د. منير الحمش لـ «قاسيون»: مؤتمر الدوحة إهانة للعرب
العالم لا يحترم إلا الدول القوية.. وقوة الاقتصاد تأتي من القرار السياسي
التقت «قاسيون» مع د. منير الحمش الباحث الاقتصادي المعروف، وتناولت معه العديد من المسائل الاقتصادية الراهنة في الحوار التالي:
* بداية كيف تنظر «للعولمة»؟
العولمة ليست ظاهرة جديدة:
* العولمة تطور تاريخي طبيعي للرأسمالية، وهي ليست ظاهرة جديدة، وقد كانت سائدة قبل الحرب العالمية الأولى بكثير لكن قُطع مسارها واتخذت إجراءات الحد من التجارة لصالح المجهود الحربي.
* مادامت العولمة ظاهرة قديمة ما سبب شيوع المصطلح حديثاً؟
متغيرات عالمية
* بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نتج 3 نماذج في العالم وكل من هذه النماذج اصطدم بعقبات غيرت مجرى الأمور بعدئذ، فالنموذج الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حاول أن يحل أزمته من خلال التحرير، فخرجت أمريكا عن قابلية تحويل الدولار إلى ذهب وبدأت الليبرالية تكتسح مواقع هامة منذ نجاح تاتشر في بداية السبعينات في إنكلترا ونجاح ريغان في بداية الثمانينات في أمريكا فبدأ تطبيق إجراءات ليبرالية متطرفة لحل أزمة الرأسمالية التي لم يستطع حل مشاكلها الكينزيون الجدد.
ونموذج البلدان النامية تعَّرض لأزمات اقتصادية حادة فأُغرقت في الديون وأعلن فشل التنمية المستقلة.
أما النموذج الاشتراكي والذي يمثله الاتحاد السوفييتي فقد اصطدم هو الآخر بأزمة اقتصادية، قدم غورباتشوف حلها على أساس «البيروسترويكا»، ولكن بعد ظهور مشاكل عدم القدرة على السيطرة انهار الاتحاد السوفييتي. هذا الانهيار وقبله سقوط جدار برلين جعلا بعض منظري الرأسمالية وعلى رأسهم فرانسيس فوكوياما يرون أن العالم يتجه إلى نهاية التاريخ فأخذت العولمة حيزاً كبيراً من اهتمام الاقتصاديين والسياسيين وبدا حل الأزمة من خلال حرية الأسواق وحرية انتقال الأموال وقد ساعد في ذلك تطور التكنولوجيا وساد صراع الحضارات وانتصار قيم الغرب وانتهجت أساليب غير أخلاقية في الهيمنة الأمريكية في النظام العالمي.
* كيف تقوم العلاقة بين كل من منظمة التجارة العالمية والعولمة؟
المؤسسات الاقتصادية للعولمة
**قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية برزت مهمة إعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية الدولية، فتم عام 1944 إحداث صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وبعد ذلك بقليل أقرت الغات (الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات الجمركية) وأتت هذه الاتفاقية كبديل لمنظمة التجارة الدولية التي رفضها الكونغرس الأميركي بحجة التعدي على السيادة الوطنية وفي عام 1994 أنشئت هذه المنظمة تحت اسم منظمة التجارة العالمية ليتم بها إنجاز المؤسسات الاقتصادية للعولمة.
* بدأنا نشهد في هذه المرحلة انتشار الحركات المناهضة للعولمة فهل بإمكان هذه الحركات الوقوف في وجه تيار العولمة؟
مناهضة طغيان الرأسمالية العالمية
** إن من أهم أسباب تعطل مؤتمر سياتل عام 1999 هي قيام المظاهرات وحركات الاحتجاج التي كانت غير متوقعة، والتي جرت خارج قاعة المؤتمر ومنذ ذلك الحين بدأت تتسع دائرة حركات الاحتجاج ضد طغيان الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
* هل هناك علاقة بين الحركات المناهضة للعولمة وبين العرب؟
فعل على المستوى العربي
** منذ أشهر بدأت الحركات المناهضة للعولمة في العالم تهتم بالعرب وتجلى ذلك خصوصاً في مؤتمر مناهضة العنصرية في دوربان. كما أن بعض المنظمات المعادية للعولمة وقفت في الأرض المحتلة إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، كما أنه بدأ بعد ذلك نشوء مجموعة منظمات يتركز نشاطها في بيروت ومصر وسورية التي تعالت فيها الصيحات المعادية للعولمة متبلورة بشكل مجموعات «كالمجموعة المناهضة للعولمة» ونرجو الاستمرار والتوفيق لهذه المجموعات.
