موازنة 2017.. بقي الثلث من مخصصات 2010!
صدر القانون رقم 24 لعام 2016 القاضي بتحديد وإقرار الموازنة العامة للدولة، وكما في كل عام فإن مناقشة الموازنة وبنودها، توضح توجهات إدارة المال العام، ودور جهاز الدولة في النشاط الاقتصادي والخدمات الاجتماعية للعام القادم.
قاسيون تناقش في ملفها الأول حوال موازنة 2017، اعتمادات الموازنة الكلية، ووجهات الإنفاق الرئيسية، ليتبين لنا ما هو الحجم الفعلي للمبلغ المرصود..
عشتار محمود
رصدت الموازنة لعام 2017، اعتمادات بلغت 2660 مليار ليرة سورية، بزيادة 680 مليار ليرة عن اعتمادات 2016. ولكن مع التضخم وتراجع القدرة الشرائية لليرة السورية، التي يمكن استخدام سعر صرف الدولار للتعبير عنها، فإن هذه الآلاف من مليارات الليرات تتراجع قدراتها الفعلية، أي تنخفض اعتمادات الموازنة، ومساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي عاماً بعد عام..
وسنستخدم سعر الصرف المعتمد في موازنة 2017 البالغ 470 ليرة مقابل الدولار للتعبير عن رقم الموازنة بالدولار حيث يعادل 5,6 مليار دولار بسعر صرف الموازنة.
خمس الناتج
المحلي الإجمالي فقط!
لتقييم الموازنة بصفتها تعبير عن دور جهاز الدولة الاقتصادي، وتعبيراً عن حجم مساهمته، فلا بد من مقارنتها بحجم الناتج المحلي الإجمالي، أي القيمة المضافة التي أنتجها السوريون خلال عامهم، وحصة المال العام، وجهاز الدولة منها، التي يحصل عليها، ويعيد استخدامها في النشاط الاقتصادي سواء استثمارياً أو خدمياً.
وبما أنه ما من بيانات دقيقة حول الناتج المحلي الإجمالي السوري، فسنعتمد التقدير لعام 2016 والمتوقع بلوغه: 25,5 مليار دولار تقريباً. مبنية على تقديرات منظمة الإسكوا، بأن الناتج في 2015 بلغ 27.2 مليار دولار، وتقديرات تراجعه لهذا العام -6% تقريباً. وعليه تكون الموازنة نسبة 20% من مجمل الناتج فقط، بينما كانت النسبة في 2016 حوالي 37% تقريباً: 10 مليار دولار من أصل قرابة 27 مليار دولار ناتج 2015.
الموازنة تعادل نسبة 20% من الناتج المقدر في عام 2016، أي خمس الناتج فقط سيستخدم للإنفاق على حاجات السوريين، وعلى توسيع الاستثمار العام، بينما أربعة أخماس أخرى، ونسبة 80% من الناتج تتحكم بها السوق.
الموازنة الجديدة أقل من القديمة بـ 29%
2660 مليار ليرة لعام 2017، تعادل 5,6 مليار دولار وفق سعر صرف 470 المعتمد في الموازنة، وقرابة 5,1 مليار دولار بسعر الصرف الحالي.
أما موازنة 2016، فقد بلغت اعتماداتها 1980 مليار ليرة، كانت تعادل 7,92 مليار دولار وفق سعر الصرف المعتمد في الموازنة حينها: 250 ليرة مقابل الدولار
أي أن موازنة العام الحالي لم تزداد بنسبة 34% كما تشير قيمتها بالليرات السورية، بل انخفضت قيمتها الحقيقية مقاسة بسعر الدولار بمقدار: 29% تقريباً.
وبذلك يتبين أنه بالقيمة الحقيقية فإن تراجع اعتمادات الموازنة، أي مساهمة الدولة في النشاط الاقتصادي، تنخفض بسرعة أكبر عاماً بعد عام، ففي عام 2015 كانت الموازنة تعادل 10,3 مليار دولار، أما إذا قارناها بعام 2010 حيث كانت اعتمادات الموازنة تعادل 15 مليار دولار تقريباً، فإن موازنة العام الحالي تقارب ثلث موازنة العام الأخير قبل الأزمة.
600 مليار ليرة أجور وتعويضات
ربع الإنفاق في الموازنة سيكون للعمليات الاستثمارية، وثلاثة أرباعه للإنفاق الجاري.
الإنفاق الجاري ازداد بمقدار 512 مليار ليرة عن العام الماضي، ولكنه انخفض بالقيمة الحقيقية من 5,8 مليار دولار إلى 4,2 مليار دولار، أي أن قدرات هذا المبلغ الشرائية أقل بما يزيد عن مليار دولار.
