دور الدولة الاقتصادي في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي.. الاقتصاديون ونقابات العمال متوافقون.. والحكومة مرتبكة!!
شهد مبنى الاتحاد العام لنقابات العمال قبل ظهر الاثنين 22/5/2006 ندوة هامة عن دور الدولة الاقتصادي في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي..
هذه الندوة دعا إليها وأقامها الاتحاد العام لنقابات العمال، وكان المداخلون الأساسيون فيها كل من: د. إلياس نجمة – د. منير الحمش – د. عصام الزعيم، الذين أكدت مداخلاتهم في معظم النقاط التي جرى تناولها توافقاً كبيراً في المواقف بين رجالات الاقتصاد ونقابات العمال سواء فيما يتعلق بدور الدولة، أو في الموقف من القطاع العام، أو في القضايا العمالية والجماهيرية التي يأتي على رأسها مسألة العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة وتوفير الخدمات الأساسية، أو في القضية الوطنية وضرورة العمل على خلق اقتصاد مواجهة قادر على الصمود وصيانة الاستقلال والسيادة الوطنية..
افتتح الندوة عزت الكنج أمين الشؤون الاقتصادية في اتحاد نقابات العمال بمداخلة قصيرة أكد فيها على الدور النضالي والتنموي للعمال ولتنظيمهم النقابي، لتبدأ بعدها المداخلات الأساسية..
د. إلياس نجمة
يجب إعادة توزيع الثروة
تقوم فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي على أن تترك حرية المبادرة والإنتاج والتوزيع وإقامة المشاريع وكل ما له علاقة بالمبادرة الفردية للأفراد، ولكن في نفس الوقت يجب أن نحافظ على حقوق المجتمع من خلال جملة إجراءات تصحيحية أو تدخلية في العملية الاقتصادية باستخدام القطاع العام والسياسات المالية وغير ذلك إن دور الدولة لم يتراجع أبدا على صعيد كبرى الدول ومنذ الثمانينات وفي ظل تقدم النظام الرأسمالي، ولكن ذلك الدور كان يختلف بالأساليب من دولة لأخرى وتبعا لمستوى التقدم الاقتصادي والعبرة ليست بوجود تخطيط أو بعدم وجوده فعندما تتدخل الدولة عبر الضرائب باقتطاع 40 أو 50% من الدخل القومي وتقوم بإنفاق كل هذه الأموال من أجل المجتمع ألا يعني ذلك تدخلا من خلال سياسة الاقتطاع العام ومن خلال سياسة الإنفاق العام وعندما تقوم الدولة بإتباع سياسات تتصل بالتربية والتعليم والاقتصاد والبنى التحتية وغير ذلك ألا يعني ذلك تدخلا منها؟ وعندما تتدخل الدولة بكل ما له علاقة بالسياسات النقدية من معدلات الفوائد إلى مستوى الكتلة النقدية والإنفاق ومستوى الموازنة أو غير ذلك ألا تكون قد تدخلت تدخلاً حقيقياً بإدارة الاقتصاد الوطني؟ وهل يوجد اقتصاد وطني الآن في العالم بأكمله رغم العولمة لا تتدخل فيه الدولة؟
في البلدان النامية كبلداننا كان للدولة دور داعم حقيقي، كان للدولة دور لابد منه، في بلد كالسعودية كان لابد من أن تتدخل الدولة وهي كما تعلمون ليست اشتراكية وقد قامت الدولة السعودية بإقامة أكبر قطاع عام في المنطقة على الإطلاق والسبب في ذلك إما لأن القطاع الخاص غير قادر بأن يقوم بالمهام المترتبة عليه في تلك المرحلة التاريخية وإما لأن استثمارات القطاع العام تستجيب أكثر لمتطلبات المرحلة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقبل هذه القضية أنا أتساءل ما إذا كانت تستطيع الدولة أن تتخلى عن مهامها الأساسية في هذه الفترة؟ إن هذا الدور كان أساسياً وإن كان علينا أن نعترف بأن السوق هي الفرضية ينطلق منها الاقتصاد المعاصر وليس مجرد تيار نأخذ به أو لا نأخذ، إنما التسليم بذلك يجب أن لا يدفعنا إلى المبالغة والانجرار وراء فوضى السوق أي قوى السوق، بلا تحفظ وبلا تنظيم، لأن هذه القوى إذا تركت دون ضوابط ستقود إلى التفاوت في الدخول، وهذا ما دفعنا إلى أن نأخذ بنظرية اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يسمح بزيادة الرفاه الاقتصادي وتحقيق التقدم الاجتماعي ورفع مستوى المعيشة للجميع، فتدخل الدولة بالاقتصاد وقيامها بدور الحكم في مختلف القطاعات الاقتصادية لدفع عجلة النمو والتنمية لا يندرج في إطار الإجراءات المعارضة لاقتصاد السوق بقدر ما هو وسيلة أيضاً للتحكم بأدوات المستقبل الاقتصادي، كما أنه في تقديري إجراء ضروري لإعادة تحديد مفهوم العمل وإعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة وإعادة التوازن إلى المجتمع.
