كي لا تصبح «الشيخ نجار» مستنقع فساد جديد يجب مناقشة المعوقات الصغيرة والكبيرة قبل فوات الأوان

أن نطلق حكماً صورياً قطعياً على مدينة الشيخ نجار الصناعية قبل عام 2010 على الأقل يعني أننا نتعامل مع هذه التجربة بمنظار السلفية الاقتصادية، والأحكام المعلبة، ولكن أن نناقش المعوقات الصغيرة والكبيرة التي ما زالت تعترضها حتى الآن والجهات المسؤولة عنها، وكيفية التعامل معها فهذا يصب في صالح هذه المدينة وتطويرها قولاً واحداً، جهات عدة تشترك في عرقلة إتمام المدينة، منها من هو متمسك بقراراته، ومنها من يستخدم أسلوب التطنيش، ومنها من لم يتنازل عن مسؤولياته لإدارة المدينة، والنتيجة أن المشاكل باتت تطوق مشروع المدينة الصناعية، وانقسمت تلك المشاكل إلى مشاكل داخلية ضمن المدينة الصناعية، وأخرى خارجية مع الحكومة والصناعيين.

خمسة إجراءات أساسية وجوهرية يقع انجازها على عاتق المدينة الصناعية في الشيخ نجار بالتضامن والتكافل مع الجهات الحكومية الأخرى هي التي ستحدد في النهاية مدى قدرة هذا المشروع على الصمود والاستمرار وتقليص المشاكل وتجاوزها، وهذا التضامن والتكافل لابد وان ينطلق من إدراك الجميع لأهمية مثل هذه المدن الصناعية وللدور الذي ستلعبه لاحقاً في الاقتصاد وتحديداً في الصناعة، أي بمعنى أن الجهات المشتركة والمتقاطعة في تلك المشاكل عليها أن تكون مقتنعة بضرورة تنظيم الصناعة ودفعها خطوة للأمام، وإلا فالتداخلات والتشابكات في الصلاحيات والقرارات سوف تتكرر مرة وستتحول المدينة الصناعية إلى مستنقع بيروقراطي جديد وستعرض الآن أهم المشكلات التي ما زالت تواجه مدينة الشيخ نجار الصناعية وكيفية تجاوز هذه المشكلات.

الطرق الدولية غير المنجزة

لقد خطط لشريان اتصال المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب بالطرق الدولية والإقليمية من خلال طريق اتصال رئيسية تم إقرار وجودها من حيث المبدأ، وكلفت وزارة المواصلات بانجازها على نفقتها من الاعتمادات المرصودة لها في الموازنة العامة باعتبارها خارج حدود المدينة الصناعية، وبرغم انقضاء 5 سنوات على البدء بالعمل أي منذ عام 2001 فإنه حتى الآن لم يتم انجاز أي من هذه الطرق وهو أمر مستهجن جداً ولا سيما أن الطرق الحالية المؤدية على المدينة لا تتناسب مع ضخامة هذا المشروع العام وغالبا ما وجهت انتقادات لاذعة بسبب هذا التقصير، وبصورة خاصة عند وصول وفود استثمارية عربية أو أجنبية واصطدام هذه الوفود بالواقع الطرقي الحالي المؤدي للمدينة الصناعية وهذا الوضع يستوجب التأكيد على وزارة المواصلات للاهتمام بهذا الموضوع ووضع جدول زمني لانجاز طرق المواصلات الرئيسية ضمن أقصر مدة ممكنة.

الاستملاك: نزاع بين الإسكان ومجلس المدينة

قامت الدولة بتكليف المؤسسة العامة للإسكان مؤخراً باستلام الأراضي المخصصة للسكن ضمن حدود مدينة الشيخ نجار من أجل دراستها وممارسة اختصاصاتها عليها وباعتبار أن هذه الأراضي التي تبلغ مساحتها حوالي 849 هكتار غير مستملكة حتى تاريخه فقد لحظت ضمن المخطط التنظيمي للمدينة الصناعية لتلبية الوظائف السكنية والاجتماعية لسكان هذه المدينة الذين سيبلغ عددهم حوالي 250 ألف نسمة ومن ضمنه ما سوف توفره المدينة الصناعية من فرص عمل بحدود 131442 فرصة عمل وحيث أن لدى المؤسسة العامة للإسكان من الهموم والأعباء والمطالب على مستوى البلاد ما يمكن أن يتعارض تلبيته مع تنفيذ وظائف ومتطلبات المدينة الصناعية فمن الأفضل أن يترك البت بأمر استملاك أراضي السكن وتنظيمها وتوزيعها لمجالس المدن الصناعية دون غيرها وذلك كي تؤمن الاستقرار الاجتماعي المطلوب للطاقة البشرية الواجب توطينها ضمن المدينة الصناعية.

