خطة حكومية مبرمجة لإنهاء الشركات الإنشائية
4.500 مليار ل.س ديون الشركات على الحكومة..اصطناع فائض عمالة وإيقاع الشركات في عجز دائم
منذ سنوات وحتى الآن، والحديث يدور حول فائض العمالة في القطاع العام الصناعي والإنشائي والخدمي، وتحاول الجهات الوصائية أن تقنعنا بأن المخرج الوحيد من صعوبات القطاع العام يكمن تحديداً في العمالة، وتحميل العمال مسؤولية مصاعب القطاع العام. وعلى هذه الخلفية طرح مشروع قانون التقاعد المبكر، ومشروع آخر لنقل العمال من هذه المؤسسة إلى تلك، ومشروع لتسريح العمال، ولم ينفذ شيء من هذا، علماً أن هناك نقصاً في اليد العاملة في القطاع الإنتاجي، وقد انعكس ذلك على الإنتاج وتنفيذ الخطط، أيضاً انعكس على القطاع الإنشائي من ناحية عمل المتعهدين في مشاريعه، ونشر الفساد من خلال ذلك.
أين الفائض؟
في العام 2002 وبموجب القرار رقم /85/ شكلت لجنة في رئاسة مجلس الوزراء مهمتها:
«دراسة الفائض من الأيدي العالمية في شركات القطاع العام الاقتصادي والصناعي والخدمي وتقديم الاقتراحات المناسبة إلى رئاسة مجلس الوزراء للتخلص منها وذلك بالسرعة الكلية».
تم تمثيل اتحاد العمال في اللجنة، وقد أكد على ضرورة دراسة واقع فائض اليد العاملة إن وجد. وبين الاتحاد العام ضرورة تحديد مقياس عملي وعلمي لقياس الفائض قبل الحديث عنه، وتحديد سبل التعامل معه مسبقاً، وبين الاتحاد العام أنه لا يمكن الحديث عن الفائض دون ربطه بمدى ونسب وواقع تنفيذ المشاريع والخطط الاستثمارية للدولة، والملاكات العددية للجهات العامة أيضاً وسبل معالجة القطاع العام. كما أن تدوير العمالة بين جهات القطاع العام ليس حلاً جذرياً بل نقل للمشكلة، وهو حل مؤقت لأنه سيؤدي في النهاية لإخراج عدد كبير من العمال من مواقع عملهم إن لم يتم ضخ استثمارات جديدة، وإعادة تأهيل القسم الأكبر للعمل في مشاريع ومنشآت جديدة.
ويعتبر اتحاد العمال بأن عمليات الدمج في الشركات الإنشائية التي تمت والتي يقترح القيام بها ستؤدي أيضاً لاصطناع فائض عمالة.
اصطناع الفائض
الجهات الوصائية اقترحت التقاعد المبكر، ورفض لأنه سيؤدي إلى إفلاس مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وإلى إفراغ القطاع العام من كوادره.
وتوقفت أعمال اللجنة، ولكن عمدت بعض الجهات العامة والإنشائية لإعداد جداول أسمية بأسماء «الفائض»، ولاسيما من الفئات الرابعة والخامسة، وهذه الفئات هي الأضعف رغم أن هؤلاء عمال إنتاج في جميع الشركات.
لم تشر الجهات الوصائية إلى واقع العمال المرضى في القطاع العام الصناعي تحديداً، وهم بالآلاف، وهؤلاء حصلوا على تقارير طبية تؤكد أبعادهم عن العمل وأكثرهم إصابات مهنية، هذه قضية أولى، القضية الثانية لم تشر إليها الجهات الوصائية أيضاً، وهي العمال المفرزون من القطاع الصناعي إلى المنظمات الشعبية، وإلى فروع الأحزاب وإلى جهات إدارية عديدة، وهم عمال في القطاع الصناعي الإنتاجي، وعددهم في مؤسسة الصناعات النسيجية وحدها /700/ عامل، فما بالنا ببقية المؤسسات؟
كلفة الطبابة في القطاع العام الاقتصادي بحدود /1.7/ مليار ل.س، و/55/ مليون ل.س في القطاع الإداري، وإذا ما تم تشميل باقي العمال والبالغ عددهم /660/ ألف عامل بالطبابة تصبح الكلفة السنوية /2.969/ مليار ل.س، وتقدر الكلفة التقديرية للعام الحالي مع تشميل جميع العاملين بالرعاية الصحية /3026/ مليار ل.س.
القضية الأخطر
هذه المبالغ تدفع لعمال مرضى، لم تناقش هذه القضية الخطيرة، ويبدو أن الجهات الإدارية لا تعلم بأن المحافظة على سلامة العمال ذات مردود واسع وكبير يحمي صحة العمال ويوفر نفقات العلاج وتعويضات العجز والوفاة، ويخفف من آلام العمال وعائلاتهم، ويزيد الإنتاج كماً نوعاً.
المفرزون من مؤسسة واحدة /700/ عامل إلى جهات إدارية، وهناك سبع مؤسسات، يبلغ عدد المفرزين منها أكثر من /700/، يعني بالحدود الدنيا هناك /6/ آلاف عامل خارج الإنتاج، وهم محسوبون على الإنتاج، في حين تقدر وزارة الصناعة العمالة الفائضة في القطاع الصناعي والإنشائي بحدود /14/ ألف عامل، المفرزون منهم /6/ ألاف عامل، والمرضى عشرات الآلاف.
