5.3 مليون تحت خط الفقر 1.5 مليون على خط تماسه مناطق الذهب الأبيض والأسود هي الأكثر فقرا في سورية

بين عامي 2003-2004 لم يتمكن حوالي 2 مليون سوري من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية ومع استخدام خطوط الإنفاق (للفقر) الخاصة بالأسرة المعيشية ارتفع الفقر الإجمالي في سورية إلى 30% من إجمالي السكان ليشمل أكثر من 5.3 مليون شخص حسب آخر الأرقام الرسمية عن الفقر بموجب الدراسة التي أعدتها هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية.

التوزيع الإقليمي للفقر:

وباستخدام خط الفقر الأدنى (وهو 1459 ل.س للفرد شهرياً) نجد أن 38.8% من الفقراء يعيشون في المناطق الحضرية التي تضم نحو 50% من إجمالي السكان، بينما يعيش 58.1% من فقراء سورية في الإقليم الشمالي والشرقي والشمالي الشرقي (حلب، الرقة، الحسكة، دير الزور) والذي يضم نحو 44.8% من مجموع السكان رغم غنى هذا الإقليم بثرواته الطبيعية من نفط وغاز وزراعة. كما وصلت معدلات الفقر إلى أعلى درجاتها في المناطق الريفية للشمال الشرقي تلتها المناطق الحضرية في الشمال الشرقي (11.2%) بينما تقل في الإقليم الحضري الجنوبي الذي يضم (دمشق وريفها، درعا، السويداء، القنيطرة) إلى 5.8% حيث لا يتغير ترتيب المناطق عند تبني قياسات الفقر الأخرى (خط الفقر الأعلى، دولار في اليوم، دولاران في اليوم) مما يشير ليس فقط إلى ارتفاع نسبة الأسر المعيشية الفقيرة في المناطق الريفية للشمال الشرقي بالنسبة للسكان بل أيضاً إلى معدلات إنفاق أدنى بصورة ملحوظة عن خط الفقر، حيث تزداد قياسات الفقر بشكل عام في المناطق الريفية بكافة الأقاليم عنها في المناطق الحضرية بمقدار 1.55-1.96 في المناطق الريفية عنها في المناطق الحضرية إضافة إلى ازدياد نصيب الريف في الإقليم الشمالي باستخدام مقاييس التوزيع التي تتسم بالحساسية (P1-P2) الذي يعكس فجوة وعمق وشدة الفقر في هذه المناطق.

تباينات للفقر على مستوى المحافظات

وفي حين بدت التباينات الإقليمية واضحة على خريطة الفقر في سورية، ظهرت أيضاً تباينات في مستويات الفقر داخل بعض المحافظات في كل إقليم حيث وصلت معدلات الفقر إلى أعلى مستوياتها في محافظتين من الإقليم الشمالي (الحسكة، الرقة) إلا أن محافظة دير الزور تمتعت بأقل معدلات الفقر (-3.4%) وهو ما يقل حتى عن دمشق. أما محافظة حلب فكانت الأفقر خاصة في الريف حيث وصل الفقر إلى أكثر من ضعف المتوسط الريفي على المستوى القومي وإلى ثلاثة أضعاف مستويات الفقر في المناطق الحضرية، في حين ارتفعت نسبة الفقراء وفق الخط الأدنى (أي الذين لا يحصلون على المواد الغذائية) في محافظة الحسكة من 9% عام 1997 إلى 10.9% عام 2004 (وهو ما يساهم في فهم الكثير من التطورات السياسية والأمنية في هذه المحافظة حيث أن جزءاً من الخلفيات الكامنة وراء الأحداث الأمنية في القامشلي يعود في بعض منه إلى تلك الأرقام المتعلقة بالفقر وفقراء المنطقة حسب بعض المراقبين.) أما في الرقة فقد ارتفع عدد الفقراء من 16.28% إلى 17.59% خلال المدة نفسها، في حين انخفض عدد الفقراء في طرطوس من 11.49% عام 1997 إلى 7% عام 2004 فيما ازداد بالمقابل عدد الفقراء وفق الخط الأدنى في محافظة اللاذقية من 9.34% إلى 11.55% عام 2004 وهو ما زاد من معدلات الفقر في المنطقة الريفية الساحلية بصورة غير معنوية.

