«محاباة الفقر» في ندوة الثلاثاء الاقتصادي!! ربيع نصر: مؤشرات الفقر إلى ارتفاع رغم نسب النمو المعلنة
في الندوة ما قبل الأخيرة من الثلاثاء الاقتصادي، المخصصة للسياسات الاقتصادية المحابية للفقر، أكد الأستاذ ربيع نصر أن النمو الاقتصادي في سورية، حسب الإحصاءات الرسمية، يصل إلى 5,5% في العام، وهو يعد من أعلى معدلات النمو بين الدول النامية ودول المنطقة منذ عام 1965، باستثناء دول جنوب شرق أسيا والصين، لكن هذا النمو يتصف بتقلبه، وذلك لارتباط الاقتصاد بالنفط وبالمساعدات والزراعة، حيث يعتبر النفط والزراعة على مدى أكثر من 50 عاماً المساهمين الأساسيين في الاقتصاد المحلي.
وأوضح نصر أن الاقتصاد المتين هو الذي يتصف بتنوع أنشطته، مما يخفف من تأثر هذا الاقتصاد بالصدمات، فهناك دول ستستفيد من الأزمة المالية العالمية، لأنها استعدت لها مسبقا،ً فالوزن الاقتصادي للهند والصين والبرازيل سيبقى ثابتاً، أما دولة كسورية فسينخفض وزنها النسبي في المستقبل بعد الأزمة، لأنها لم تجهز نفسها لهذه الأزمة قبل وقوعها.
وأشار نصر إلى أن مصدر النمو الرئيسي في سورية هو تراكم عوامل الإنتاج التي هي ساعات العمل، وعدد العمال، وتراكم رأس المال المالي، وهذا هو الايجابي في المراحل الأولى من التنمية، لكنه في المستقبل وعلى المدى البعيد لن يكون كذلك.
كما أكد المحاضر على أن معدل النمو العالي في سورية لم ينعكس على دخل الفرد، وذلك لسبب بسيط، هو أن معدل النمو السكاني مرتفع وسطياً، حيث بلغت نسبته خلال الـ40 عاماً الماضية حوالي 3%، فإذا طرحنا نسبة النمو السكاني من معدل النمو البالغ 5,5%، ستكون النتيجة أن نسبة النمو الاقتصادي تبلغ 2,5%، وبما أن سورية قد استضافت في السنوات الأربع الماضية حوالي 1,5 مليون عراقي، فإن الناتج المحلي الإجمالي قد انقسم بين السوريين والعراقيين، مما أدى إلى ثبات دخل الفرد، ومعدل نمو هذا الدخل، خلال هذه السنوات.
معدل النمو العام حسب المحاضر، ومنذ وضع الخطة الخمسية العاشرة مرتفع وقريب من استعدادات الخطة، وهو يتراوح بين 5 – 8 % كنمو مستدام لمدة 5 سنوات، لكن تقديرات نمو عام 2009 هي بحدود 2,9%، وذلك نتيجة الاعتماد على قطاعات ذات إنتاجية ضعيفة، حيث انخفضت نسبة مساهمة القطاع الزراعي والنفطي في الناتج المحلي من 35% إلى 3,3%، وأصبح هناك مردود أكبر للصناعات التحويلية، التي أصبحت تساهم حسب المكتب المركزي للإحصاء بـ20 % من الناتج المحلي، مقابل 2 – 3 % فيما سبق، نتيجة تغير الأسعار.
إن النمو يرتبط بشكل أساسي بالتشغيل الذي هو المحدد الأساسي لمعدل الفقر، فمعدل البطالة البالغ 8% هو معدل ثابت، كما أن قوة العمل لم تتغير بين عامي 2000 و2007 حسب البيانات الرسمية، ومن المفترض أن قوة العمل في سورية تنمو بمعدل 4% وفق النمو السكاني، فإذا كان معدل نمو قوة العمل 4%، فإن معدل البطالة سيصل في هذه الحالة إلى 20%، وبالتالي هناك مشكلة في الأرقام، ففي عام 2007 تم خلق 86 ألف فرصة عمل جديدة، بينما يدخل سنوياً إلى سوق العمل 250 ألف، وبالتالي من المنطقي أن يرتفع معدل البطالة، وإذا ما أردنا المقارنة بين بيانات 2004 و2007 نجد أن الفقر الشديد ازداد ليبلغ 11,4 % من السكان، بينما ارتفع بشكل ملحوظ خط الفقر العالي، الذي يعني قدرة المواطن على تأمين احتياجاته الغذائية وغير الغذائية، وبالتالي ازداد معدل الفقر العام، أي أن النمو ترافق بزيادة معدلات الفقر.
