اقتصاديات الوقت.. (بين التقدم والتخلف)
10 - هذا مع العلم أن أكثر الناس المراجعين للدفع في هذه الطوابير هم من كبار السن من المحامين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والمعلمين والموظفين الآخرين ورجال الأعمال.. الخ سواء الذين عطلوا أعمالهم أو من المتقاعدين الشيوخ الذين قدموا لكي يقوموا بتسديد ما عليهم في الوقت المحدد حتى لاتقطع عنهم الخدمة وتسوء الحالة أكثر، هذا وإذا احتسبنا أجرة ساعة المحامي الأمريكي المبذولة في قراءة دعواه بـ 200 دولار (أي بحوالي عشرة آلاف ليرة سورية) وساعة الجرّاح السوري بـ 5000 ل. س وساعة العامل الألماني بحوالي 1000 ل. س وساعة الطبيب أو المحامي العربي بما لا يقل عن ساعة العامل الألماني، وساعة المدرس الخصوصي بـ 300 ل. س.. الخ الخ فكم ياترى تهدر من مليارات الليرات السورية شهريا، في الجري وراء العمليات الروتينية العقيمة السقيمة التي كان من الممكن أن تسدد من قبل المصرف، أو تشغيل بها مئات الموظفين من الشباب الخريجين العاطلين عن العمل الذين يدخنون الأراكيل لحرق الوقت الطويل الممل لديهم.
11 ـ ومما يزيد في الحسرة، ويحز في النفس، أن الحواسيب (الكمبيوترات) لدينا بُلّدت أو تبلّدت، إذ هي لا تقوم بالسرعة والدقة... والجهد والإنتاجية التي تقوم بها في بلاد الصنع، فأغلب الفواتير المحوسبة لا تصدر في تاريخها المذكور على الفاتورة السابقة، وكشف الهاتف المحوسب يتأخر كذا يوماً وأحيانا أسابيع عن تاريخ دفع الفاتورة، وفواتير الماء لا تأتي في الوقت المحدد على الفاتورة السابقة ، وقس على ذلك فواتير الكهرباء والخليوي... الخ. والسؤال: لماذا هذه التأخيرات ؟ولماذا هذه الكمبيوترات إذن ؟ ولماذا لايعلم المستهلكون بذلك مسبقاً؟ ولماذا لا يوظف آلاف الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل بدلا من الحواسيب العاطلة أو المعطلة أو الموظفين الكسالى؟ ولماذا لايقسم العمل فيما بينهم بشكل صحيح لتنجز الأعمال في حينها ويحمّل المقصّر مسؤولية تقصيره؟، وتوفير مليارات الساعات الضائعة على الملايين من عباد الله الجارين وراء إنجاز هذه الأمور العقيمة والسقيمة واللامفيدة لأحد، هذا عدا غياب وتغيب ومرض وتمارض الموظف المسؤول بدون تكليف من ينوب عنه، وأيام العطل والمناسبات الكثيرة والطويلة.. الخ إذ قد تزور المقصد أكثر من مرة لتدفع (وليس لتقبض) فلا تجد الموظف المقصود لتدفع له (رغم أنه يأخذ راتبه من الضرائب لخدمة الوطن عبر خدمة المواطنين وليس لإرهاقهم وإذلالهم).
12- وهكذا تضيع حياة أبناء العالم الثالث، والعاشر في اللهث وراء السراب في المتاهات الروتينية والدوائر البيروقراطية المغلقة، والعمل العضلي المرهق والمنغصات الكثيرة. وعندما يتهالك ذلك المتعب في منزله آخر النهار لا يجد رغبة في قراءة أو كتابة أو عمل فكري أو إبداعي، فيتبع الأسهل له، مثل متابعة مسلسل تلفزيوني قديم، أو سماع أغنية عاطفية طويلة، أو التشهي على كيفية صنع طبق اليوم، أو مشاهدة مباراة كرة قدم، وما يتخلل ذلك من دعايات تجارية سمجة وإعلانات سخيفة تدعو إلى الغثيان.
13- فقط هم، من لديهم الوقت الفائض في العالم الثالث، هم بعض المسؤولين الذين يستغلون مناصبهم فيكلفون سائقيهم ومرافقيهم وسكرتيراتهم وخدمهم وحشمهم في القيام بكل هذه المهمات المقيتة.، وأما هم فيجدون كل الوقت الكافي لاستقبالات وتوديعات الضيوف المماثلين، والعزائم على الولائم العامرة.. وفي المهمات الرسمية شبه السياحية والتسوقية المأجورة خارج الحدود.. الخ الخ ، وليتهم يخصصون لحلول المشكلات المنوطة بهم جزءا ولو قليلا مما هم يهدرونه من الأوقات اللامنتجة لديهم.