* ما السبب الكامن وراء اختيار الدوحة لتكون المكان الذي ينعقد فيه مؤتمر منظمة التجارة العالمية؟
مؤتمر الدوحة إهانة للعرب
** قبل سنة لم تكن هناك أي حركة مناهضة للعولمة في العالم العربي مع أن الكثير من الأدباء والاقتصاديين وغيرهم اتخذوا مواقف معادية للعولمة، لكن ذلك لم يتبلور بشكله المؤسساتي ولهذا السبب وبصفة أن الدوحة مكان جغرافي معزول يحتاج كل من يريد الدخول إليه إلى تأشيرة دخول، تم اختيار الدوحة مكاناً لانعقاد المؤتمر وهذا الأمر إهانة للعرب أجمعين.
* هل يمكن أن يكون للعرب على وجه التحديد رؤية خاصة للعولمة؟
العرب مطالبون بالمواجهة
** إن ما يميز المنطقة العربية هو وجود إسرائيل في قلبها وأطماعها التوسعية فيها لذلك فإن إسرائيل والمشروع الصهيوني يعدان التجلي الإقليمي للمشروع العولمي الأمريكي لذلك فالشعب العربي بشكل عام من أول الشعوب المطالبة بالوقوف ضد التيار العولمي الجارف خاصة أن ما حدث في أميركا فتح الباب أمام جرائم لا حدود لها ترتكبها إسرائيل باسم مكافحة الإرهاب فيتم بذلك إعادة إغلاق الحدود التي فتحتها العولمة.
* إذاً أنت ترى أن ما حدث في أميركا يشكل نقطة تحول في مجرى الأحداث الاقتصادية والسياسية على حد سواء؟
مكافحة الإرهاب عل الطريقة الأمريكية تتناقض ومقولتهم عن العولمة
** بعد الحادي عشر من أيلول الماضي أخذت الأزمة الاقتصادية العالمية شكلاً أكثر حدة. فمكافحة الإرهاب بهذه الطريقة تتناقض على طول الخط مع مظاهر العولمة، إذ تم تقييد حركة الأموال وتقليص الحرية الشخصية، وذلك يتناقض مع مبادئ الليبرالية التي تشكل جوهر العولمة فقرار مجلس الأمن رقم 1373 (والذي اتخذ بناء على ضغط أمريكي واضح) سوف يعيق حركة الأموال في العالم فبإمكان المركز أن يعرف رصيد أي شخص ويجمده في أية لحظة مخالفاً بذلك مبدأ سرية المصارف، كما يتم خرق مبادئ الحرية الشخصية إذ يمكن أن يوقف أي شخص في الطريق ويسأل عن هويته أو انتمائه بشكل يعطل حركة الأشخاص في الشوارع، فقد صدر قرار في فرنسا مثلاً يقضي بتفتيش الأشخاص والسيارات في أي مكان، وتم خرق مبدأ حرية الدول إذ يجعلها قرار مجلس الأمن هذا مجرد شرطي بيد المخابرات المركزية الأمريكية.وأكثر من ذلك فالمخابرات الأمريكية أصبحت تقبل بين صفوفها ذوي السجلات الإجرامية وبالتالي فهي كمن يؤجر القتلة والمجرمين باسم مكافحة الإرهاب مما يمثل إرهاب دولة ويفتح الباب أما حرب غير تقليدية لا نهاية لها.