تكاليف البنية التحتية

ينبغي إعادة النظر في تحديد تكاليف الأعمال اللازمة للبنية الأساسية في المدينة الصناعية الداخلة في حساب المتر المربع للمقاسم الصناعية، وبخاصة فيما يتعلق منها بتكاليف أعمال الطرق الرئيسية المحلقة والتي تخترق المدينة الصناعية أو تحيط بها لأنها تعتبر من ضمن شبكة الطرق الدولية والمحلية في القطر ولأن واجب تأمين هذه الطرق يقع أصلا على حساب موازنة وزارة المواصلات، ولا تقع على عاتق المدن الصناعية، وكذلك إعادة النظر بالتكاليف المتعلقة بتزويد المستثمرين بالكهرباء والمياه الصناعية والبشرية والهاتف التي تقوم بتشييد إنشاءاتها وتوفير تجهيزاتها المؤسسات والشركات العامة ذات الطابع الاقتصادي، وهذه التكاليف تشكل ضمن الدراسة المتعلقة بتحديد السعر الأولي ما يعادل 238 ليرة لكل متر مربع وتعتبر تكاليف التزويد بهذه الشبكة من اختصاص الجهات العامة المعنية، وهي جزء من توسعاتها المطلوبة منها بشكل منطقي لأن فواتير جباية قيم هذه الخدمات سوف تستوفى من الصناعيين بأسعارها العامة السارية في محافظة حلب وليس ثمة أسعار خاصة في المدينة الصناعية تراعي تنزيل مخصصات التشييد وتكاليف الشبكات وقيم تجهيزاتها من قيمة الفواتير كما توجب الأصول.

لابد هنا من الإشارة إلى قيام المسؤولين عن المدينة الصناعية بحلب بأكثر ن محاولة من أجل تخفيض من تكاليف التزويد بالخدمات المذكورة من مجموع تكاليف المدينة الصناعية وتحميل هذه التكاليف على المؤسسات والشركات التي تقدمها، وقد تمت مناقشة هذا الموضوع بصورة مفصلة في اجتماع لجنة الانجاز المركزية للمدينة الصناعية المعقود بتاريخ 12/10/2001 وتجاوبت وزارة الكهرباء مع جزء من هذه المطالب، حيث ذكر وزير الكهرباء أنه يقع على عاتق وزارة الكهرباء تنفيذ الأعمال خارج المدن الصناعية أما الصناعيين فسيساهمون في تكاليف محطات التحويل والمواد داخل مقاسمهم، وسوف تحذف هذه التكاليف داخل المدن الصناعية أثناء حساب رسم المساهمة بالشبكة وما سوف يدفعه المشترك هو كلفة التجهيزات الخاصة به داخل منشأته فقط مع رسم الاشتراك.

عدم الإعلان عن المقاسم قبل استكمالها

عدم الإعلان عن المقاسم إلا بعد استكمال البنية التحتية الأساسية لها وبخاصة الكهرباء والماء والهاتف والصرف الصحي ومحطات المعالجة، وبهذا المجال يجب أن يتم إيقاف الترخيص المحلي وبخاصة للصناعات صديقة البيئة المشمولة بأحكام قانون الاستثمار خارج المدينة الصناعية مادامت الخدمات الصناعية في المدينة لم تكتمل بعد وإذا كان المبرر من هذا المنع هو حماية المدينة السكنية من التلوث أو الضجيج فإن على وحدات الإدارة المحلية وضع شروط وأنظمة توجب على هذه الصناعات الالتزام بما يضمن حماية البيئة وعدم تلوثها ضمن قيود مساءلة دقيقة، أما بالنسبة للصناعات المضرة بالبيئة فيجب عدم الترخيص لها إلا في المدينة الصناعية حصراً، وبالتالي فإنه يتوجب على إدارة المدينة الصناعية انجاز جميع الأعمال ضمن الدراسات التنظيمية للمدن قبل البدء بتسويقها.