14- والسؤال: متى سيحلم أبناء العالم الثالث بالوقت الفائض والجهد الموفرالذي يمكن تحقيقه عن طريق:
آ/1- الروبط ( الإنسان الآلي ) الذي يعمل 24 ساعة بدون كلل أو ملل أو شكوى لا يمرض ولا يتمارض ولا يذهب للمرحاض ولا للمؤسسة أو لغيرها على حساب وقت العمل المأجور.
آ/2- الكمبيوترات غير البليدة ولا المتبلدة. التي تعمل وحدها بدون إنسان، وتنجز الأعمال والكشوف والفواتير في حينها وبدون أن تضطرك إلى سؤال ذوي النفوس الحامضة دائما من المكلفين بأداء نفس الخدمة… أو:
ب1- الإرتقاء بالأداء الإداري إلى مستوى فن الإدارة الذكية والمجتمع الرقمي الذي تحل فيه القضايا وتتجدد فيه الأوراق ويحصل فيه على المستندات اللازمة بأقل جهد وأقصر وقت وبأقل كلفة.
ب 2- بمصارف معاصرة تقوم بما تقوم به مثيلاتها في البلدان المتطورة وتدفع ما يترتب علينا ومن حساباتنا مع حسم العمولة المكافئة للجهد والوقت، أو:
جـ- بتوظيف كل الشباب المؤهلين المتواضعين المحتاجين المحبين للعمل والمجيدين له والمبدعين فيه، ليقوموا بالأعمال اللازمة وفي حينها، بدلا من المقصرين في أعمالهم المعطلين لأعمال الآخرين.
15-وساعتئذ ربما سيتوفر الجهد والوقت المطلوب، والتمكن من التفرغ لما هو مهم وأهم وأكثر أهمية من اللف والدوران في الحلقات المفرغة، وبالتالي التفرغ للقراءة والكتابة والترجمة والإبحار في عالم الأنترنيت والديجتال والمكتبات والاطلاعات لكسب المزيد والمزيد من المعارف والخبرات والمؤهلات المعاصرة اللازمة، لتمثلها وتبسيطها وإعادة صياغتها إلى جماهير الطلاب والمستمعين، وخاصة للقرّاء من الجيل الحاضر أو لمن سيقرأ من الأجيال اللاحقة، فربما ساعدت على المساهمة في تحقيق إبداع أواختراع بما يفيد المجتمع أو الإنسانية أو يفيد الذات على الأقل.
16 - ولمعرفتنا المسبقة ببطء تحقق أي مما تقدم، فإننا نتمنى على كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بتطبيق ألف باء الإدارة الحديثة في المجتمع الرقمي المنشود، القاضية بـ:
آ- أخذ كل ماتقدم بعين الاعتبار والعمل على إجراء محاضرات عامة أو ندوات علمية بذلك لمناقشته وخلق رأي عام به.
ب - ترقيم كل الطوابق والغرف والقاعات والمدرجات لديها وبالأرقام العربية (العالمية المعاصرة 1,2,3)، ليعرف المواطن المراجع في أي طابق هو؟ ومن أين يذهب؟ وإلى أين ينبغي أن يتجه في معاملته ؟.. الخ..
ج - وكذلك نتمنى على المؤسسات القابضة التي يتجمع لديها عادة ثلاثة مراجعين فأكثر بآن واحد، أن تؤمن لديها كراسي أو مقاعد خشبية لمن لايقدر على الوقوف الطويل احتراما للمواطنية أو للإنسانية على الأقل.
د - وأن يوضع على ياقة كل موظف في الدولة بطاقة تحمل إسمه ورقمه بوضوح بالإضافة إلى دفتر شكوى في الدائرة يكون في متناول كل متظلم من المراجعين ليسجل عليه انتقاداته وملاحظاته واقتراحاته.. الخ
هـ - أن تقدم المؤسسة القابضة / وعلى حساب المراجعين/ قناعا مبتسما للارتداء أثناء العمل، وذلك لكل الموظفين العابسين وخاصة للموظفات المتجهمات..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 179