* نشأ في التيار المقاوم للعولمة اتجاهان: «راديكالي» يعي خطورة العولمة ويطالب بوضع آليات للمواجهة. و«إصلاحي» يرى أن للعولمة آثاراً إيجابية يجب الاستفادة منها وسلبية يجب محاولة تلافيها فما رأيك بكلا الاتجاهين؟
** لا أعتقد أن هناك فصلاً بهذه الحدة بين هذين الاتجاهين وأريد هنا أن أسأل بالنسبة للإصلاحيين ما هي هذه الجوانب الإيجابية للعولمة التي يدَّعونها؟
* يقولون من أهم جوانبها الإيجابية ثورة الاتصالات وانتقال الثقافة!
ثورة الاتصالات فرقت البشر
** ولكن كل هذا ليس من إنجازات العولمة بل هي نتاج طبيعي للتراكم المعرفي أما العولمة فقد استخدمت هذا الإنتاج ووظفته لخدمتها.
إذا علمنا أن هناك 1.2 مليار شخص من سكان العالم لا يحصلون على الغذاء فكيف سيحصلون على الانترنيت لذلك فإن هذه التقنيات فرقت البشر إلى معزولين عن هذه التقنية وعن التواصل عبرها، وهم القسم الأكبر، وموصولين وهم القسم الأقل، وبالنهاية فإن هذه الإنجازات ـ مع أننا لسنا ضدها ـ فهي لا تستطيع أن تقدم المياه النظيفة والسكن الصحي والغذاء المناسب لجموع الملايين من البشر، ومن أبرز نتائج هذه التقنيات تعميم الجريمة وهي المستفيدة الثانية بعد الشركات متعددة الجنسيات والمافيات لأنها تقدم التواصل لهؤلاء لتنفيذ المشاريع الإجرامية.
* في الثامن من تشرين أول الماضي أعلنت سورية فتح مفاوضات الدخول في منظمة التجارة العالمية، ما هو تأثير ذلك على سورية الآن؟
لا نستعجل الأمور
** قرار فتح المفاوضات لا يعني الدخول في المنظمة. فالصين مثلاً استمرت في المفاوضات حوالي خمسة عشر عاماً لذلك يجب ألا نستعجل الأمور فللمنظمة شروطها ولنا ظروفنا ويجب أن نجتاز الآن المفاوضات الأولية ثم ندخل في التفاصيل.
* بلغ عدد الدول الأعضاء في المنظمة حتى اليوم 143 عضواً من أصل 180 دولة تقريباً وهناك أراء تقول بأننا لا نستطيع أن نبقى خارج العالم لذلك دعونا نتفاوض، وآراء أخرى تقول لنلحق بقطار التقدم والحداثة والحضارة وإلا فاتنا فما رأيك بذلك؟
** الدخول في المفاوضات ليس خطأ فلندخل ونرى بعد ذلك كيف سيتم التعامل.
* كيف يمكن جعل موقف سورية التفاوضي أكثر قوة؟
المعرفة هي الأساس
** بداية يجب أن نتسلح بالمعرفة وبالتالي المواجهة من خلال فهم تفاصيل الاتفاقيات وكيفية التعامل معها، فيجب أن يطلع الوفد المفاوض على الاتفاقية وملحقاتها الكاملة وأتمنى أن يتم الاستعانة بمجريات مفاوضات البلدان النامية لأن من وضع هذه الاتفاقيات كان في منتهى الذكاء فوضع تفاصيل معقدة يستطيع من خلالها تمرير العديد من الأمور إذا لم يكن الوفد المفاوض على المستوى الكافي من الكفاءة، ومن المهم محاولة الدخول على شكل تكتلات اقتصادية خاصة مع الدول العربية لأن ذلك يفتح مجالاً أكبر لتسهيلات واستثناءات وبالنهاية العالم لا يحترم إلا الدول القوية وقوة الاقتصاد تأتي من القرار السياسي.
* د. منير الحمش : دكتور في الاقتصاد، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي، عضو اللجنة التنفيذية، رئيس الدائرة الاقتصادية في مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق، عضو مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ـ القاهرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 162