الإصلاح الضريبي كأحد موارد تمويل التنمية.. التخلص من النظام الضريبي الحالي ضرورة.. والشاهد جفاف إيرادات الخزينة
لا يختلف اثنان من الاقتصاديين على أن الضرائب أهم مورد سيادي للخزينة العامة للدولة، ويختلف حجمه ونسبته قياساً للناتج المحلي من دولة لأخرى، فالضرائب في الدول الرأسمالية تشكل العمود الفقري لهذه الاقتصادات، تليها القروض والمساعدات، وأرباح القطاع العام..
20–50% حصة الضرائب
الجدول الأول سيوضح حقيقة التطور التي تشهدها حصة الضرائب من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من دول العالم تاريخياً، والتي تتراوح نسبتها بين 20–50% تقريباً من الناتج المحلي هذه الدول..
جدول رقم (1)
المصدر: B R D –Bundesministerium fuer Wirtschaft- Wirtschaft in Zahlen 1992،s.149
7،5% فقط في الدول العربية
لم تتعد حصة الضرائب من الناتج القومي الإجمالي في الوطن العربي حاجز 7،5% فقط في عام 2009، وهذا قليل مقارنة بالنسب العالمية، وفي سورية وصلت هذه النسبة إلى نحو 10% من الناتج القومي الإجمالي في عام 2007..
من الواضح أن حصة الضرائب سواء في الوطن العربي أو في سورية منخفضة جداً مقارنة بجميع دول اقتصاد السوق، وينبغي زيادتها ثلاثة أضعاف لتضاهي معظمها، وأكثر من 4 أضعاف لتضاهي السويد والدانمرك مثلا.
الضمان الاجتماعي متدن عربياً
بلغت حصة الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي قرابة نصف الناتج القومي الإجمالي عام 1990 في معظم دول اقتصاد السوق باستثناء بعض الدول، وتجاوزت النصف في بعضها الآخر، أما في الوطن العربي فحصتها صغيرة جدا، وكذلك في سورية، لأن الضمان الاجتماعي ليس واسع الانتشار بالنسبة لقوة العمل، ونحن بأمس الحاجة إلى توسيعه ليشمل جميع المشتغلين وأسرهم، ولا يزال الطريق طويلا لنصل إلى ذلك.
المصدر نفسه- وزار ة الاقتصاد الاتحادية في ألمانيا الغربية 1992- الاقتصاد في أرقام
التصاعد الضريبي منخفض جداً
وصل التصاعد الضريبي على الأرباح نسبا مرتفعة في معظم دول اقتصاد السوق، وخفضت هذه النسب على الشركات المساهمة، بيد أنها ظلت مرتفعة تتراوح بين 40-50% في معظم الدول، وحصل تخفيض التصاعد الضريبي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وذلك لغياب المنافسة بين النظام الاشتراكي السابق والدول الرأسمالية في تطوير الاقتصاد، وتقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين..
في سورية، وباقي الدول العربية لا نزال في أولى مراحل التطور، رغم ذلك فقد تم تخفيض التصاعد الضريبي بشكل حاد جدا، وتحميل المواطن أعباء ضرائب غير مباشرة أكثر من طاقته، مما جعل الاقتصاد يترنح مع المواطن..
نحن مهددون الآن خاصة وفي كل الأوقات بالغزو، والأمن القومي العربي يقتضي إعلان اقتصاد الحرب كما فعلت الدول التي مرت بهذه الظروف المشابهة، ويجب رفع التصاعد الضريبي إلى 75%، ونخفض الضرائب غير المباشرة بشكل كبير كي يصبح العامل والفلاح، وأي مشتغل في قوة العمل قادرا على الإنتاج، والقتال دفاعا عن تراب الوطن، والاستشهاد، وهو مطمئن أن أسرته ستعيش معززة مكرمة بعد استشهاده ووفاته..
وصل التصاعد الضريبي في كل من ألمانيا الاتحادية إلى 95% للدخل الذي تجاوز 0،25 مليون مارك من مطلع عام 1950 حتى منتصف عام 1953، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وصل إلى 91% للدخل الذي تجاوز 0،2 مليون دولار عام 1952- 1954بعيد الحرب العالمية الثانية.
نحتاج لنظام ضريبي جديد
إننا نحتاج إلى نظام ضريبي جديد، يوفر موارد كافية للخزينة لبناء الاقتصاد الوطني، وتوفير خدمات البنية الفوقية، من تعليم مجاني في جميع مراحله، وهذه مهمة وطنية لا يمكن أن تترك للقطاع الخاص المهتم بالربح فقط، ويجب تطوير الإدارة وخدمات البنية التحتية من مدن سكنية جديدة، ومدن صناعية تغطي كامل مساحة القطر، ولا تكرس التوزع السكاني الخاطئ في المدن الكبيرة، وأن نشيد شبكة حديدية من الخطوط الحديدية العصرية، والمكهربة، والسريعة، وأن نطور الصناعة والزراعة.. الخ، وأن نجدد سلاح جيشنا الباسل.
التخلص من النظام الضريبي الحالي الذي تركة الفريق الاقتصادي المقال يعتبر ضرورة، لأنه جفف إيرادات الخزينة، وهو مليء بالثغرات، فضريبة الدخل ينبغي أن تكون مبنية على مسك الدفاتر للمكلفين ويطبق على جميع الشركات دون استثناء في الزراعة، والصناعة، والتشييد، والبناء، والمصارف، والخدمات السياحية من فنادق ومطاعم، وعلى المحامين، والمهندسين، والأطباء، والصيادلة، والحرفيين.. الخ، هكذا نقيم عدالة ضريبية وتحصل الخزينة على موارد كافية لتقوم بكل واجباتها.
الخبراء الغربيون ينصحون بإضعاف الدولة النامية، عن طريق تجفيف موارد خزينتها، لتصبح عاجزة عن القيام بمهامها، فهم ينصحون بإلغاء الجمارك، وتخفيض التصاعد الضريبي، والقضاء على القطاع العام الذي هو عماد التنمية الاقتصادية..
الرشاد الاقتصادي، والأمن الوطني والقومي يقضي بتكليف فريق اقتصادي بإعداد مشروع النظام الضريبي الجديد بأسرع وقت، وعرضه للنقاش على الجمهور العريض، وممثلي العمال والفلاحين، ورجال الأعمال، ومختلف النقابات، والاقتصاديين، وإقراره قبل نهاية العام الحالي، لأنه ملح جدا، وهو الذي يستطيع زيادة إيرادات الخزينة بشكل كبير، لنتمكن من مواجهة حالة الحرب التي نعيشها الآن، والحالات التي قد تليها، لنكون دوما على أتم استعداد للمعارك المفروضة علينا.
(لمزيد من التفصيل: أنظر: «نظام ضريبي للوطن العربي آفاق 2025 وما بعد توحد الوطن العربي في دولة واحدة-د.نزار عبد الله- دمشق- المركز العربي للدراسات الإستراتيجية-2011»).