إن الديمقراطية الاقتصادية أكثر تدفقاً وعطاءاً، وإن تدخل الدولة بالشكل الذي أشرت إليه وللغايات التي أوضحتها والتي غالباً يتم عبر إجراءاتها المختلفة ولكن أيضاً عبر القطاع العام وعبر سياساتها النظرية والضريبية والمالية والاتفاقية كما ذكرت، سيمكننا من أن نحقق العدالة الاجتماعية في التوزيع وأن نمنع الاحتكار وأن نحافظ على حقوق العمال والضعفاء اقتصادياً.
والآن أريد أن أسأل سؤالاً آخر لماذا القطاع العام؟ ليكن معروفاً لدينا جميعاً بأن القطاع العام لا يؤثر بالسياسة الاقتصادية للدولة فقط بل يشارك في صنع نظامها الاقتصادي والاجتماعي سواء فيما يتصل بتقسيم العمل أو فيما يتصل بتوزيع الثروة بالإضافة إلى أن واقع العمل من خلال الأمثلة التي أخذناها من دولة كالسعودية وغيرها من الدول أثبت أن القطاع العام يستجيب بشكل أفضل وبكفاءة وشمولية أكبر لكل الاستثمارات المتصلة بالبنية التحتية وباستثمارات لا يرغب بها أو لا يقدر عليها القطاع الخاص والمتصلة ببناء الاقتصاد ومستقبل الأمة وبكل الاستثمارات المرتبطة بإنتاج السلع والخدمات التي لا تقبل التجزئة وبالصناعات الرائدة التي يرتبط بتطورها وتقدمها تطور مجموعة من الصناعات الجزئية والفرعية وكل ما له علاقة أيضاً بالتدريب والتأهيل والتسريح والصحة وبشكل أكثر إجمالية بناء الإنسان، وفي هذه المجالات نجد أن للقطاع العام أفضلية فيها، لا بل أولوية مسبقة في كل المجالات. كما أن القطاع العام ولديكم التجربة السورية وغير السورية في هذه المسألة يستجيب بشكل أفضل بمراكزه التحتية وهو الأفضل على رعاية الأفراد ونقل التكنولوجيا، فقد تقولون أن ذلك لم يتحقق كثيراً ولكن ما هو الذي تحقق خارج القطاع العام على هذا الصعيد؟، نحن نعاني من تخلف هائل في قضية الأبحاث والتطوير، ولكن ربما إذا أخذنا الأمر بالقياس وبالمقارنة بين مختلف القطاعات فقد نجد أثراً لهذا التطوير في الأبحاث في القطاع العام ومؤسساته المختلفة أكثر من أي قطاع آخر، وبالتالي كل الحكومات على اختلاف اتجاهاتها تجمع على ضرورة قيام مؤسسات القطاع العام بالاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية وبشكل خاص استثمارات البنية التحتية والتعليم والصحة والإسكان والمرافق العامة، وفي كل موقع أو قطاع تشكل نقطة ارتكاز أو انطلاق لعملية النمو، وقد تأيد ذلك من قبل كل الاقتصاديين الليبراليين وحتى الاشتراكيين وعندما تضافرت الجهود اتحدت التيارات الفكرية من أجل أن توسع القطاع العام ليصبح النواة الصلبة في عملية النمو.
إن التنمية هي مسألة اجتماعية وسياسية وهي مسألة إجمالية تتصل بكل جوانب النظام القائم، كما قلت إن بلدان لا تؤمن بالاتجاهات الفكرية الاشتراكية قد أخذت بمفهوم القطاع العام.
ورداً على تساؤلات لماذا القطاع العام، علينا أن نتساءل: ماذا لو تخلينا عن القطاع العام؟
وخصوصاً القطاع العام الذي يعمل خارج آليات السوق، أنتم تعلمون أننا مهما كان لدينا اقتصاد سوق، هناك قطاعات خارج هذه الآليات حتى في الدول الرأسمالية، قد تكبر هذه القطاعات وقد تصغر من بلد لآخر، ولكن إياكم أن تظنوا أن الجميع يعمل بآليات السوق كما يتوقع البعض، ماذا لو تخلينا عن القطاع العام، هل سنصل إلى حل كافة مشاكلنا، كما يدعي المنادون باقتصاد السوق من القادمين الجدد على الاقتصاد ومسؤولية الدولة، سواء في توفير التعليم والعلاج والرعاية الاجتماعية والقيام بالإجراءات التصحيحية لإعادة توزيع الدخل القومي وفقاً لمبادىء العدالة؟
إن سورية لجميع السوريين، ولا يمكن تنميتها إلا بجهود جميع السوريين مجتمعين، وأنا تساءلت ماذا يعني أن لا تتدخل الدولة مثلاً في التعليم، هل هذا يعني أن لا تضم المدارس والجامعات سوى أبناء الميسورين وماذا عن الشباب والشابات الذين لا يملكون نفقات التعليم، ماذا يعني أن لا تتدخل الدولة في الطب والعلاج، وجعل ذلك حكراً على القطاع الخاص؟ إن هذا يعني بكل بساطة انهيار المستوى الطبي العام وحرمان جماهير الوطن من رعاية طبية حقيقية.
