ملاحظات أولية على برنامج الإصلاح الاقتصادي

■ نقطة الانطلاق هي مضاعفة الدخل الوطني خلال فترة زمنية قصيرة

■ نقطة الانطلاق هي مضاعفة الدخل الوطني خلال فترة زمنية قصيرة

■ عائدية الرأسمال متدنية بسبب الفاقد الكبير الناتج عن النهب.

■ نسبة النمو المقترحة 6 % غير كافية من جهة، وغير مبررة علمياً من جهة أخرى.

■ المطلوب مضاعفة الأجور والرواتب مرتين خلال فترة معقولة.

■ لاسياسة أجرية واضحة في البرنامج.

■ لاسياسة أجرية دون ردم الهوة بين الأجور والأسعار، وربطها ببعض، وتمويل الزيادات على حساب الأرباح ثم على نسب النمو اللاحقة.

■ وسطي الأجر اليوم 7500 ل.س بينما المطلوب 20000 ل.س.

■ الحد الأدنى للأجر أقل من 4000 ل.س بينما المطلوب 12000 ل.س.

صدرت المسودة النهائية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وهي تغطي مسائل كثيرة، من تحديدها لميادين الإصلاح، إلى محاولة معالجتها لإشكالية توزيع الدخل الوطني، إلى تحديد اتجاهات الإصلاح الضريبي والإصلاح النقدي والمصرفي. كما أنها تعالج مسائل قوة العمل، من البطالة والتشغيل والتدريب والتأهيل وأمور أخرى مثل البحث العلمي والبيئة والعلاقات الاقتصادية الدولية. إن دراسة أولية لهذه المسودة النهائية تجعلنا نتوقف عند مسألتين أساسيتين، هما: موضوع النمو، ومستوى الرواتب والأجور قياساً بمستوى المعيشة.

حول نسب النمو:

تقترح المسودة النهائية نسبة نمو سنوية للدخل الوطني 6 %، وإذا كانت هذه النسبة قياساً لنسب النمو المحقق سابقاً تعتبر نسبة طموحة، فإن المسودة لاتوضح على أي أساس بنيت هذه النسبة. فإذا كان بناؤها يستند على إسقاط نسب النمو السابقة على المستقبل، فهذا يعني أن ميل واضعي البرنامج كان ببساطة محاولة مضاعفة نسب النمو المحققة، إلا أن هذه النسبة غير مؤسسة على رؤية واضحة للضرورات التي يفترضها نمو الدخل الوطني خلال فترة زمنية طويلة، فإن نسبة الـ6% نمو سنوي تعني أن الهدف هو مضاعفة الدخل الوطني مرة واحدة خلال 12 سنة، فهل يمكن انتظار هذه الفترة الزمنية لتحقيق الأهداف المرجوة من وراء مضاعفة الدخل  الوطني في الظروف الملموسة التي تعيشها بلادنا؟! من الواضح أن مضاعفة الدخل الوطني هو هدف مشروع وضروري، ولكن ضمن فترة زمنية كهذه يفقد أهميته وضرورته، والأرجح أن واضعي البرنامج كان يجب أن ينطلقوا بالعكس أي من تحديد الإطار الزمني الضروري لمضاعفة الدخل الوطني، وصولاًً إلى تحديد وتائر نموه السنوي. وإذا وضعنا الأمر كذلك، فإن الفترة الزمنية المطلوبة والضرورية لمضاعفة الدخل الوطني قد لا تكون أكثر من (6 ـ 7) سنوات، مما يتطلب معالجة مسألة النمو السنوي على هذا الأساس، والتي ستتطلب حينذاك تحقيق نسبة نمو 10 % سنوياً كحد أدنى.

تحديد معدلات التراكم:

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فمن المعروف أن أي نسبة نمو تتطلب تحديد معدلات التراكم في الدخل الوطني، أي تحديد حجم الاستثمار المقتطع من الدخل الوطني لتأمين النمو اللاحق. وتبين التجربة والأرقام أن نسب التراكم السابقة خلال السنين العشر الماضية كانت أقل من 15 %، وقد حققت هذه النسبة نمواً يتراوح بين (0 و 3 %). وإذا استندنا إلى هذه الأرقام فهذا يعني أن  نمو 6 % للدخل الوطني يتطلب لاأقل من 30 % تراكماً مقتطعاً من الدخل الوطني لتوسيع الاستثمار وهذا ما لم تلحظه ولم تعالجه مسودة البرنامج.

عائدية الرأسمال:

ومن الواضح أنه في ظل عائدية الرأسمال في ظروفنا الحالية، والتي تعتبر  لأسباب عديدة متدنية، ولايمكن الوصول إلى نسبة نمو 6 % ضمن معدلات التراكم السابق، وإذا افترضنا أن 6 % غير كافية فزيادتها تتطلب رفع نسب التراكم التي تصبح مستحيلة من وجهة النظر الاقتصادية البحتة في ظروفنا الملموسة أكثر من (30 / 40 %)، لذلك فإن الحل الوحيد لرفع نسب النمو والتراكم، هو رفع مستوى أداء الاقتصاد الوطني لرفع نسب النمو والتراكم. وإذا افترضنا، حسب التقديرات الأولية، أن عائدية الرأسمال في ظروفنا تدور حول (20 %)، فإن رفعها يصبح ضرورة ملحة لتأمين نمو المؤشرات الأخرى، وهذا مالايمكن أن يتحقق في ظل الفاقد الكبير الذي ينزف من اقتصادنا الوطني، سواء كان بسبب الفاقد الضريبي أو الجمركي، أو بسبب النهب الكبير بكل بساطة.