الدمج المعجزة
والغريب أن هذا الموضوع لم يلفت نظر الجهات الوصائية، خالد الخضر رئيس الاتحاد المهني للبناء والأخشاب يقول حول واقع الشركات الإنشائية:
منذ سنوات واتحادنا يؤكد على ضرورة المعالجة ووضع الحلول للمصاعب العالقة والمعيقات لتطوير هذا القطاع الهام والحيوي للاقتصاد الوطني. عملية الدمج التي جرت لم تدرس نتائجها ولم تؤد إلى معالجة قضايا أساسية أبرزها:
تحسين الوضع المالي، تسديد الرواتب والأجور المتراكمة، تحديث وتجديد الآليات والمعدات لرفع وتيرة العمل، تأمين المواد اللازمة لتنفيذ المشاريع في الوقت المحدد، التنسيق لإعطاء الشركات الإنشائية عقوداً بالتراضي، وتأمين جبهات عمل كافية للشركات والسماح باستخدام اليد العاملة على كل مشروع وفق متطلباته، ومعالجة وضع العمالة. محاسبة كل مشروع على أنه وحدة اقتصادية، ضمان تأمين مستلزمات الإنتاج والتنفيذ، إصدار نظام الحوافز الإنتاجية للشركات الإنشائية، التطبيق الفعلي لقرار تصنيف المقاولين الصادر عن وزارة الإسكان بعد إعادة دراسته وإتباع نظام تأهيل العارضين للأعمال. الاتجاه لتلزيم المشاريع الكبرى للبنية التحتية لشركات القطاع الإنشائي، وصل التشابكات المالية وتسديد الديون المستحقة. وطالب الاتحاد المهني بأن يتم بحث واقع القطاع الإنشائي وشركاته بشكل متكامل انطلاقاً من أسباب المصاعب وإعادة هيكلة هذه الشركات وفق متطلبات العمل وبما يحافظ على حقوق العمال، وأن تتم المعالجة في إطار رؤية إستراتيجية مستقبلية لوضع هذا القطاع.
ويقترح في هذا المجال: إطفاء ديون الشركات وفوائد الديون، واعتبارها مسددة حكماً، إطفاء التشابكات المالية، تنسيق الآليات المستعملة وبيعها وفق اقتطاعات وزارة المالية، إقرار مبدأ كل مشروع وحدة اقتصادية، تنفيذ مراسيم إعادة إحداث الشركات الصادرة بشكل كامل وخاصة لجنة رأسمال الشركات، السماح للشركات بالاستلاف المتوسط والقصير الأجل وبفائدة محدودة لدعم صندوق الرواتب والحاجات الطارئة، والإقرار بمبدأ إبقاء هامش ربح وعدم تحريك حساباتها، وكذلك إبقاء جزء من السيولة المالية للشركات حين الطلب من صناديق خاصة للرواتب.
مفاقمة الشركات
كافة هذه الاقتراحات لم تلق الصدى أو حتى الرد من الحكومة، وكان من أبرز المعالجات دمج العديد من الشركات تحت يافطة حكومية تقول: الهدف تحسين ظروف الشركات ومعالجة مشكلاتها، ولكن الواقع أسفر عن مفاقمة تلك المشكلات عن طريق تجميع هذه المشكلات وتجييرها من المستوى الجزئي إلى مستوى أعلى، ليمتد على مستوى كافة الشركات، ويبدو أن النوايا الحكومية كانت تتجه إلى حل الشركات بالكامل لفسح المجال أمام مافيا التعهدات والمقاولات، وكانت الخطوة الأولى عملية الدمج والحديث عن فائض العمالة، وترك القطاع العام الإنشائي لبعض مدرائه الذين أقاموا حلفاً وشراكة مع المتعهدين لقبض النسب والعمولات.
الأخطر أيضاً في واقع الشركات الإنشائية أن هذه الشركات عاجزة عن دفع رواتب عمالها وعاجزة عن تسديد الاشتراكات للنقابات وللتأمينات الاجتماعية، وعاجزة عن شراء مستلزمات العمل لتنفيذ المشاريع التي تحصل عليها، ولكن لها ديون على الجهات الحكومية لو سددت لاستطاعت الإقلاع:
الشركة العامة للطرق والجسور بلغت قيمة الكشوف المستحقة الدفع على الحكومة مبلغ /2.400/ مليار ل.س، الشركة العامة للمشاريع المالية لها ديون على الجهات الحكومية /1.764/ مليار ل.س، الشركة العامة للبناء والتعمير لها ديون على الجهات الحكومية /500/ مليون ل.س، وهذه الديون لقاء مشاريع نفذتها هذه الشركات من جسور وطرق ومدارس وإنشاءات أخرى.
لنسأل الحكومة:
هل يقدم القطاع الخاص على تنفيذ المشاريع الحكومية ويصبر حتى يقبض مستحقاته؟
لا نعتقد ذلك!!
وكيف يمكن أن نطلب من الحكومة تأمين التمويل المالي اللازم للشركات لتأمين مستلزمات الإنتاج، والحكومة لا تدفع ما عليها من ديون إلى هذه الشركات!!
على كل هي خطة مدروسة لإيصال هذه الشركات إلى الانهيار الكامل، وقد وصلت بالفعل، ومع ذلك مازالت الحكومة تتحدث عن الإصلاح وعن دور القطاع العام الصناعي والإنشائي وعن الحلول، ومازالت الاجتماعات تعقد، ولكن لوأد هذا القطاع وإنهائه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 430