وتشير الدراسة أيضاً إلى أن معدلات الفقر تراجعت عموماً بين الأعوام 1997-2004 (على الرغم من تراجع معدل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي خلال نفس المدة إلى -0.2) حيث يلعب توزيع الدخل دوراً أساسياً في ارتفاع نسبة الفقراء مع أرتفاع قيمة معامل جيني الخاصة بتوزيع الدخل من 0.34 سنة 1997 إلى 0.37 في سنة 2004 مما يشير إلى تراجع في عدالة توزيع الدخل وعلى أن التحولات الاقتصادية الأخيرة لم تكن في صالح الفقراء حيث تظهر بيانات حصص الشرائح السكانية من الاتفاق العام للأسر إلى وجود تباينات كبيرة وحالة من عدم العدالة في توزيع الإنفاق بين أفراد المجتمع أدت إلى جعل نسبة كبيرة من السكان غير قادرين على الوصول إلى الموارد التي تكفل لهم مستوى معيشة لائق وسد احتياجاتهم الأساسية من السلع والخدمات حيث بلغت حصة أفقر 10% من السكان 3% فقط من مجموع الإنفاق، بينما بلغت حصة أغنى 10% من السكان 30% من مجموع الإنفاق «أي بلغت نسبة إنفاق أغنى 10% من السكان إلى أفقر 10% من السكان 99%.

ارتباطات الفقر... الفقر والتعليم

تفيد الدراسة أن التعليم كان من أكثر العوامل ارتباطاً بمظاهر الفقر في سورية حيث بلغت نسبة الفقراء الذي يعانون من الأمية 18%، كما ازدادت معدلات الفقر وحدته وعمقه بين صفوف الأميين. في حين ازدادت التباينات في نسبة الفقراء لناحية الحالة التعليمية حيث وصل الفقر في الحضر إلى 11.7% بين الأميين، بينما لم تتعد هذه النسبة 1.5% بين خريجي الجامعات، وتراوحت هذه النسب في المناطق الريفية بين 16.5% و5% حيث يكرس الفقر من مستوى الجهل مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفقر حيث وصلت نسبة الأفراد الأميين الذين يعيشون في أسر معيشية يعولها أمي إلى 52% من الفقراء مقابل 49% من غير الفقراء، كما يلاحظ تفاعل الفقر مع النوع الاجتماعي لينتج فجوات واسعة في القيد بالمدارس بين الفقراء مرجحاً أن تكون الفتيات الفقيرات خارج المدارس.

ارتباط الفقر والبطالة

يشير التقرير إلى انخفاض مشاركة الفقراء في سوق العمل مقارنة بغير الفقراء بشكل إجمالي حيث بلغت معدلات مشاركة العاملين 37.5% و39.5% للفقراء وغير الفقراء على التوالي في المناطق الحضرية، في حين لم تختلف النسب بين الفقراء وغير الفقراء في المناطق الريفية (44%) ويمكن إرجاع ذلك إلى عدم قدرة أفراد الأسرة المعيشية على المشاركة في الأنشطة المدرة للدخل حيث يشير تشابه معدلات المشاركة بين الفقراء والسكان النموذجيين إلى أن غياب فرص العمل في حد ذاته لا يؤدي إلى الفقر، ولكن المهم هو حجم الدخل الذي تدره تلك الأنشطة للفقراء، ويمكن تفسير ذلك بانخفاض مستوى الأجر المدفوع لوحدة العمل بالنسبة للفقراء أو للطبيعة الموسمية والمؤقتة للعمل أو كليهما، إضافة إلى أن الفقراء يعملون بالمتوسط عدداً أكبر من الساعات في الأسبوع في ظل أجور متواضعة لا تمثل سوى 80% من متوسط الأجر الذي يحصل عليه غير الفقراء، كما كان هناك علاقة ترابطية بين معدلات البطالة والفقر على المستوى القومي حيث ازدادت معدلات البطالة بين الفقراء في كل من الريف والحضر، حيث وصلت معدلات البطالة بالنسبة للفقراء إلى 12% في كل من الحضر والريف عام 2003-2004 في حين وصلت المعدلات بالنسبة لغير الفقراء إلى 7.4% في الحضر و9% في الريف، بينما ارتفعت معدلات الفقر إلى أعلاها بين العاطلين في الحضر وبين العاملين دون أجر في الريف. وبصفة خاصة بلغت نسبة الفقر بين صفوف العاطلين 1.5 أمثال نسبتها بين باقي سكان الحضر، وبالمقارنة كانت شريحة العاملين لحسابهم الذين يوظفون آخرين أقل فقراً في كل من الحضر والريف حيث وصلت نسبة الفقراء داخل هذه الشريحة إلى 3% فقط في الحضر وإلى 10% في الريف، أما على المستوى القومي فقد وصلت نسبة الفقراء بين العاملين بأجر إلى 10.7% مقارنة بـ 11.4% بالنسبة لإجمالي السكان.