إن سياسات التنمية والصحة الممولة جزئياً أو كلياً من الدولة تتنامى بكافة بلدان العالم، حيث لا يمكن أن يترك إنتاج أو توزيع هذه الخدمات وتحديد أسعارها بآليات السوق. فالحصول على الخدمات العامة من جهة وتعليم ورعاية وإيجاد فرص عمل للجميع هو حق للمواطن وليس مقابل ثمن يدفع وفقاً لقوانين العرض والطلب، فتأمين هذه المسائل لكافة أفراد المجتمع لا يمكن الاستغناء عنه لتمتين الوحدة الوطنية أيضاً والاندماج الاجتماعي وأيضاً الاندماج والتوافق الاقتصادي وأنا في علمي لا يوجد بلد كما قلت قبل قليل يطبق آليات السوق في كل مراحل الاقتصاد وعلى كامل الإنتاج والأنشطة والخدمات وإذا كان من الخطأ الفادح أن لا نعترف بالسوق، السوق كما قلت فرضية ينطلق منها الاقتصاد المعاصر، وليس خياراً نأخذ به أو لا نأخذ به، فإذا كان من الخطأ الواضح أن لا نعترف بالسوق وآليات السوق، فالأكثر خطورة أن نفتح كل شيء لآليات السوق، يجب أن نعترف أن هناك دوراً كبيراً للقطاع الخاص إلى جانب القطاع العام في العملية الاقتصادية وبالتوازي وأن يكون لرجال الأعمال وظيفة اقتصادية حقيقية ودور أساسي في مجتمعنا وسياساتنا الاقتصادية حسب الفعالية الاقتصادية التي يعملون بها والإنتاجية العالية التي يحققونها في مشاريعهم، إلا أنه يجب أن نعلم بأن الاقتصاد وصنع القرار الاقتصادي هي مسألة أكثر أهمية وأكثر خطورة بأن تناط برجال الأعمال هي مسألة تتصل بحياة الوطن ومستقبل الوطن، يجب أن تتوافق عليها جميع الفئات الاجتماعية، ويجب أن يشارك بصنعها الفلاحون والعمال والمثقفون والنقابيون وكل شرائح المجتمع، ألا تناط بفئة واحدة دون الفئة الأخرى..
د. منير الحمش
التخاذل الاقتصادي يؤدي إلى تخاذل سياسي
..إن طرح موضوع (دور الدولة الاقتصادي) مجدداً، يأتي عبر العديد من المتغيرات والمستجدات على الساحة العالمية والإقليمية والمحلية.
على الصعيد العالمي فإن القوى الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة تطالب دول العالم، بالإنضواء تحت عباءة العولمة، والقبول بما تم الاتفاق عليه من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي فيما دُعي «توافق واشنطن»، وهو برنامج التحول نحو اقتصاد السوق وفقاً لوصفة قدمت للدول الاشتراكية السابقة في أواخر الثمانينات القرن الماضي، ثم تم تعميمها على الدول النامية الساعية إلى إرضاء واشنطن والمؤسسات الدولية.
وينص هذا البرنامج صراحة إلى جانب التحول إلى اقتصاد السوق على تقليص دور الدولة الاقتصادي، وصولاً إلى ما يدعى «حكومة الحد الأدنى».
وعندما تعرضت الولايات المتحدة لأحداث 11 أيلول شنت الحرب على أفغانستان ثم على العراق و احتلتهما، وعندما بدأت نشوة النصر بالتبخر وجدت نفسها غارقة في وحول العراق بفضل مقاومته الباسلة، فطرحت «مشروع الشرق الأوسط الكبير» من خلال استراتيجيتها القومية، وتحت شعار إن إسقاط النظام العراقي، جاء بهدف إقامة نموذج ديمقراطي يمكن تعميمه على دول المنطقة.
على صعيد آخر، كان هناك إعادة نظر في السياسات الاقتصادية المصدرة إلينا ضمن مفاهيم الليبرالية الاقتصادية الجديدة والعولمة الاقتصادية والمالية.
ها هو جوزيف ستيفلتنر ـ كبير مستشاري البنك الدولي، ينادي بإعادة الاعتبار لدور الدولة، وها هو (فوكوياما) صاحب نظرية نهاية التاريخ الذي عبر عن مشاعر الانتصار التي كانت تعيشها الليبرالية الاقتصادية الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث اعتبر أن الرأسمالية وصلت مبتغاها، وأنها /النظام الوحيد/ القابل للحياة من هذا العالم، ها هو يكتب ■■■ عن دور الولايات المتحدة في مفترق طرق: «القوة والسياسات ومواريث المحافظين الجدد» منعكس في هذا الكتاب مشاعر الخوف والقلق والانزعاج التي تسود أوساطاً واسعة من الشعب الأمريكي ونخبه الثقافية الذين يتساءلون عما ستؤدي إليه سياسة المحافظين الجدد الليبرالية المتطرفة.
