لماذا بقيت قوة عمل السوريين..(رخيصة)؟!

تعرض القوى العاملة في سورية، قوة عملها للبيع، لتشتريها رؤوس الأموال المستثمرة في الاقتصاد السوري.. وهذا واقع الحال في الإنتاج الرأسمالي عالمياً، حيث يبيع أصحاب الأجر قوة عملهم لأصحاب الأرباح.

 

 

وبضاعة قوة العمل السورية، ثمنها أي أجورها، منخفضة بشكل استثنائي حتى قبل الأزمة، والأسباب عديدة. أهمها البطالة، الناجمة عن أن عرض قوة العمل في السوق أكبر من الطلب عليها، ونوعها إن صح التعبير، متوسط الجودة، وبالتالي قليل الثمن، فأكثر من نصفها من حملة الشهادة الابتدائية وما دون، أما لماذا هي هكذا؟! فالجواب يكمن في الأساس الاقتصادي لتوزيع الثروة السوري، القائم على إعطاء حصة 25% فقط من الناتج أجوراً لأكثر من 90% من السوريين، وهذا لا يكفي ليقوموا بتعليم أبنائهم وتأهيلهم بما يكفي.

أما لماذا لم يتوسع الطلب على القوة العاملة، فلأن أصحاب الربح ممن يحصلون على 75% الباقية من الناتج لم يجدوا جدوى عالية من استثمار أموالهم في سورية، فالاستثمار لم يكن يتوسع في سورية، ويتيح فرص عمل جديدة، وكانت النتيجة تخلف منظومة الإنتاج السورية، حيث كانت النسبة الوسطية لتوسعها 11% سنوياً، تدل على أنها تعوض ما استهلكته من رأس مال فقط، وأنها كانت تستثمر بشكل متخلف اقتصادياً وضعيف العائدية، فلا تحقق إلا 22 ليرة ناتجاً إضافياً من كل 100 ليرة استثمار!

فالربح في سورية كان قائماً على نهب المال العام، وعلى احتكار القلة وتوزيع حصص السوق، وعلى الاستغلال العالي لأصحاب الأجر، وتحديداً عبر توسيع سوق العمل غير النظامية، المتحررة من كل التزام أو قيد أو شرط، تجاه أصحاب الأجور، أو المال العام.. 

ولذلك حين دفع أصحاب الأرباح لتبني الليبرالية الاقتصادية كسياسة شعارها (الحرية الاقتصادية)، كانوا حريصين على ألا تترافق مع حرية سياسية للعمال في الدفاع عن حقوقهم، بل زادوا من حقوق أصحاب رؤوس الأموال، عبر قوانين العمل المنحازة لمصلحتهم.

هذا واقع الحال قبل الأزمة، أما كيف هو اليوم، فنستطيع القول، أن التغيرات طالت بنية القوى العاملة التي ازداد عدد الأطفال فيها، ونسبة الإناث، وقل عدد الشباب الذكور بالمطلق، وخسرت الجزء الأهم من كفاءاتها، وانتقلت للعمل في القطاعات التي تفرضها سوق رأس المال في الحرب، أي أنُّ جزءاً هاماً منها غير شرعي، يقدره البعض بنسبة 17%، بينما أجر السوريين في الساعة أصبح من أقل الأجور العالمية..

وعليه فإن القوى العاملة السورية أي الغالبية العظمى من السوريين تحتاج إلى إغاثة هائلة، ولكن ليس من نوع (الإحسان الأممي)، بل من نوع محدد: إتاحة الفرصة لها للنهوض مجدداً وترميم تشوهات الحرب الكثيرة التي طالتها. وهذه الفرصة تتطلب حلاً سياسياً، والنهوض كذلك الأمر، غير ممكن دون نشاط سياسي عالٍ للقوى العاملة السورية، لانتزاع الحقوق انتزاعاً من (سوق الحرب).. وسنفصل لاحقاً في سياسات العمل، والأجور المطلوبة في المرحلة القادمة، فما بعد التفسير إلا التغيير.