فكيف تتوزع النفقات الجارية؟ بحسب بيانات موازنة 2017 ستحصل الأجور والرواتب والتعويضات على 432 مليار ليرة تقريباً، منها 20 مليار ليرة فقط لرواتب الشركات والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي المتوقفة عن العمل، بينما رواتب ومعاشات المتقاعدين ستبلغ 168 مليار ليرة، وستزداد الأجور مع الرواتب التقاعدية بمقدار 114 مليار ليرة تقريباً.
وكتلة الرواتب والأجور للقائمين على رأس عملهم والمتقاعدين تبلغ 600 مليار نسبة 30% من الإنفاق الجاري، و22% من الاعتمادات الإجمالية.
نفقات وزارة الدفاع ستبلغ قرابة 508 مليار ليرة وربع الإنفاق الجاري. أما النفقات الإدارية والتحويلية فستبلغ 263 مليار ليرة، بزيادة بنسبة 45% للإدارية و 12% للتحويلية عن 2016.
بينما تسديدات الديون والالتزامات واجبة الأداء، خصص لها مبلغ 178 مليار ليرة للإنفاق عليها، مقابل 263 مليار ليرة في العام الماضي.
أما مبلغ 423 مليار ليرة فهو مخصصات الحكومة لتثبيت الأسعار أو للدعم الاجتماعي، ولا ندري كيف تستقيم الأمور مع مصدري الموازنات ليقولوا بأن الدعم 423 مليار ليرة، بل سيصل إلى حوالي 1800 مليار موضوعاً خارج الموازنة، بينما مجمل جوانب الدعم أصبحت محررة السعر، باستثناء الخبز، والكهرباء التي تكاليف محروقاتها، لا تصل إلى نصف مبلغ الدعم المطروح 423 مليار!
كتلة الأجور والتعويضات ورواتب المتقاعدين ستبلغ 600 مليار ليرة سورية، ونسبة 22% من اعتمادات الموازنة فقط. ووفق الأجر الوسطي البالغ 34 ألف ليرة سورية تقريباً، نستطيع التقدير بأنها تتوزع على قرابة 1,4 مليون عامل ومتقاعد من جهاز الدولة! في تراجع كبير عن الأرقام التي تضخمها الحكومات المتتالية حول تعداد العاملين في جهاز الدولة وعبء الرواتب والأجور!
الإنفاق الاستثماري تنفيذ النصف وتوفير مليار دولار!
سيبلغ الإنفاق الاستثمار في 2017: 678 مليار ليرة، أي ما يعادل 1,4 مليار دولار، بتراجع 600 مليون دولار عن القيمة الحقيقية للإنفاق الاستثماري في 2016، الذي يقارب 2 مليار دولار.
يشير البعض أن الحكومة لم تنفق من إنفاقها الاستثماري في الأعوام السابقة إلا ما يقل عن 100 مليار ليرة في أعوام 2013-2014-2015، وربما لأن الحكومة ترد على هذه المعلومات، فقد نشرت في العام الحالي نسب التنفيذ لغاية 30-9-2016، ليتبين بأنها نفذت 42% من الإنفاق الاستثماري، أي أنفق حوالي 860 مليون دولار تقريباً على الإنفاق الاستثماري، ووفرت 1,1 مليار دولار!
أما كيف سيتوزع رقم الإنفاق الاستثماري للعام القادم 2017 فنستطيع من قراءة الأرقام تلخيص التالي:
• النسبة الأكبر من الاعتمادات الاستثمارية هي اعتمادات احتياطية بمبلغ 298 مليار ليرة، لم تنفق في العام الماضي تقريباً، مع أنها بلغت النصف أيضاً.
• الإنفاق الاستثماري على الإنتاج الحقيقي، أي على الزراعة، والصناعة الاستخراجية، والصناعة التحويلية والبناء والتشييد، تبلغ بمجموع القطاعات الأربعة: 112 مليار ليرة استثمار، أي حوالي 21 مليون دولار، ونسبة 4% من اعتمادات الموازنة الإجمالية، والأهم أنها لا تتجاوز نسبة 0.8% من الناتج المقدر لعام 2016 والبالغ 25,5 مليار دولار! وهي منخفضة إلى حد بعيد، على اعتبار أن رقم الاستثمار هذا هو الذي يحدد حجم النمو والتوسع في الإنتاج العام في هذه القطاعات.
• الخدمات الرئيسية الأخرى من الكهرباء والنقل والموارد المائية مجموع إنفاقها الاستثماري 95.5 مليار ليرة، وقرابة 20 مليون دولار فقط لتوسيع الاستثمار في القطاعات الخدمية الرئيسة الثلاث!