في ظل هذه الأجواء ـ وفي الوقت الذي يشهد العالم تنامي التيارات المناهضة للعولمة والمحافظة لسياسات الولايات المتحدة ويحقق اليسار انتصارات هامة وتتصاعد قوى المعارضة في أوروبا، يطرح علينا مجدداً دور الدولة الاقتصادي». وتنهال علينا نصائح الاتحاد الأوربي، والمؤسسات الدولية بالتحول نحو اقتصاد السوق الحر. كما تتصاعد ضغوط القوى الجديدة من رجال الأعمال الجديد للسير في خطوات انفتاحية أكبر.
ووسط غيوم الشك والالتباس، تطرح أيضاً مسألة القطاع العام والموقف منه، وتتحول القضية وكأنها مختصرة في هل نبقي على القطاع العام والمقصود الصناعي)؟ أم نبيعه أي نخصخصه؟
ويدور سؤال لماذا نصلح القطاع العام؟ فهو في النهاية أصل من أصول الوطنية التي ينبغي المحافظة عليها وتطويرها.
لكن روح التشفي والثأرية والأحقاد الدفينة تأبى ذلك وتصر على تردي الأوضاع في القطاع العام حتى يلقى حتفه.
لقد تم حتى الآن تنفيذ جزء هام من برنامج الإصلاح الليبرالي، فقد تم تحرير الأسعار، وتحرير التجارة الخارجية بالسير قدماً، كما تم السماح للقطاع الخاص المصرفي ليعمل جنباً إلى جنب مع مصارف الدولة وكذلك قطاع التأمين. وسمح على نطاق واسع بإقامة الجامعات الخاصة، وكذلك المدارس الخاصة، وقلصت مخصصات الصحة والتعليم. وتم التخلي عن جزء هام من سياسة الدعم.
بقي من السياسات الاقتصادية والاجتماعية القديمة والتي يلقي عليها اللوم فيما وصلت إليه من حال الاقتصاد السوري:
ـ بقايا دعم للمواطنين في بعض المواد الحياتية، فضلاً عن بقايا دعم للمزارعين.
ـ القطاع العام الصناعي المتهالك.
ـ قانون العمل الذي يمنح العمال بعض المكتسبات ويحافظ على بعض حقوقهم.
هذا المتبقي، هو آخر حصن لوحه الاقتصاد السوري الوطني ـ التقدمي، (ولا نقول الاشتراكي)، إذ لم يكن الاقتصاد السوري يوماً اشتراكياً خالصاً.
والقطاع العام ليس مجرد منشآت ومؤسسات، إنما هو فكرة تتبلور فيها طموحات البناء من خلال الوظيفة الاقتصادية التي ترغب في إنجازها. والدولة عندما تؤمم بعض المنشآت الخاصة، إنما تقوم بذلك تحقيقاً لأهداف استراتيجية سياسية واقتصادية. هكذا نشأ القطاع العام في الغرب الأوروبي، وهكذا بدأ القطاع العام في سورية منذ تأميم بعض المنشآت الأجنبية بعد الاستقلال.
واليوم عندما ندعو إلى التمسك بالقطاع العام وإصلاحه، فإننا لا ندعو إلى ذلك من منطلقات إيديولوحية (وهذا ليس عيباً)، إنما من دوافع اقتصادية ـ اجتماعية، فإذا كان المطلوب تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كان المطلوب تحرير الأرض المحتلة في الجولان، وإذا كان المطلوب الوقوف في وجه التهديدات والضغوط الأمريكية، وإذا كان علينا أن نتعامل مع المتغيرات على الساحة الدولية، إذا كان جميع ما ذكرناه مطلوباً فإن علينا أن نكون دولة قوية. والدولة القوية هي الدولة التي تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي، ولا بد لنا من أن نلاحظ ذلك الارتباط بين التخاذل في الاقتصاد والتخاذل في السياسة، وبين التراخي في السياسة الخارجية و التراخي في السياسة الداخلية...
وهكذا وجدنا أن الانفتاح الذي قاده السادات في مصر منذ منتصف السبعينات، قاد الـ كامب ديفيد واقتصاد السوق إلى الذي بنته بعض الدول العربية سهل انغماسها في اتفاقات المناطق الحرة ومن ثم التطبيع مع إسرائيل.
فماذا بشأن «دور الدولة الاقتصادي» في سورية؟
وفقاً لما هو مطروح للنقاش، فإن هذا الدور يتأرجح بين طرفين:
طرف يعطي الأولوية لدور الدولة في الاقتصاد، أما الطرف الثاني، فيعطي الأولوية للأسواق، ويشدد على أفضلية الأسواق على الدولة. وتلخص وجهة النظر هذه بالليبرالية الاقتصادية الجديدة التي تسعى إلى:
ـ إطلاق العنان لقوى السوق دون أية قيود.
ـ انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي وإلغاء الوظيفة الاجتماعية للدولة أو تقليصها إلى أدنى الحدود.
ـ تمكين القطاع الخاص من القيام بمهمة قيادة الاقتصاد.
ـ تحرير تجارة السلع والخدمات.
ـ تحرير حركة رأس المال وإزالة جميع العقبات التي تقف في طريقه.
ـ انتقال مركز اتخاذ القرارات الاقتصادية من الدولة إلى المؤسسات الدولية والشركات متعددة الجنسية.
