية والمستودعات.. إلخ، وقد تم البدء بالأعمال المدنية لهذه المباني، ولكن حتى تاريخه لم تصل هذه الأعمال إلى النصف في المجموع، إضافة إلى أن هناك منشآت تزيد عن العشرة لم يتم البدء بها حتى الآن، هذا عدا عن أن نسبة التنفيذ في أكثر المنشآت لم تصل إلى 30 % ، بعد في الأعمال المدنية، ورغم المراسلات الكثيرة لم تحصل الإدارة حتى الآن على مخطط للموقع مطابق للعرض الفني، لتتمكن من اعتماده لتوزيع المنشآت، وفي كل مرة كانت لاسكو ترسل مخططاً للموقع، ولكنه يتضمن مخالفات فنية، والطرف السوري كان يعلمها بهذه المخالفات لأجل تصحيحها.
لم يتم تركيب أي شيء
أما بالنسبة للتوريدات فقد كان حسب المتفق عليه بأن يتم الانتهاء من التوريد في نهاية العام الماضي، حيث طلبنا زيارة مكان التصنيع حسب المادة رقم 18 من العقد، وذلك بعد وصول الشحنة الأولى، وبلغ السوريون بأن التصنيع قد انتهى، وسيتم التوريد، ولكن حتى تاريخه لم يتم الانتهاء من التوريد، وهنا لا بد من التنويه بأنه منذ بداية توريد الشحنة الأولى، والتي كانت بأكثرها عبارة عن فولاذ الفرن وحمام القصدير، وكانت بحالة فنية سيئة من حيث الصدأ هذا عدا عن سعرها المبالغ به، وقد تحفظت الإدارة على ذلك في محضرها تحت الرقم 25.
بالنسبة للتركيب لم تقم شركة لاسكو بتركيب أي شيء في المعمل سوى فولاذ الفرن وحمام القصدير وبعض مجاري الهواء، والتي لا تشكل سوى نسبة ضئيلة جداً من العمل، ولا نعلم متى سيتم تركيب أحجار الفرن والتجهيزات؟ ومتى سيتم تركيب الهنكارات، وكسوة المباني؟ ومتى سيتم تركيب محطات الهيدروجين والنتروجين ومضخات الماء وقسم المواد الأولية... إلخ؟؟!!.
استنتاجات هامة
وللتأكيد على كل ما ذكر آنفاً توصلنا إلى ما يلي:
الأعمال المدنية لم تتجاوز النصف حتى تاريخه.
التوريدات تم توريد شحنات من الصين، ومن أوروبا، ولكن لا نعرف مدى مطابقتها للعرض الفني من حيث النوعية والجودة والعدد.
التركيب لم ينفذ بعد.
بعد التركيب يجب أن يتم البدء بتجارب التشغيل والاستلام الأولي.
نسبة الاعتماد المدفوع يزيد عن 95 % ، علماً بأن الاعتماد يتضمن جميع الأعمال بما فيها تجارب التشغيل.
مدة التنفيذ انتهت في آذار من هذا العام 2011، لكن كل شيء بقي على ما هو عليه.
المفلح: كلام الليل يمحوه النهار
«قاسيون» وجهت سؤالاً بهذا الخصوص لرئيس نقابة عمال الصناعات الكيميائية نبيل المفلح
أجاب بالرد: أنه ونتيجة للمداخلات التي تطرقت للموضوع في مؤتمر النقابة السنوي والذي عقد بحضور المهندس صالح صالح مدير عام المؤسسة الكيميائية ورئيس اتحاد عمال دمشق.
قام نائب وزير الصناعة د. محمد سماق بزيارة ميدانية إلى موقع مشروع الفلوت، والمقام على أرض شركة زجاج دمشق، وحضر الاجتماع المسؤولون عن تنفيذ المشروع من شركة لاسكو حيث تعهد مدير المشروع بوضع خطة وجدول زمني لإعادة العمل بهذا المشروع، وللإسراع بتنفيذه، وأكد المفلح انه ومنذ 8/2/2012، وحتى تاريخه لم يرسل أي جدول زمني لكي يلتزم به أمام نائب الوزير، وكأنه كلام الليل يمحوه النهار وبات منسياً.
وأشار المفلح أن العمال في الشركة قطعوا الأمل من هذا المشروع، مما دفع بإدارة الشركة بتشغيل بعض أقسامها من سيليكات ومعمل الكرتون لكي تستطيع دفع أجور ورواتب عمالها، وحالياً تقوم الشركة بالسعي لتحصيل ديونها المترتبة على وزارة المالية لتأمين مادة الكربونات لتشغيل فرن المحجر.
وختم المفلح تصريحه لـ«قاسيون» قائلاً: لكن وللأسف حتى الآن لم تستجب وزارة المالية، وكأن الموضوع لا يعنيها، إننا ومن خلالكم نرفع صوتنا لتحصيل جزء من هذا المبلغ الذي يقدر بـنحو 721000000 ل.س أملين الاستجابة لكافة مطالب عمال الشركة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يتحمل كل هذه الخسائر على الاقتصاد الوطني وصناعته؟ ومن هم الفاسدون المشاركون في هذه اللعبة، ومن الذي بلع أكثر؟؟!!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 543