أما من الزاوية الإقليمية فنجد أن أربع محافظات (حمص، دير الزور، إدلب، الحسكة) تضم 56% من إجمالي حجم البطالة في سورية، غير أن تلك المحافظات بمجموعها لا تشمل أعلى معدلات الفقر، والواقع أن معدلات الفقر في جميع المحافظات المذكورة تقل عن النمط المنتشر على المستوى الوطني (11.6%)، ومن جهة أخرى ارتفعت معدلات الفقر في محافظات أخرى مثل (الرقة والسويداء) بحيث تصل إلى 18% رغم أنها لا تضم سوى 5% فقط من إجمالي العاطلين عن العمل. وهو ما يشير إلى ضبابية العلاقة بين الفقر والبطالة على المستوى الإقليمي، فالمناطق التي تتميز بمعدلات لافتة من الفقر لا تتطابق بالضرورة مع الكثافة الإقليمية للبطالة في سورية.

توزيع الفقر وفقاً لقطاع التوظيف

تقول الدراسة إن القطاع الخاص كان مهيمناً على سوق العمل في الفترة من 2003-2004 في المناطق الريفية إلا أن العاملين بالقطاع الخاص عادة ما يكونون أكثر فقراً مقارنة بالعاملين في القطاع العام على المستوى القومي، أما على المستوى الإقليمي فيبدو أن العمل الحكومي يدر دخلاً أكبر مقارنة بالعمل في القطاع الخاص حيث سجلت معدلات الفقر أدنى مستوياتها بين موظفي الحكومة نتيجة تناقص مقداره نقطتين مئويتين في نصيب العاملين لدى الحكومة نتيجة تناقص أعداد موظفي الحكومة في المناطق الريفية على الرغم من التراجع الطفيف في أعداد العاملين بالحكومة أيضاً، وقد شهدت أعداد الفقراء في المنطقتين أعلى معدلات الانخفاض (بمقدار 3 و 7 نقاط مئوية في كل من الحضر والريف على التوالي).

وتسود الأنشطة الزراعية في المناطق الريفية (46.2%) في حين تمثل الخدمات والأنشطة التصنيعية والتجارية حوالي 71% من القوى العاملة في الحضر ومع ذلك تصل نسبة سكان الحضر العاملين في الأنشطة الزراعية إلى 4% وهي نسبة لا يمكن تجاهلها.

من ناحية أخرى ازداد تمثيل الفقراء على المستوى القومي في قطاعي الزراعة والتشييد وإلى حد ما في قطاع التصنيع حيث تصل نسبة الفقراء العاملين في الزراعة إلى 38.3% من عدد العاملين من الفقراء (مقارنة بـ 25.3% إلى إجمالي السكان) وقد وصلت نسبة الفقر إلى أعلاها -17% في قطاع الزراعة حيث يرتفع تمثيل كل من قطاع الزراعة والتشييد بين الفقراء في حين يزداد نصيب الأفراد العاملين في قطاع الخدمات الاجتماعية والمصارف داخل مجموعات غير الفقراء مقارنة بنسبتهم إلى إجمالي عدد السكان فيما ترتفع قياسات الفقر بالنسبة للأفراد العاملين في مجال البناء والتشييد.

الأطفال والفقر

يلاحظ التقرير أن هناك علاقة قوية بين الفقر والمستوى التعليمي للأطفال في سورية مع وجود فجوة واسعة في النوع الاجتماعي والقطاع حيث بلغت نسبة الأمية بين الفتيات الريفيات إلى ضعف نسبتها بين الذكور (3.91% مقارنة بـ 1.32%) سواء كانوا فقراء أو غير فقراء، ويمكن عزو النسب العالية للأمية بين الفتيات في المناطق الريفية إلى السلوكيات الثقافية وعدم توافر المدارس في المنطقة. أما في المناطق الحضرية فقد انخفضت نسبة الأمية بين الذكور بمقدار 20% مقارنة بالإناث داخل كل مجموعة من مجموعات الفقر، في حين وصلت نسبة أمية الذكور الفقراء في الحضر إلى ضعف نسبتها بين غير الفقراء.

من جهة أخرى كانت الفجوة بين الفقراء وغير الفقراء أكبر من فجوة النوع الاجتماعي بين الأطفال في المناطق الحضرية حيث وصلت نسبة الذكور الأميين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-15 عاماً إلى 1.97% من إجمالي الفقراء، ووصلت نسبة الفتيات إلى 2.54% بينما بلغت النسب المقابلة بالنسبة لغير الفقراء نصف هذه المعدلات.