وفي حين يعزز الرأي الأول قيام الدولة القوية من خلال قيامها بأعباء ومسؤوليات التنمية، ويجعلها أكثر قدرة على التمسك بقرارها السياسي والدفاع عنه، فإن الرأي الثاني يؤدي إلى إضعاف الدولة وهشاشة موقفها التفاوضي، ويجعلها أكثر استسلاماً للمواقف المفروضة عليها من الخارج. وأكثر قبولاً لشروط الاندماج بالاقتصاد العالمي والالتحاق بما يدعى «قطاع العولمة».
لماذا نرفض الانفتاح (السداح المداح) كما دُعي في حينه الانفتاح الذي بدأه السادات في مصر في منتصف السبعينات؟
الإجابة في غاية البساطة هي ما نشاهده اليوم في البلدان النامية، التي غادرت بسياساتها الاقتصادية نموذج الدولة التنموية، وانحازت إلى جانب اقتصاد السوق الحر وخضعت على نحو أو آخر، إلى برامج الإصلاح والتكيف الهيكلي المفروضة من المؤسسات الدولية. وقد أظهرت الوقائع الحقائق التالية حول هذا النمط من الاقتصاد:
1 ـ عجز آليات السوق عن تخفيض أسعار عادلة أو ملائمة لأن هذه الآليات تعود إلى الاحتكار.
2 ـ عجز حرية السوق عن توليد استجابات مناسبة من جانب المتعاملين فيها.
3 ـ عجز حرية السوق عن تخفيض وتحريك الموارد من استخدام إلى آخر بمرونة كافية.
4 ـ وهذا هو الأهم، عجز اقتصاد السوق في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
سعت البلدان النامية بعد حصولها على استقلالها السياسي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى تحقيق التنمية، إلا أن معظم هذه البلدان أخفق في ذلك، ومنذ السبعينات من القرن الماضي لعب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دوراً هاماً وأساسياً في مسيرة تلك البلدان الاقتصادية والسياسية.
كان الموقف على النحو التالي:
1 ـ تجمع فائض كبير من الأموال في خزائن الدول الصناعية الغنية والمؤسسات المالية الدولية خاصة بعد تصحيح أسعار النفط، وكان هذا الفائض يفتش عن مجالات جديدة للاستثمار وجدها في مشروعات التنمية الفاشلة في البلدان النامية. فأغرقها بالديون التي عجزت عن تسديدها أو حتى خدمتها.
2 ـ وفي الوقت الذي تزايدت فيه الفوائض المالية، كانت تزداد حاجة البلدان التي وقعت في فخ القروض الخارجية إلى المزيد من القروض.
3 ـ تقدم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لحل هذا الإشكال، فكانت نصيحتها المشهورة: تقوم البلدان النامية المدينة بإجراء إصلاحات اقتصادية إلى اقتصاد السوق، وتضع إدارة اقتصادها تحت وصاية البنك والصندوق الدوليين، في هذه الحالة تحصل على شهادة حسن سلوك تقودها إلى جدولة ديونها، والحصول على ديون جديدة.
وبهذه الحالة تتحقق ثلاث نتائج هامة:
الأولى: تسترد الجهات الدائنة قروضها.
والثانية: تحصل البلدان المدينة على قروض جديدة.
أما الثالثة: فهي الجائزة الكبرى لليبرالية الاقتصادية الجديدة. أن تبدأ البلدان المدينة بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي التثبيت الهيكلي وجوهر هذا البرنامج التحول نحو اقتصاد السوق المتمثل بالخصخصة وانسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي. وتقليص وظائفها إلى الأدنى. وبالتالي التحاق هذه الدولة بما يدعى قطار العولمة. الذي يسير باتجاه معاكس للمصالح الوطنية. إن الدول التي تصنع تنميتها وتنظمها لا بد أن تنهض، وأما الدول التي تقبل الالتحاق بغيرها وترضخ لشروط الهيمنة، فمصيرها العبودية والتبعية والتهميش.
تتصاعد الدعوة اليوم في سورية للدخول في اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد العالمي، بحجة إخفاق التنمية التي قادتها الدولة والخسائر التي يحققها القطاع العام، وعدم توفر إيرادات كافية لمواجهة النفقات المترتبة على قيام الدولة بالخدمات الاجتماعية خاصة في ميدان الصحة والتعليم.
إن الاستنتاجات التي توصل إليها الليبراليون، إنما هي نتائج سطحية تجري في إطار طروحات ناقصة، ولا تؤهل إلى تحقيق التنمية.
لهذا لا بد من معرفة ما الذي يمكن أن يفيد التنمية التي نحتاجها، وما الذي يمكن أن يضر بها؟ ما الذي يمكن أن يدعم اقتصادنا الوطني، وما الذي يمكن أن يشكل اختراقاً لهذا الاقتصاد؟ ما هي التنمية التي نحتاجها وما هي أدواتها وأساليبها وسياساتها؟ دون أن ننسى أن جزءاً غالباً من أرضنا محتل ودون أن ننسى الضغوط والتهديدات المستمرة علينا من الولايات المتحدة وأوروبا.
