العمادي يبشرنا بدخول سورية في فك الثالوث غير المقدس!!
تعيش الرأسمالية منذ ما ينوف على ربع قرن أزمة عالمية عميقة تتمثل في تواجد أموال طائلة من الادخارات العالمية دون وجود المنافذ الاستثمارية المربحة لها، مما خلق فوائض مالية عالمية تزيد عن حاجة الاقتصاد العالمي، وهو ما يؤكده بوضوح آلاف المليارات من الدولارات التي تتناقل يومياً بين الأسواق المالية والبورصات العالمية، لا لتغطية التبادلات التجارية بل لأعمال المضاربة المالية.
عولمة الأزمة
وأمام ارتفاع خطر هذه الفوائض، وفي ضوء ما هو معروف عن تلاعب الرأسمالية في التكيف مع أزماتها، جاء الحل جاهزاً ووحيداً في إيجاد مناطق نفوذ رأسمالية جديدة، بل في عدم التفريط بأي بقعة من الكرة الأرضية، وهو ما يتعالى تسميته بالعولمة الرأسمالية.
ولتنفيذ مخططات هذه العولمة بفتح الأبواب الموصدة في شتى بقاع العالم أوكلت المهمة لثالوثها المقدس والذي وإن زعم البعض بأنه حاكم العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا أنه وبكل وضوح ليس سوى المنفذ الآلي للعولمة الرأسمالية على البلدان غير المعولمة، لإدخالها في النظام العالمي الجديد سواء بالترغيب أم بالإجبار والتهديد أمام ما يتمتع به هذا الثالوث من أسلحة الديون والنفوذ وحتى القوة...
1 ـ صندوق النقد الدولي: ليتولى المهام النقدية والمالية في تقليص دور الدولة وتحرير أسعار الصرف.
2 ـ البنك الدولي: لإحداث تحولات هيكلية داخل البلدان عبر الخصخصة وتحرير الأسعار وإلغاء الدعم.
3 ـ منظمة التجارة العالمية: وما تمثله من دور رئيسي في قيادة عملية التبادل الدولي وتسهيل مرور وخروج السلع والخدمات والأموال في جميع أصقاع العالم على الإطلاق.
العمادي يصرح دون سابق إنذار!!
ومن المعروف بأن رأي حكومتنا في الفترة السابقة كان بتوخي الحذر من موضوع العولمة الرأسمالية وتجنب الدخول بأبوابها المغرية، إلا أنه ومن دون سابق إنذار.... صرح وزير الاقتصاد بانضمام سورية إلى منظمة التجارة العالمية، والبدء بتقديمها للتعهدات والضمانات اللازمة للعضوية، وارتأت آراء الوزارة ومؤيدو الانضمام إلى أن الدخول بالمنظمة جاء وراء مبررات موضوعية حددت بما يلي:
1 ـ «توفير الأسواق الخارجية للمنتجات السورية»:
وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل: أين هذه المنتجات في صادراتنا، وهل توجد البنية الملائمة لإنتاج صناعات تصديرية؟ وبتحليل بسيط نرى أن نسبة المواد المصنعة في إجمالي صادراتنا الوطنية لا تتجاوز في أحسن حالاتها الـ 15%، أكثر من 90% منها خيوط ومواد نسيجية قطنية تصدر بموجب اتفاقيات ثنائية مع الدول المستوردة. وحتى هذه الصادرات النسيجية لن تكون بمأمن بعد تطبيق المبدأ الأهم في ((WTO) والمتمثل في إلغاء أي ميزة يمكن أن تمنحها الدول المستوردة لبعض البلدان وهو ما سينعكس مباشرة على منتجاتنا النسيجية التي ستخرج من باب الرعاية المؤمنة لتدخل في مجال التنافس مع مثيلاتها في جميع أنحاء ا لعالم وخصوصاً من دول معروفة في إنتاجها الجيد والرخيص كدول جنوب شرق أسيا، مما يعكس أكثر من إشارة تخوف على انخفاض حصتنا من السوق العالمية النسيجية.