وفي دراسته لمجموعة الظواهر التي شهدها الفترة بين عامي 2004 – 2007، أوضح نصر أن الأمية لا تزال العامل الأساسي للفقر، مع التشوه العام في التوزع الجغرافي، فالفقر يتركز في المناطق الشرقية وريف حلب، وهذا بالطبع في عام 2004، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر في منطقة ريف دمشق بشكل كبير، على الرغم من أن الخطة الخمسية العاشرة وضعت برنامجاً تستهدف الفقر من خلاله.
كما أن نسبة الفقر العام بين عام 2004 – 2007 ارتفعت من 11 % إلى 12,3 %، إلا أنه لا يوجد تغير في فجوة الفقر، أي بين الفقراء وبين من هم تحت خط الفقر، ورغم ذلك فعدد الفقراء بازدياد.
واعتماداً على الأرقام الإحصائية الرسمية، أكد نصر أن خط الفقر الأدنى هو 1458 ليرة سورية للفرد شهرياً، وخط الفقر الأعلى هو 2058 ليرة سورية، أما خط الفقر الأدنى بعد ارتفاع الأسعار في عام 2007 فهو 2183 ليرة سورية للفرد شهرياً، وخط الفقر الأعلى 3053 ليرة سورية.
أي أن مجرد زيادة مؤشر جين بنسبة 1% تؤدي إلى زيادة الفقر بنسبة 3%، بمعنى أن تدهور توزيع الدخل يؤدي إلى زيادة عدد الفقراء في سورية، وهناك مؤشرات عن ارتفاع عدد الفقراء في عام 2008 بالنسبة للفقر الشديد والفقر العادي، بعد الارتفاع الجنوني للأسعار خلال هذا العام.
إن الاستهلاك الخاص من الناتج المحلي الإجمالي يزداد بنسبة 1 % ، وهذا يعني تراجع مؤشر نسبة الفقر بنسبة 3%، أما معدل نمو نفقات الأسر فقد تراجع بحدود 6%، وهذا يناقض معدلات النمو الاقتصادي للناتج المحلي الإجمالي، فهذا التناقض بين معدلات النمو ومعدلات استهلاك الأفراد سببه المسوحات التي تأخذ الأسر السورية فقط، وتستثني ما يقارب 1,5 مليون عراقي، والأهم من هذا، أن «العُشير» الأفقر في سورية يستهلك نحو 2,5% من الاستهلاك الكلي، في الوقت الذي يستهلك فيه «العُشير» الأغنى في سورية ما يزيد عن 28 ـ 29% من الاستهلاك الإجمالي في سورية، وهذا يقودنا بالتالي، إلى أن الفقر ازداد في سورية، لأن تراجع الاستهلاك أعلى من تحسن توزيع الدخل، فهناك معادلتان أمام الفقير، إما أن يستفيد من تحسن توزيع الدخل، أومن تحسن الاستهلاك.
فإذا أخذنا مؤشر النمو المحابي للفقراء، نرى أن الشرائح الأفقر من السكان زاد استهلاكها بمعدل /4 ـ 5%/، بينما استهلاكها الوسطي كان /6%/، أي أن عدد الفقراء قد انخفض بدليل ارتفاع نسبة الاستهلاك، وبالتالي يعتبر هذا التوزيع لمصلحة الفقراء، أما إذا قارنا زيادة استهلاك الفقراء بمعدل النمو الكلي، الذي هو 6%، نلاحظ أن الفقراء لم يستفيدوا من هذا النمو، فالموضوع يعتمد بشكل أساسي على معيارنا لتحديد التحسن.