من الواضح تماماً، أنه لا السوق الحرة، ولا الالتحاق بالاقتصاد العالمي والعولمة يمكن أن يساعد على تحقيق التنمية المنشودة. ذلك أن قانون السوق الحرة، وقانون العولمة، إنما هي قوانين البقاء للأصلح وللأقوى، ومن الواضح أننا لسنا من هؤلاء.
إن ما يصنع التنمية هو الإرادة الوطنية والتخطيط وفق رؤية مستقبلية واضحة وطويلة المدى. أما العولمة وانفتاح الأسواق فهي لن تؤدي إلا إلى الوقوع في الأشراك المنصوبة لنا ولجميع الدول النامية.
وبالنسبة لنا، فإن أول هذه الأشراك هو خلق الظروف والشروط الموضوعية للتطبيع مع إسرائيل، وهذا ما تتضمنه الشراكة المتوسطية وكذلك مشروع بوش للشرق الأوسط الكبير. إذا تعتبر إسرائيل في صلب هذا الاتفاق وذلك المشروع.
أما ثاني هذه الأشراك، فهو إضعاف الدولة وتهميشها عن طريق نزع مصادر قوتها، وأهمها دورها الاقتصادي، وأهم مقتضيات الدور الاقتصادي القطاع العام.
أما ثالث هذه الأشراك فهو المنافسة غير المتكافئة التي ستؤدي إلى القضاء على صناعتنا الوطنية وتوقع البلاد في حالة التصنيع العكسي.
ويأتي أيضاً في هذا السياق شراك التبعية وسحق الإرادة الوطنية والمصالح الوطنية وتغليب إرادة الأطراف الخارجية ومصالحها. وإضعاف الدولة في مواجهة الصدمات الخارجية.
ويأتي أخيراً، وليس آخراً، شراك التفكك الاجتماعي تحت وطأة تفاقم ظواهر الفقر والحرمان والبطالة.
إن انسحاب الدولة من الاستثمار والاعتماد على الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، إن هو إلا وهم من الأوهام التي يروج لها.
فالقطاع الخاص المحلي، غير مؤهل ولا يملك الإمكانات الكافية، وللاستثمار الأجنبي شروط لا نستطيع أن نتحملها مما يعني إضعاف أكثر لاقتصادنا، وتفاقم أكثر لمشكلة البطالة.
وإلغاء الدعم بحجة تخفيف العجز في الموازنة، سيكون وقعه شديداً على الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل.
إذن ليس أمامنا سوى المحافظة على دور الدولة الاقتصادي وتوجيه الجهود نحو تعزيز القدرات الاقتصادية والاهتمام بالإدارة الاقتصادية وإصلاح أوضاع القطاع العام والاهتمام بالصحة والتعليم، ومحاربة الفساد..
د.عصام الزعيم:
لا اقتصاد سوق اجتماعي دون تنمية
إن موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي قابل للتحقيق إذا نظرنا إليه من رؤية عقلانية بحتة، وهو صعب التحقيق إذا نظرنا إليه من حيث الموارد المتاحة ودرجة التطور الاقتصادي المتحققة والتحديات الداخلية والخارجية الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى التحديات الاستراتيجية «الأمنية والوطنية».
وإن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي يقوم على أساس التقاسم الذي يتم بين أصحاب الأرباح الذين يحصلون على 62% من مجمل الدخل وبين أصحاب الأجور الذين يحصلون على 38% من الدخل وفكرة اقتصاد السوق الاجتماعي هي محاولة التوفيق بين المتناقضين الأول هو اقتصاد السوق وفعل السوق والثاني هو تقاسم الدخل من أجل التنمية الاجتماعية أي الصراع بين الأرباح والأجور «التنمية الاجتماعية» وفي ظروف سورية الخاصة هناك ثلاثة عناصر مترابطة تحدد كيفية هذا التقاسم الذي شبهه الزعيم بـ «الكعكة» الاقتصادية. وأول هذه العناصر هو العنصر الأمني الوطني وهي عملياً في حالة حرب.
العنصر الثاني وهو ما يذهب إلى رجال الأعمال والشركات الاستثمارية وأغراضها. والمكون الثالث هو ما ينفق على الغايات الاجتماعية.
اقتصاد السوق الاجتماعي هل يطبق كشعار مركب؟ أعتقد أنه لا يطبق بسبب الظروف الموضوعية وذاك التقاسم الذي ذكرته سابقاً.
فالاستثمار الصناعي قليل، والاستثمار العام تراجع بسبب تقلب السياسات، فلم يكن واضحاً الخيار الحكومي بدقة أي هل تجميد الاستثمار الصناعي العام أم تنشيطه، وهذا ما جرى بالضبط لمعمل حديد حماة.
فكيف تحقق اقتصاد سوق اجتماعي دون التطوير في الصناعات التحويلية، ولا تقوم بالاستثمار المطلوب بالعام والخاص حتى نوجد مادة التقاسم.
وهذا الاقتصاد لا يمكنا تحقيقه أيضاً إلا من خلال تعددية اقتصادية يمكن الاعتماد عليها ووضعها كأساس للاقتصاد والسوق الاجتماعي بكل مكوناته.