2 ـ «تحرير التجارة سيؤدي إلى إحداث أثار تنافسية هامة تدفع المنتجين إلى تحقيق أعلى مستوى للإنتاج بأقل قدر من التكلفة»:
صناعات إنتاجية هشة
الغريب بالموضوع هو أن السياسة الاقتصادية ظلت على مدى عقود طويلة تدافع عن الحماية الوطنية وصناعات إحلال الواردات. وما توجهات ارتفاع الرسوم وتعدد أسعار الصرف والاحتفاظ بالقطع الأجنبي، سوى دليل واضح على ذلك، وهو ما ولد في البلاد صناعات إنتاجية هشة معظمها استهلاكي يعتمد مبدأ الربح السريع والاستثمار المضمون، احتكرت السوق لتضمن تسويق منتجاتها ولو على حساب الجودة المنخفضة والأسعار الوهمية. وإذا كان هذا التبرير صحيحاً، فلماذا لم تتغير الأحوال بعد تطبيق اتفاقيات التحرير مع دول مشابهة لاقتصاديتنا، كاتفاقية منطقة التجارة الحرة مع لبنان ومع الإمارات والسعودية والأردن والعراق. ولما ظلت الأمور على ما هي عليه حتى اليوم. فكيف ستكون الأحوال مع الانفتاح على دول متقدمة اقتصادياً تتمتع منتجاتها بجودة عالية وأسعار تنافسية، وكيف سيكون الصدام بين هذه المنتجات وبين منتجاتنا المحلية المستهلكة خصوصاً أمام التعطش المزمن الذي تشهده أسواقنا الاستهلاكية.ا
3 ـ «عدم الانضمام غير واقعي طالما سورية منضمة لمنطقة التجارة العربية ولاتفاقيات ثنائية، كما أن هذا الانضمام سيساعدها أكثر على تطبيق هذه الاتفاقيات»:
اختلاف في الجوهر والشكل
من المعروف أن أسباب إقامة وإنشاء منطقة التجارة العربية تختلف جوهراً وشكلاً عن أسباب إقامة منظمة التجارة العالمية (WTO)، إذ أن منطقة التجارة العربية تحتوي على دول عربية ذات نمط اقتصادي متشابه أغلبها في مراحل نموها الأولى، تسعى من خلال إقامتها إلى تقوية صناعاتها المحلية من خلال تخصص كل بلد في صناعات معينة تكتسب مزايا إضافية في إنتاجها عن بقية البلدان، مما ينعكس بالفائدة على كامل بلدان المنطقة سواء كانوا
المنتجين الذين ستفتح أمامهم الأسواق العربية الواسعة أم المستهلكين الذين سيتمتعون بجودة المنتجات المتخصصة، كما أن المنطقة قبل كل ذلك نقطة بداية نحو الحلم العربي في تحقيق الوحدة العربية الاقتصادية والسياسية، فأين منظمة التجارة العالمية من كل ذلك؟!..
4 ـ «ثبت نجاح هذه التجربة على مستوى الاقتصاد ككل في الكثير من البلدان النامية».
أين النجاح؟؟
إذا افترضنا صحة هذا الكلام من ناحية الأرقام والإحصاءات الاقتصادية فمن المستحيل أن نهمل لنتائجه الاجتماعية والإنسانية والتي هي قبل كل شيء محور أي عملية تنموية ومحور أي تقدم اقتصادي مرجو. فتحرير التجارة سيؤدي كما أوضحنا إلى منافسة مدمرة لقطاعات الإنتاج المحلي الصناعية والزراعية والخدمية، ستكون نتيجتها جيشاً جديداً من البطالة التي لا تنعكس في أرقامها الآنية فقط بل في خسارة الاقتصاد الوطني لقوة العمل الإنساني الشابة المتعلمة والتي بذلت الدولة موارد ضخمة لتأهيلها وتعليمها، مما يخفض من إنتاجية التعليم إن لم يجعلها مساوية للصفر. كما أن التحرير سيؤدي مباشرة إلى تردي إشباع الحاجات الأساسية التي كانت تدعمها الدولة كالقمح والسكر والقطن... إلخ والتي سترتفع أسعارها مباشرة بعد التخلي عن دعمها والذي هو أحد أهم شروط الانضمام لـ (WTO).
التوقيت.. والتساؤل المشروع؟!!
بعد كل ما ذكر من مبررات لوزارة الاقتصاد يبقى التساؤل الأساسي في اختيار هذا الوقت بالذات للانضمام. فمن المعروف أن تأخرنا عن الانضمام والولوج بالاتفاقيات الاقتصادية كان له جانب إيجابي وحيد يتمثل في معرفة المتغيرات الجديدة للاتفاقيات والأخذ بعين الاعتبار تجربة بقية الدول فيها، أما اليوم وأمام الأحداث العالمية السياسية والاقتصادية الجديدة فكان من المفترض والطبيعي الانتظار حتى معرفة معالم الحقبة الجديدة، خصوصاً أن كلمة الدخول بالمنظمة تعني الالتزام الدائم بجميع الاتفاقيات الموقعة والتعرض للعقوبات المعروفة في حال مخالفتها، وكم كان من ضرورياً إجراء دراسات أعم وأشمل للرسوم الجمركية مع جميع البلدان، وكم كان أفضل لو تمت مناقشة جميع بنود الاتفاقية للاستفادة من ثغراتها كالمبدأ الذي يسمح بالدخول في WTO ضمن تكتل اقتصادي له مبادئه ورسومه المعروفة وهو ما كان سيتيح للدول العربية أكبر الفرص في الدخول بالعالم التجاري كمنطقة واحدة ذات سوق واسعة تستطيع أن تفرض شروطها الاقتصادية والسياسية.