مشكلة الصناعات المخالفة

يجب أن تقوم الوحدات الإدارية بجرد حقيقي للمعامل والورشات الملوثة للبيئة والمنتشرة بصورة سرطانية في حلب وريفها حيث تتوفر فيه جميع ضوابط الابتعاد عن تدخل الفساد الإداري وإنذار أصحابها بضرورة الانتقال إلى المدينة الصناعية بالتنسيق مع إدارات تلك المدن والتأكيد في الإنذارات الموجهة على المدة الزمنية الكافية لهذا الانتقال، وعدم قبول أي تمديد لمدة الإنذار من أي سلطة أو جهة عامة لأن أحد الأسباب الموجبة لإحداث المدن الصناعية كان احتواء هذه الصناعات ضمنها، وذلك كله ضمن برنامج زمني واضح ومعقول، هذا مع العلم أن الصناعات المنشأة خارج المدينة الصناعية كانت قد تعهدت بالانتقال للمدن الصناعية عند إكمالها، في حين أن الصناعات غير المرخصة فليس لها أي حق بالاستمرار مما يستوجب إغلاقها فوراً.

معوقات للاستثمار في "الشيخ نجار"

يعتقد الدكتور أحمد الأشرم المشرف على تنفيذ المدينة الصناعية في حلب بأن المدن الصناعية في سورية بما فيها الشيخ نجار قد أقيمت بدون دراسة لجدواها الاقتصادية ودون تحديد المنافع الاقتصادية والاجتماعية بدقة لها وعلى هذا الكلام يرد الدكتور ظافر المحبك رئيس جمعية العلوم الاقتصادية بحلب بالقول " من حقي كرئيس لجمعية العلوم الاقتصادية أن أقول بأن إقامة مدينة صناعية دون دراسة جدوى اقتصادية لها هي جريمة لا تغتفر" ويتابع المحبك: من حقي أن أتساءل أيضاً فيما إذا كانت الحكومة تريد أن تدعم الصناعة من خلال هذه المدينة وخاصة أن العديد من دول العالم بات يدعم صناعاته، وهل هذه هي غاية من الغايات التي أقيم هذا المشروع من أجلها؟ فحتى الآن لم يوضح أحد ما هو الهدف من إقامة هذه المدينة؟ وإلى أين نريد أن نصل بها؟ أنا أقول أنه يجب أن يكون هناك هدف عام للمنطقة هو تقليل التكاليف على الصناعي على أدنى درجة ممكنة دعما للصناعة.

سواء وجدت دراسة جدوى اقتصادية أم لم توجد فإن هذه المدينة قد أقيمت وانتهى أمرها إلى التنفيذ العملي لها والآن فإنها تعاني من مجموعة من المشاكل ومعوقات الاستثمار التي تلت إقامتها وهذه المشاكل والمعوقات يفندها أحمد الرشيد المستشار في غرفة صناعة حلب بقوله يواجه المستثمرون الذين تخصصوا في مقاسم صناعية بالمدينة الصناعية الشيخ نجار العديد من المعوقات والتي هي:

‌أ- تأخر تنفيذ مشاريع البنية التحتية ( طرق فرعية – كهرباء – شبكات – مياه – صرف صحي ) عن البرامج الزمنية المقررة الأمر الذي حال دون اكتمال الخدمات الضرورية للمنشآت الصناعية القائمة و قيد الإنشاء مما أدى إلى :

(1) صعوبة وصول العاملين في المنشآت لعملهم و خاصة في حال هطول الأمطار.

(2) عدم تغذية بعض المنشآت بالتيار الكهربائي مما اضطر المستثمرين إلى تغذيتها بواسطة المولدات الكهربائية الخاصة .

(3) عدم إنجاز مشروع الإنارة العامة في معظم طرق المدينة و خاصة الفرعية .

(4) عدم إنجاز مشروع تركيب المقاسم الهاتفية مما أدى إلى حرمانهم من الخدمات الهاتفية حتى أن الهواتف الجوالة خارج التغطية مما يضطر المستثمرين إلى قطع مسافة تزيد على الـ /50/ كم من المدينة الصناعية إلى مدينة حلب و بالعكس لإنجاز أي عمل .