ويضيف الزعيم: بأننا في سورية بحاجة إلى تقليص البطالة وتقليص الفقر وتأمين القيمة المضافة، ورفع القيمة المضافة للصادرات، وكل هذه المتطلبات تأتي من أولويات الصناعات التحويلية والحديثة التي تصب في النهاية في خانة اقتصاد السوق الاجتماعي وتطبيقه.
إذاً ليست هناك رؤية استراتيجية في سورية في جميع الصناعات. وهذا ما نفتقده دائماً حتى في مفهوم العلاقة بين القطاع الخاص والعام فهناك الكثير من الأدوات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية التي بإمكانها تغيير الواقع الاقتصادي. فمثلاً في العلاقة بين العمال وأرباب العمل صدر في سورية قانون العقد شريعة المتقاعدين الذي لا يتفق أبداً مع مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ووضع حد أدنى للأجور يؤكد دور الدولة القيادي والراعية لفئاتها الاجتماعية والوطنية.
وقال الزعيم: إنه أمام الاتحاد العام لنقابات العمال ثلاثة خيارات:
الخيار الأول أن يبقي علاقته مع الدولة كما هو قائم حالياً.
الخيار الثاني أخذ الاستقلالية الكاملة من دون قطع الحبل السري كما وصفه الزعيم. والخيار الثالث هو قطع العلاقة، لذلك من مصلحة سورية إعادة النظر بالعلاقة بين اتحاد العمال والحكومة بشكل صريح حتى يعبر الاتحاد عن حاجات العمال ومطاليبهم في وجه أرباب العمل كضرورة وطنية واجتماعية.
ورأى عصام الزعيم في ختام مداخلته أنه لا يوجد اقتصاد سوق اجتماعي دون تنمية ديناميكية والتنمية لا تأتي هبة، ولن نصل لرقم 7% من النمو كما حددته الخطة الخمسية العاشرة دون تفعيل جميع القطاعات الإنتاجية والصناعية بما فيها القطاع المشترك والتعاوني.
مناقشات وتعقيبات
■ محمد سماق:
هل اقتصاد السوق الاجتماعي قابل للتطبيق؟ أقول نعم قابل للتطبيق، أما أنه سيحقق العدالة الاجتماعية فهذا موضوع آخر. وهذا متعلق بدور الدولة التدخلي من خلال إرساء شبكة رعاية اجتماعية يكفل حقوق الجميع.. إذاً ما هو الوضع الراهن لدور الدولة؟ إن هذا الدور بحالة تراجع، يجب أن نتنبه لذلك.
في مجال طرح بعض الشركات للاستثمار فقناعتي أنه ليس هناك مشكلة في طرح بعض المنشآت الخاسرة للاستثمار من القطاع الخاص.
أما المنشآت الرابحة فلا أجد أي مبرر لطرحها للاستثمار الخاص تحت أي عنوان من العناوين، إذ لماذا نتخلى عن ملكياتنا؟ هل السبب هو عدم وجود الموارد؟ إن الخطة الخمسية العاشرة أكدت وجود 18000 مليار ليرة سورية لهذا الغرض منها 850 مليار ل.س موارد محلية.
إنني أدعو للمحافظة على المنشآت الرابحة لأنها تؤدي جملة من الأغراض: السياسية لتوفير الصمود الوطني، والاقتصادية: لصيانة الاقتصاد الوطني: والاجتماعية: لتشغيل اليد العاملة.
حتى الآن لا يوجد أي أساس قانوني لما تقوم به الحكومة من خطوات في مجال طرح بعض المنشآت العامة للاستثمار، فهذه الملكية ملكية المجتمع وليس ملكية الحكومة ومن لا يملك لا حق له أن يتصرف بهذه الملكية. (تصفيق حاد)
إذا كان هناك إصرار على ذلك فيجب إيجاد التشريعات القانونية المناسبة، من الضروري فصل السلطات حيث لا يجب للسلطة التنفيذية أن تضطلع بمهام السلطة التشريعية.
■ وزير الاقتصاد د. عامر لطفي:
تحدث عن نقطة واحدة وهي الاختلاف في تحديد آلية دور الدولة حيث أكد أن معظم المداخلات صورت الحكومة الموجودة على أنها تسعى لإلغاء كل دور لتدخل الدولة وهذا من وجهة نظره غير صحيح على الإطلاق.
المشكلة في تحديد الدور الجديد للدولة فالشكل القديم أفرز الكثير من المظاهر السلبية كالفساد والبيروقراطية رغم أهميته وقوته.
إننا ننتقل إلى دور جديد للدولة له قوانينه وتشريعاته ومرتكزاته المختلفة التي يجب أن نؤسس لها، إننا بحاجة إلى دور جديد للدولة يكرس النتائج الإيجابية لنظام اقتصاد السوق الاجتماعي لصالح المجتمع. لا أحد يقبل عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية هذا ليس فيه نقاش ولكنني أطلب من الاقتصاديين مساعدتنا «مساعدة الحكومة» في تحديد شكل التدخل ورسم ملامح الدور الجديد للدولة.
