برسم مدير عام إكثار البذار.. مفارقات زراعية متكررة الحدوث
مفارقات كثيرة وصور متناقضة نشاهدها كل يوم في الواقع الزراعي على امتداد البلاد، سواء على مستوى السياسة الزراعية المتبعة التي لم تؤدّ إلا إلى الفاقة والعوز، أو على مستوى الممارسات الغريبة التي تحدث هنا وهناك في الوزارة والمديريات، خصوصاً من حيث الخطط وتوفير وتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة وأدوية زراعية ومحروقات وغيرها.. وكلها تنعكس بشكل مباشر على الفلاح أولاً، وعلى اقتصاد الوطن والأمن الغذائي الوطني، وما حدث في السنوات الأخيرة من تراجع مرعب في أرقام مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الوطني أكبر مؤشر على خطورة ذلك..
في المنطقة الشرقية، وهي المنتج الأساس لمعظم المحاصيل الإستراتيجية في بلدنا، تعاني الزراعة والعاملون فيها معاناة كبيرة من هذه المفارقات التي ولّدها الفساد، وآخر ما وصل إلينا هو ما أكّده بعض المزارعين حول ما يقوم به فرع إكثار البذار في دير الزور من تخفيض كميات البذار التي يحتاجها البعض منهم. فمن لديه ثلاثون دونماً على سبيل المثال، يُعطى بذاراً لعشرين فقط تحت حجج واهية، منها أن الأراضي المخصصة في الخطة محدودة..
وقد أكد لنا عدد من الفلاحين والمزارعين أنّ البذار غير متوفرة منذ أكثر من عشرة أيام، وأغلب الجمعيات لم تستلم كامل البذار اللازمة وفق خططها الزراعية، وخاصة النوع الذي يعرف باسم (دوما 1).. كل هذا بدل التشجيع على التوسع في زراعة الأراضي حتى ولو أدى ذلك لتجاوز الخطط لتدارك الأخطار والأخطاء التي عانينا منها في السنوات القليلة السابقة في ظل اللبرلة، لأن الهدف الأهم في ظل النقص الحاد في كميات المحاصيل المصابين به اليوم، هو زيادة مخزوننا الاحتياطي الذي يحقق أمن الوطن الغذائي..
الغريب أن هذا التقتير في توزيع البذار يحدث، بينما، وفي صورة أخرى، يتم التعاقد مع البعض ويزودون بكميات تكفي ما يقارب 100 دونم وأكثر، وهم واقعياً لا يملكون عشرة منها، وهؤلاء يقومون ببيعها في السوق السوداء.. (والحقيقة أن البذار متوفرةً في هذه الأسواق حالياً) وفيما بعد يقومون بشراء الحبوب من الفلاحين أثناء الموسم وتوريدها إلى مؤسسة الحبوب بموجب استجرارهم لكميات البذار الكبيرة، ويشاركهم التجار بذلك، وغالباً ما تكون مواصفاتها رديئة وأقل جودة.. أو مخلوطة حتى بالشعير، ومع ذلك تُسعر بسعر الأقماح الجيدة، وهذا ما حصل سابقاً، وسيتكرر حدوثه هذا العام بناء على هذه المقدمات المتكررة كل عام أول الموسم وآخره!؟
من هنا نتوجه إلى المسؤولين الزراعيين الذين يحرصون على إنجاح مواسمنا الزراعية وزيادة الإنتاج وتحقيق أمن الوطن الغذائي، بوضع حد لمثل هذه الممارسات التي تتم على مرأى من الجميع، وهذا لا يساعد على تحقيق الخطط الزراعية وتطويرها فحسب، وإنما يساهم أيضاً في محاربة بعض أشكال الفساد الناشزة في هذا القطاع الحيوي..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 431