هل النسب المقترحة جدية؟

إن عدم تطرق مسودة البرنامج لموضوع حجم التراكم المطلوب لتأمين نسب النمو المفترضة، يضع بإطار الشك، حتى نسبة النمو المقترحة التي يتطلب الوضع زيادتها لحل المشاكل الكبرى المنتصبة أمامنا في ظل فترة زمنية هي لاقصيرة المدى ولاطويلة المدى، فلنقل متوسطة المدى، أي (6 ـ 7) سنوات.

إن نسبة النمو غير المؤسسة بشكل جدي، والتي تعد العمود الفقري لأي برنامج اقتصادي، يمكن أن تنسف كل البرنامج إذا لم تبرر علمياً، وإذا لم يؤمن لها الموارد الضرورية. وفي كل الأحوال فإن إعلان الرقم والالتزام به خطوة هو هامة لتقييم أداء الاقتصاد الوطني لاحقاً، ولمحاسبة المسؤولين عنه. أي أن هذه النسبة، رغم الاعتراضات التي يمكن أن تثار عليها، يجب أن يصبح تحقيقها أو عدم تحقيقها مؤشراً أساسياً لتقييم أداء أية حكومة بعد الإعلان عن الالتزام بهذا الرقم.

الرواتب والأجور والأسعار:

إن معالجة موضوع الأجور والرواتب من زاوية احتمالات النمو اللاحقة والمفترضة في برنامج الإصلاح، يمكن أن يعني أن هناك نية لمضاعفة الأجور الفعلية الحالية خلال السنين العشر القادمة، بينما تؤكد الدراسات والإحصاءات أن الفجوة بين الرواتب والأجور وبين مستوى المعيشة تتطلب مضاعفة الرواتب والجور مرتين، فإذا كانت المضاعفة الأولى ستتطلب عشر سنين، فكم ستتطلب المضاعفة الثانية؟!.. من هذه الزاوية نعتقد أن هذا الطموح لايلبي الضرورة لمعالجة سريعة وواقعية لمشكلة الأجور والرواتب.

ماهو إطار السياسة الأجرية؟

المشكلة أن البرنامج المذكور لايضع سياسة متكاملة لهذه المعالجة، وإن كان يقدم الاقتراحات لتعديلها. فهذا البرنامج مثلاً لايلحظ أصلاً الفارق الحقيقي بين وسطي الأجور ومستوى المعيشة الوسطي المطلوب. فكيف له أن يعالجها؟... والمشكلة أن عدم تحديد نقطة الانطلاق هذه أبعد واضعي البرنامج عن نقطتين أساسيتين في أية معالجة لهذا الموضوع، وهما:

 ■ الربط الدوري بين لأجور والأسعار.

 ■  تحديد مصادر الزيادات وطريقة تمويلها.

إن أي سياسة لمعالجة مشكلة الرواتب والأجور إذا لم تستند إلى النقاط الثلاث المذكورة أعلاه: (ردم الهوة بين الأجور والأسعار. ربطها ببعضها دورياً. وطريقة تمويلها)، لايمكن أن تعتبر جدية.

وبكل الأحوال، تبقى قضية طريقة تمويل الزيادات هي القضية الأهم اليوم في تحديد كيفية توزيع الدخل الوطني، فترشيد هذا التوزيع لايمكن أن يمر عبر تمويل الزيادات والأجور من ارتفاعات الأسعار كما حصل حتى الآن. إن المصدر الحقيقي الوحيد هو:

مصادر تمويل الزيادات:

أولاً: إعادة التوازن بين الأجور والأرباح.

ثانياً: رفع عائدية الرأسمال، لرفع حجم القيمة المنتجة مجدداً في مجمل الاقتصاد الوطني، وهذا أصلاً لايمكن أن يتم دون سياسة أجرية عادلة، والتي دونها سيظل العاملون، وخاصة في قطاع الدولة (كما يقال) يتظاهرون بأنهم يعملون، وستظل الدولة تتظاهر بأنها تقدم لهم أجراً. ومن نافل القول التأكيد أن الأجر المجزي والعادل سيضع الأساس للمحاسبة الجدية انطلاقاً من نتائج العمل نفسه، كما أنه سيجبر الإدارات على عقلنة إدارتها، إلى جانب أن رفع مستوى الأجور الحقيقي على حساب الأرباح غير المشغلة، سيؤدي إلى تنشيط كل الدورة الاقتصادية.

كرامة المواطن تعزز كرامة الوطن

تقول الأرقام اليوم، كما جاء في مسودة البرنامج أن 67 % من العاملين في الدولة لاتزيد رواتبهم عن (7500) ليرة، وإذا كان الحد الأدنى للأجر يجب أن يكون بحدود (12000) ليرة شهرياً آخذين بعين الاعتبار أن وسطي أفراد الأسرة في بلادنا أكثر من خمسة أشخاص، وأن المعيل يعيل أكثر من أربعة أشخاص فإن البحث عن وسطي  الأجر العادل، انطلاقاً من هذه النقطة، يفترض بنا أن نقول بأنه يجب أن لايقل عن (20000) ليرة سورية.

لذلك من الواضح أن البون شاسع بين واقع الأجور الحالي وبين ضرورات المعيشة. وهذه القضية لايمكن أن ينتظر حلها عشر سنوات، بل تتطلب حلاً سريعاً تدريجياً، مما يتطلب إجراءات استثنائية، لأن الأجر العادل هو جزء لايتجزأ من كرامة المواطن التي على أساسها تتصلب كرامة الوطن.

■  د. قدري جميل

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.