• التعليم العالي والتربية، والصحة ستخصص بمبالغ لا تتجاوز 66.35 مليار ليرة، أي قرابة 14 مليون دولار! والقطاعان الخدميان الرئيسيان ستكون حصتهما الإجمالية من الموازنة نسبة 9% تقريباً.
الإنفاق الاستثماري هو العنصر الحاسم في دور الدولة في توسيع النشاط الاقتصادي وتحقيق النمو، والحكومة سنوياً تضع نصف هذا الاستثمار احتياطي، لم ينفق في 2016، وقد لا ينفق في العام القادم. أما مجمل الرقم البالغ قرابة 1,4 مليار دولار، فهو لا يتجاوز نسبة 5,4% من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي، أي أن الحكومة لن تساهم بتوسيع الاستثمار إلا بهذه النسبة الضئيلة، أما إذا أخذنا الإنفاق في القطاعات الحقيقية المولدة للنمو، وعلى الخدمات الرئيسية المرتبطة بها: فإن الاستثمار العام لن يتعدى نسبة 1,5% من الناتج على الزراعة والصناعة والبناء والتشييد والكهرباء والنقل والموارد المائية، ومن هنا يظهر التراجع المقصود في دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتحقيق النمو، حيث تترك الموارد والاستثمار للسوق كي تحددها.
الملفت أن التراجع في اعتمادات الموازنة مقيمة بالدولار، يتزايد سنوياً، وتحديداً في العامين الأخيرين، فالموازنة قد تراجعت قيمة اعتماداتها مقيمة بالدولار، خلال خمس سنوات من الأزمة بين 2011-2015 بمقدار ثلث اعتمادات عام 2010، لتصبح 10 من أصل 15 مليار دولار، بينما سنفقد الثلث الثاني في عامي 2016، و2017. لتكون موازنة عام 2017 ثلث موازنة عام 2010: 5 من 15 مليار دولار! فلماذا؟ ومن يعطي أصحاب القرار الاقتصادي، وواضعي السياسات، الحق بتخفيض الإنفاق الفعلي لجهاز الدولة إلى هذا المستوى في هذا الظرف، وتحديداً أن هذا المال العام مجني من موارد السوريين ومن تحصيلات الحكومة من أعمالهم؟!
كيف ستتوزع 2660 مليار ليرة على القطاعات الرئيسية:
الحصة الأكبر من الإنفاق هي للهيئات الخدمية العامة بنسبة 27%، وهي تشكل النسبة العظمى مما يسمى الخدمات الحماية والاجتماعية والشخصية، أي 27% من الإنفاق يذهب إلى الهيئات الحكومية العليا: (رئاسة الجمهورية- مجلس الشعب- رئاسة مجلس الوزراء- هيئة تخطيط الدولة وغيرها)، الأمن القومي، ومجموعة من الوزارات: وزارة العدل والقضاء، وزارة الإدارة المحلية، وزارة الداخلية، وزارة الخارجية والمغتربين، وزارة الإعلام، وزارة الأوقاف، وزارة الثقافة.
وزارة الدفاع تحصل على النسبة الثانية الأكبر بمقدار 19% من إجمالي اعتمادات الموازنة.
التربية والتعليم والصحة تحصل على نسبة تقارب 11%، ومبلغ إجمالي يقارب 294 مليار ليرة، منه 40 مليار للصحة.
وإذا وزعت هذه المبالغ على تعداد السوريين المتواجدين حالياً في البلاد المقدر بحوالي 18 مليون نسمة، فإن حصة كل منهم من هذا الإنفاق لا تتعدى 16 ألف ليرة سورية في السنة!
وزارتي الاقتصاد والمالية والتجارية الداخلية مع مؤسساتها تحصل على نسبة 9%، ومبلغ يقارب 246 مليار ليرة، منها 17 مليار فقط للتجارة الداخلية.
الزراعة والصناعة والبناء مع الكهرباء والغاز والماء بمجموع هذه القطاعات المنتجة الرئيسية والخدمات المرتبطة بها، لا تحصل إلا على ما يقارب 8% من الموازنة العامة للدولة، وبمجموع 212 مليار ليرة، أي حوالي 450 مليون دولار فقط!
النفقات الأخرى تقارب ربع الموازنة، منها احتياطي الاستثمار ومخصصات إعادة الإعمار 50 مليار ليرة، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومدفوعات الدين، والدعم الاجتماعي الأمر الذي سنناقشه في ملف لاحق..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 788