‌ب- تأخر تنفيذ أعمال إنجاز المقاسم الصناعية عن البرامج الزمنية المقررة بدليل أن عدد المقاسم المخطط إنجازها في المرحلة الأولى و التي انتهت مدتها في نهاية عام 2005 / 1422/ مقسماً بينما بلغ عدد المقاسم المنفذة حتى تاريخ 18/4/2005 /635/ مقسم أي بنسبة تنفيذ 45% من الخطة علماً بأنه يوجد /2188/ صناعياً مكتتباً بانتظار انجاز المقاسم الصناعية .

‌ج- اعتبار سعر المتر المربع التقديري الأولي من المقاسم الصناعية في المدينة الصناعية الشيخ نجار و البالغ /985/ ليرة سورية الذي تم الاكتتاب و التخصيص بموجبه غير نهائي و قابلاً للزيادة تحت مبدأ ارتفاع الكلفة.

وعلى هذه المشكلة بالتحديد يقول ظافر محبك " إن عدم تحديد كلفة المتر المربع بشكل نهائي وواضح ستوقع المستثمر بحسابات خاطئة ومشاكل كثيرة وخاصة أن هناك مساحات كبيرة من المدينة ما زالت غير مخدمة وفي حال تخديمها ستحمل كلفتها على المستثمرين وخاصة أن المدينة ذات مساحة كبيرة جدا وأن عدد المستثمرين صغير مقارنة معها وبعد أربع سنوات وعند الانتهاء من إنشاء المدينة الصناعية ستتغير التكاليف فكيف سيتم توزيع تلك التكاليف على مستفيدين أوائل اكتتبوا بالمدينة منذ لحظة إنشائها سابقا"

‌د- إلزام كل صناعي في المدينة الصناعية الشيخ نجار بإنشاء محطة معالجة خاصة بمنشأته رغم فصل خط مياه الصرف الصحي عن خط مياه الصرف الصناعي . وجمع الصناعات المتماثلة في الإنتاج و التي تطرح ملوثات مشابهة في جزر مستقلة لكل صناعة. وعلى هذه النقطة يضيف عضو مجلس مدينة حلب أحمد مشماط قائلاً "أن يكون كل صناعي مسؤولاً عن محطة معالجة خاصة بمنشأته هي عبارة مرعبة جداً، نحن نعرف أن هناك حالة مأساوية في كل محطات المعالجة في منشآتنا وشركاتنا الصناعية، سواء كانت للقطاع الخاص أو للقطاع العام، وهذه المحطات مشكوك فيها بشكل دائم، وإذا كانت محطات المعالجة الحكومية سيئة للغاية فما بالك بمحطة معالجة ينشئها الصناعي ولا ندري من هو الضمير المسؤول عن مراقبة هذه المحطة"

‌هـ- إلزام القانون /49/ تاريخ 5/12/2004 الذي وضع موضع التنفيذ اعتباراً من تاريخ 5/3/2005 أصحاب المنشآت الصناعية القائمة في المناطق الصناعية بإنشاء محطات لمعالجة المياه الصناعية العادمة لكل معمل على حدة رغم أن معظم المنشآت من المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و يتعذر على أصحابها تركيب محطات معالجة نظراً لعدم توفر القدرة المالية لديهم من جهة من جهة ثانية .

‌و- عدم توفر الخبرات العلمية و الفنية المحلية المؤهلة لتصميم و تركيب محطات لمعالجة المياه الصناعية العادمة .

‌ز- النقص الكبير في عدد العاملين في مديرية البيئة بحلب حتى أنه لا يوجد لها ممثل في مكتب النافذة الواحدة .

ح- إلزام المستثمر في المدينة الصناعية بالحصول على رخصة بناء لكامل مساحة المقسم المخصص به رغم أن البعض اكتتب على مساحة تزيد عن حاجة منشأته في الوقت الحالي آخذاً بعين الاعتبار التوسع المستقبلي لمنشأته . مما يؤثر على توفر السيولة المالية لديه خاصة و أن معظم المستثمرين يعتمدون على التمويل الذاتي .

‌ط- ارتفاع رسوم نقابة المهندسين دون مبرر

‌ي- تأخر تنفيذ بناء المنشآت الصناعية في المدينة الصناعية نتيجة عدم تسليم الصناعيين مخصصاتهم من مادة الاسمنت الأسود .

‌ك- عدم وجود خط للنقل الداخلي يربط المدينة الصناعية بمدينة حلب.