ويشير التقرير إلى تفاعل الفقر لينتج فجوة كبيرة في الالتحاق بالمدارس بين الفقراء، وبدت العلاقة وثيقة بين مستوى فقر الأسرة المعيشية ونسبة الأطفال العاملين في الأسرة حيث ازدادت نسب الأطفال العاملين في المناطق الريفية مقارنة بالحضر خاصة داخل الشريحة العمرية من (15-17 عام) إضافة إلى ارتفاع معدلات عمالة الأطفال بين الذكور في الأسر الحضرية الفقيرة (9.6% بين الصبية الفقراء الذين تتراوح أعمارهم بين 6-14) بالمقارنة مع الأطفال الفقراء في المناطق الحضرية، كما تصل نسبة الأطفال في المناطق الريفية حيث الأسر المعيشية الفقيرة تعتمد بصورة جزئية على الدخل الذي يدره الأطفال من ناحية بالاضافة إلى عجز الأسرة الفقيرة عن تغطية مصاريف التعليم من ناحية أخرى.

ومن جهة أخرى وصل الفارق بين الأسر الفقيرة وغير الفقيرة من حيث نسبة الأطفال غير المقيدين بالمدارس في كل من الحضر والريف إلى أكثر من نقطتين مئويتين حيث تزداد احتمالات العمل بين الأطفال والشباب في الأسر الفقيرة ووصل نسبة الأطفال الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 6-14 عاماً والذين لم يتم قيدهم بالمدارس إلى 15% مقارنة بنسبة 10% بالنسبة للأسر غير الفقيرة وتزداد المعدلات القابلة قليلاً بالنسبة للفتيات.

ظروف السكان وإمكانية الحصول عليه

تفيد الدراسة أيضاً أن نسبة سكان الحضر الذين يعيشون في شقة هي أكثر من النصف، في حين لا يملك سوى فرد من كل ثلاثة فقراء القدرة على توفير مسكن حيث يعيش ثلثا الفقراء فيما يعرف بالمنزل العربي دون أن يمتلك الفقراء ـ خاصة في الريف ـ مطبخاً أو دورة مياه مستقلة، وتصل نسبة الفقراء الذين يستأجرون منزلاً في منطقة الحضر إلى 12%مقارنةب 7% لغير الفقراء حيث يعيش معظم سكان الحضر سواء من الفقراء أو غير الفقراء في بيوت ذات جدران إسمنتية في حين لا يرجح أن يملك فقراء الريف مثل هذه المنازل وذلك بحوالي سبع نقاط مئوية مقارنة بغير الفقراء، وبدت الفجوة أكثر اتساعاً في مدى استفادة الفقراء من مياه الصرف الصحي، حيث وصلت نسبة غير الفقراء الذين يتمتعون بهذه الخدمات إلى 71%، في حين وصلت النسبة بين الفقراء إلى 62%، وهو ما يمثل فجوة قدرها 9 نقاط مئوية. أما بالنسبة للصرف الصحي فتتسع الفجوة لتصل إلى 28 نقطة مئوية.

تشير الدراسة أيضاً إلى أن كل مولود جديد يزيد من مخاطر الفقر في كل من الحضر والريف حيث تزداد احتمالات الفقر بالنسبة للأسر التي تستقبل مولوداً جديداً 8.1% في الحضر مقارنة بنسبة 9.6% في الريف. أما في حالة فقدان أحد أفراد الأسرة لعمله فتزداد احتمالات الفقر بالنسبة للأسرة حيث يصل تأثير زيادة قدرها 10% في معدلات البطالة على احتمالات إلى 0.28% في الحضر و0.23% في الريف. وفي الوقت ذاته يعتمد تأثير حالة العمل على الفقر على قطاع العمل، فحين تزداد نسبة الذين يعملون لحسابهم داخل قطاع الزراعة بمقدار 10% تزداد مخاطر الفقر بمقدار 0.1%، بينما تتراجع مخاطر الفقر عند زيادة نسبة العاملين في الأنشطة غير الزراعية.

من جهة أحرى ترتفع احتمالات الفقر بالنسبة للأسر المعيشية التي يعمل أربابها في عمل يدوي مقارنة بالأسر التي يعمل أربابها في عمل مكتبي حيث تزداد نسبة الفقر بالنسبة للحالة الأولى بمقدار 3% و1.7% في كل من الحضر والريف على التوالي كما يؤثر المستوى التعليمي لرب الأسرة من احتمالات تعرض الأسرة للفقر. وعند المقارنة بالأسر التي يعولها أمي تقل احتمالات الفقر بالنسبة للأسر التي يعولها شخص متعلم بمقدار 7.3%.

 

 ■ إعداد: كاسترو نسّي