أزمة الإسمنت المفتعلة.. جريمة نهب وسرقة والمجرمون معروفون!!

تشهد الأسواق المحلية منذ عدة أشهر أزمة كبيرة فيما يتعلق بعدد من المواد، غلاء وفقداناً، وعلى رأس هذه المواد مادة الإسمنت.

فهذه المادة الأساسية في عملية الإنشاء والبناء، والتي تؤثر أية أزمة تطالها على شرائح كبيرة في المجتمع، راح يرتفع سعرها بشكل تدريجي ويندر وجودها في الأسواق منذ بداية الصيف وبشكل غير مبرر.

ومؤخراً وصل سعر الطن الواحد من مادة الإسمنت إلى أكثر من 8000 ل.س، وفي بعض المناطق وصل سعر الطن إلى 9000 ل.س!!

فإذا علمنا أن أكثر من 35% من قوة العمل السورية تعمل في قطاع البناء بمهن مختلفة.. (نجارة بيتون ـ عمارة ـ بلاط..إلخ) لأدركنا خطورة التباطؤ في حل هذه الأزمة، خصوصاً وأن سوق العمل أصلاً يعاني من جملة من المشاكل والأزمات سواء في التشغيل أو في الأجور أو في الخطط العامة.

المصدر الوحيد المنوط به مسؤولية طرح وتوفير مادة الأسمنت في الأسواق هو مؤسسة عمران والتي تحصل على الإسمنت من مصدرين الأول هو معامل الإسمنت السورية (معمل طرطوس ـ معمل عدرا..) والثاني عبر الاستيراد الخارجي (الأردن ـ تركيا.....إلخ) وبالتالي هي المسؤول الحصري عن كل أزمة تنشأ سواء في توفير هذه المادة أو توزيعها، ولأنها ليست المرة الأولى التي تُفتعل فيها مثل هذه الأزمات، فقد أصبح من الضروري الإشارة إلى المستفيدين الانتهازيين، وتوجيه أصابع الاتهام إليهم وبشكل مباشر، وتحميلهم مسؤولية كل الأضرار التي تلحقها هذه الأزمات المختلقة بالمواطنين، وبالعمال والمهنيين وبالاقتصاد الوطني بشكل عام.

إن الكشف عن المنتفعين الحقيقيين لايحتاج إلى كثير من العناء والتبصر فهؤلاء الانتهازيون ينقسمون إلى فريقين:

الفريق الأول هو الجهاز البيروقراطي في مؤسسة عمران وارتباطاته المتشعبة في جهاز الدولة مع البيروقراطيات الأكثر قوة ونفوذاً.

والفريق الثاني هم كبار التجار «الاحتكاريين» من البرجوازية الطفيلية ذات الأذرع الطويلة، وهؤلاء التجار المسيطرون على استيراد هذه المادة وتخزينها معروفون ويعدون على أصابع اليد الواحدة، ومثل هذه الأزمات والاختناقات توفر لهم أرباحاً خيالية من دون أي جهد أو ثمن. وحسب معلوماتنا أن لا أحد من كلا الفريقين قد تعرض لأي مساءلة بهذا الشأن.. رغم أن القضية واضحة وجلية!!

لاشك أن هناك عناصر أخرى تساهم في تفجر أزمات الإسمنت بين الحين والآخر، مثل عدم كفاية الإنتاج المحلي وضعف الاستيراد في أوقات ذروة الطلب على هذه المادة وخصوصاً في فصل الصيف، وهذا يعود فيما يتعلق بالإنتاج المحلي  إلى الأوضاع المتردية التي وصلت إليها خطوط الإنتاج في المعامل وعدم مبادرة الحكومة إلى وضع الخطط والميزانيات لتحديثها، أما فيما يتعلق بالاستيراد، فكما قلنا سابقاً، إن تراخيص إدخال هذه المادة إلى البلاد محصورة ومحتكرة لعدد من السماسرة والتجار، بالإضافة إلى أن جملة من المعوقات والتعقيدات الجمركية سواء في الموانئ أو في نقاط العبور البرية ماتزال تعرقل عملية دخول الإسمنت إلى السوق المحلية.

يضاف إلى هذه الأسباب، المحسوبيات والرشاوى التي ترافق عمليات التوزيع، وازدياد دور السماسرة الصغار، وبطء عملية حصول المواطن على الكمية المرخصة إذ تحتاج الرخصة الواحدة إلى 18 توقيعاً في بعض الأحيان!!

إن إنتاج الإسمنت في بلدنا يسير وسهل لتوفر المواد الأولية والخبرات والكوادر، وعملياً فإن إنتاج الطن الواحد لايكلف أكثر من 1000 ل.س، فما المانع من إنشاء معامل إضافية طالما أن الطلب كبير والإمكانيات متوفرة؟؟ هذا السؤال برسم المسؤولين في هيئة تخطيط الدولة وبرسم وزارتي الاقتصاد والصناعة.

وأخيراً فإن سعر طن الأسمنت في البلدان المجاورة لسورية، لايتجاوز في معظم الأحيان مايعادل الـ2000 ل.س، وعملياً فإننا نستورد ماينقصنا من هذه المادة بهذا السعر أي 2000 ل.س، إذن ماهو المبرر لطرحها في السوق بهذه الأسعار الخيالية وبكميات محدودة؟

 

إن الإجابة على هذا السؤال تضع كل من عمل وخطط وساهم في اختلاق هذه الأزمة المفتعلة في قفص الاتهام.. وهذا كله، بكل تشعباته الواضحة والخفية نضعه بين أيدي الهيئة العامة للرقابة والتفتيش.. فهل تأخذ يا ترى زمام المبادرة.. والمساءلة؟