د. عصام الزعيم وفي تعقيبه على المداخلات ورده على بعض الأسئلة قال: إن لسورية كدولة نامية خصوصيتها ولا يمكن مقارنتها بأي دولة أخرى من الدول النامية، فهي تواجه الاحتلال وعداء كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا كله يتطلب ابتكار نظام سوري باقتصاد السوق الاجتماعي مستفيد من التجارب المميزة في هذا المجال كالتجربة الصينية والهندية.
على أن يلبي شرطاً أساسياً وهو أن يخلق ما يمكن تقاسمه وهنا على دور الدولة أن يكون مركزياً وأساسياً ومعتمداً على خطط استراتيجية حقيقية، لذلك أنا أقترح اعتماد اقتصاد مختلط وموجه من الدولة التي تكون مهمتها تحديد الأولويات.
■ د. حيان سليمان:
ليس هناك شيء اسمه حيادية الدولة، إن عدم اتخاذ قرار هو موقف وقرار، لا يوجد دولة في العالم يمكن أن تلغي دورها التدخلي لا غرباً ولا شرقاً، إنما يصدرون إلينا هذه المفاهيم بينما لا يعتمدونها هم في بلدانهم، إنني استغرب ادعاءات من يسوقون لليبرالية الجديدة، هناك خلل، ثمة من يريد زرعه في اقتصادنا، البعض يقول أنه لا يمكن تطبيق نظام اقتصاد السوق الاجتماعي في بلدنا وهذا غير صحيح، وإلا لما طرحته القيادة السياسية، إن من يريد التفريط بالقطاع «الحكومي» سيأتي يوم لن يجد ما يمتلكه ليفرط فيه، كل هذا يجري ولا أحد يجد حلاً أو يفكر بإيجاد حلٍ للاهتلاكات التي تستنزف قطاعاتنا الإنتاجية، وهو ما يجب فعله إذا أردنا تطوير منشآتنا، إن عوامل النمو يجب أن تكون مصادرها الحقيقية داخلية ولا يمكن الحصول عليها من الآخرين.
إننا نملك موارد كبيرة ومتنوعة ولكن حجم الإدخار كبير بينما الاستثمار بكل أشكاله ضعيف وهو في حالة تراجع دائم.
■ د. علي كنعان:
العديد من الدول اعتمدت على استجلاب الاستثمارات الخارجية ولم تحصل على أية نتيجة وتجربة مصر خير مثال على ذلك.
ليس هناك دولة اعتمدت في تحقيق التنمية على الولايات المتحدة الأمريكية وحققت مرادها فكيف نجد في بلادنا من يقع أسير هذه الأوهام سواء أوهام الاعتماد على الدول أو الاعتماد على وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، ليس هناك اقتصاد دون دولة، وإلا لمَ نشأت الدولة إذن؟ إن مهمة الدولة هي التدخل من أجل توزيع وإعادة توزيع الثروة بما يحقق العدالة الاجتماعية.
■ أ. عبد القادر نيال:
اعتقد أن اقتصاد السوق وقوانين السوق ليست شراً مطلقاً في حال كان للدولة دور تدخلي دائم يضع الخطط والاستراتيجيات بما يضمن ضبط العملية الاقتصادية برمتها، وتمكين الطبقة العاملة من الدفاع عن نفسها وعن حقوقها وتعزيز مواقعها ومنع الاحتكار.
سجال حاد بين د. منير الحمش
ووزير الاقتصاد: د. عامر لطفي
بعد انتهاء المداخلات الأساسية الثلاث وبدء النقاش العام الذي اشترك فيه عدد من الاقتصاديين كما ورد، حدثت مساجلة حامية دارت بين د. منير الحمش ووزير الاقتصاد عامر لطفي، حيث ذكّر د. الحمش بالتصريح الذي كان قد أدلى به وزير الاقتصاد في وقت سابق قال فيه: «إن اقتصاد السوق الحر هو مرحلة انتقالية للوصول إلى اقتصاد السوق» الأمر الذي قال عكسه في هذه الندوة!! مما أثار حفيظة وزير الاقتصاد الذي حاول الدفاع عن نفسه لكنه ارتبك ولم يعرف بماذا يجيب!! ليتابع د. الحمش انتقاده للوزير قائلاً: هل كنت حينها متبنياً موقفاً، والآن تتبنى أمام العمال موقفاً مغايراً؟؟!!
وأكد د. الحمش أنه كان قد كتب مقالاً يرد فيه على تصريحات وزير الاقتصاد فيما يتعلق بحماسه الشديد واندفاعه الكبير للشراكة الأوروبية و(فضائلها) وأرسل هذا المقال إلى صحيفة تشرين التي امتنعت عن نشره (فلجأ إلى صحيفة قاسيون واستعان بها) فنشرته..
وفي كل الحالات يقول د. الحمش: «وجدنا منذ يومين صوراً من النفاق الأوربي من خلال الموقف المخزي للاتحاد الأوروبي في بيانه الأخير تجاه سورية».
وأكد الحمش (بينما الوزير كان صامتاً يستمع) «أن المماطلة التي يبديها الاتحاد الأوروبي في التوقيع على اتفاق الشراكة مع سورية - رغم عدم موافقتي عليها لأنني أعتبرها كارثة على الاقتصاد السوري- تؤكد عدوانيته وعدم إمكان الثقة به..
■ متابعة وإعداد: علي نمر