التعريف الثاني لمؤشر النمو المحابي للفقراء هو: هل أدى هذا النمو إلى زيادة أو نقصان عدد الفقراء في سورية؟
إن نسبة الفقراء قد ازدادت، فالنمو الذي جرى خلال السنوات الماضية غير محابي للفقراء، علماً أن الخطة وضعت تصوراً لتخفيض الفقر إلى /7%/ في عام 2010، فلماذا ازداد الفقر في سورية، حتى وصل خط الفقر الأعلى لدينا إلى /22.3%/؟
هناك مجموعتان من الأسباب:
الأسباب الخارجية:
وأهمها الأحوال المناخية، التي أثرت على القطاع الزراعي بشكل سلبي، على الرغم من أن الخطة الخمسية العاشرة، كانت عبارة عن محاولة لتجنب ردات الفعل، حيث طرحت فيها خطورة شح المياه في سورية، ومشكلة الري والأراضي البعلية، علماً أن الخطة التي تم تبنيها للمياه لمدة عشر سنوات، خجولة ولا ترقى للتحدي. والخلل الثاني كان بالتنفيذ، وهذا ينطبق على معظم القطاعات الاقتصادية، فمشروع الري الحديث لا تتجاوز نسبة تنفيذه حتى الآن 10%. إضافةً إلى الأزمة المالية العالمية التي استفاد منها الاقتصاد السوري في المرحلة الأولى، في ظل وجود الاستثمارات الخارجية، وتحويلات الأموال من المغتربين، والطلب على الصادرات، لكن الكساد العالمي الحالي سيكون له تأثيراته على الاقتصاد السوري، بعد تراجع تحويلات المغتربين والصادرات، كما أن الأوضاع الإقليمية، والمتمثلة باحتلال العراق، وأزمة لبنان، والانقسام الفلسطيني، وازدياد الخلافات بين الدول العربية، تشكل مناخاً ضاغطاً على الاقتصاد السوري، وهذه هي العوامل الأساسية التي أثرت في ازدياد الفقر.
أما الأسباب الداخلية:
أول هذه الأسباب الإصلاح المؤسساتي، فكيف يتم رفع أسعار الطاقة ونحن لا نمتلك مؤسسات مجتمع أهلي، ولا الحريات الكافية لبناء شبكة حماية اجتماعية؟ إضافةً إلى أن الدولة لا تمتلك مؤسسات قادرة على إعادة توزيع الدخل وتوصيله للفقراء، إذاً رفع الأسعار في هذه الحالة يمثل نصف الحل، وأنصاف الحلول أصبحت مشكلة.
بالإضافة إلى أن الاستقرار الاقتصادي الحقيقي، واستدامة النمو مشكلة أخرى، حيث ارتفعت الأسعار بشكل عام، وأسعار الطاقة والغذاء بشكل خاص. كما أن السياسات المالية والإنفاق الحكومي هما أحد أهم السبل لتخفيض عدد الفقراء، والذي حدث في التطبيق، هو انخفاض في نسبة الضرائب المباشرة الأكثر عدالة، مقابل ارتفاع نسبة الضرائب غير المباشرة، بعكس ما سعت إليه الخطة الخمسية العاشرة.
وقد طرحت الخطة الخمسية العاشرة الإيرادات الكافية لرفع الاستثمار، والتي تأتي من خلال الإصلاح الجذري في الإيرادات الضريبية وإصلاح القطاع العام، فمثلاً الضرائب المباشرة يجب أن تصل حسب الخطة إلى /10%/، وهي الآن /5%/، بالتالي التنفيذ جاء معاكساً للخطة.
والقضية الأخرى هي تبدل الأولويات، الذي يضرب الفحوى الأساسية للسياسة الاقتصادية، فالمفاوضات مع منظمة التجارة العالمية تعكس النزاع بين الاقتصاديين البدلاء والكلاسيكيين، فهل نحرر التجارة أولاً أم السوق المحلية؟ فأية خطوة تسبق الأخرى ستؤدي حتماً إلى تغيير جذري في النتائج.
فالخطة أقرت رفع الدعم بشكل تدريجي، لكن رفع الدعم إلى حده الأقصى، مع وجود ارتفاع أسعار عالمي دون وجود مؤسسات، أضر الاقتصاد الوطني بشكل كامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 406