د. غسان طيارة لـ قاسيون: آلات (العام) مهتلكة.. والحكومة لا تمتلك الرغبة في التحديث والإصلاح

في تعليق على قرار الحكومة إغلاق خمس عشرة شركة عامة، أكد د. غسان طيارة وزير الصناعة السابق، لقاسيون أن أغلب الآلات في معظم الشركات العامة أصبحت قديمة ومتهالكة، فكيف ستصمد وتنافس؟ فشركة «كاميليا» العامة على سبيل المثال يزيد عمرها عن 40 عاماً، وخطوط الإنتاج فيها قديمة. وفي المقابل، أصبحت هناك شركات خاصة منافسة تمتلك إنتاجاً متطوراً، وآلات أحدث، ومن الصعب أمام هذا الواقع أن تقف الشركة العامة وتربح، بل إنها تحتاج إلى أموال كثيرة حتى تستطيع أن تعود وتنتج.



• أين تكمن صعوبة عودة هذه الشركات للإنتاج؟!

تكمن الصعوبة في ضعف الإمكانات المادية، ففي الماضي أحدثت مجموعة كبيرة من الشركات، ومن المفترض أن تكون هناك دراسة جدوى اقتصادية، وهذا لم يحدث، والنقطة الأخرى أن هذه الشركات، ولسنوات طويلة لم تسد رؤوس أموالها، كما أن السيولة المالية أخذت منها بموجب القانون المالي الصادر في العام 1969، حيث أتاح هذا القانون أخذ الأرباح ونفقات الاهتلاك، فلم يكن هناك اهتمام مناسب بشركات القطاع العام، وخير مثال على ذلك شركة «الكرنك» التي كانت من أفضل شركات النقل الداخلي في الماضي، لكنها لم تُعطَ الإمكانات المادية لتطوير وتحديث أسطولها، مما أوصلها إلى التراجع والخسارة، وأضحى من الصعب مواكبة شركة «الكرنك» العامة شركات النقل الخاصة الأخرى المجهزة بأسطول جديد، وإمكانات أكبر، وهذا المثال ينطبق على معظم الشركات الصناعية العامة الخاسرة التي وضعت في مواجهة واقع مماثل.

العلاقة المالية بين القطاع العام الصناعي ووزارة المالية وجميع الوزارات الأخرى ينظمها القانون المالي الذي صدر في العام 1969، حيث تأخذ المالية حصتها على أساس حجم الأرباح، ومنها ضريبة دخل، أما الباقي يبقى لدى الشركة، لأنه عند حساب الأرباح، نقول إنه توجد أقساط اهتلاك، واحتياطي اختياري وإجباري، وبعدها نحصل على الأرباح، ومنها نأخذ ضريبة الدخل، والفائض يبقى لدى الشركة، لكن الذي طبق على أرض الواقع عكس ذلك تماماً، لأنهم جردوا هذه الشركات من هذا الباقي أو الفائض، وأجبرت الشركات على الاقتراض، عند حاجتها إلى شراء آلة مثلاً.

السياسة الاقتصادية المتبعة سابقاً لم تكن متميزة، لأن الهدف الأكبر لوزارة المالية كان سحب أموال شركات القطاع العام، بدلاً من إنفاقها لحماية المال المنتج، وإذا لم نسع إلى تعويض الشركات الحالية، فإنها ستتراجع حتماً.

• ما هي مسؤولية السياسات الاقتصادية المتبعة في هذا التراجع؟

هناك نظرية اقتصادية تقول: «عندما يكون هناك مال إنتاجه ينخفض، فإنك توظف المال من أجل حماية المال»، وهذا لم يحدث، وأدى بشكل طبيعي إلى تدهور أوضاع هذه الشركات، فمنذ العام 2000 لم تضخ أموال لحماية القطاع العام، بينما كانت الميزانية الاستثمارية في الماضي عند إنشاء هذه الشركات تعادل /60%/ من إجمالي الميزانية، وأخذت بالانخفاض، والآن أصبح الإنفاق الجاري أكثر من الاستثماري، وهذا مخيف في دولة تريد أن تبني صناعة أو اقتصاداً، فعندما تصرف الشركات معظم إمكانياتها كرواتب وأجور فمن أين تأتي بأموال للإنتاج. ولو أخذنا التضخم، نجد أن استثمارات عام 2007 أكبر منها في العام 2008. فالإصلاح بقي مجرد شعار لأنه لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، فالحكومة لا تمتلك النية والرغبة في إصلاح القطاع العام.

الحل المقترح لإصلاح القطاع العام عبر طرحه للاستثمار، يمكن أن يفيد، إذا تم توظيف أموال الاستثمار الحالية في الشركات الصناعية القائمة، وفي شركات صناعية جديدة.

• ما هي مسؤولية الأنظمة والقوانين والتشريعات البالية في تردي وخسارة هذه الشركات؟

القانون المالي الذي صدر في العام 1969 هو المسمار الأول في نعش القطاع العام، كما أن المرسوم /54/ الصادر في أواخر عام 2008 (النظام المالي الجديد) لم يطبق حتى الآن، وتطبيقه يمكن أن يدعم هذه الشركات بشرط توفر الأموال للتطور، شركة «الخماسية» تخسر الآن، لأنها لا تمتلك السيولة اللازمة لكي تنتعش، ولكن إذا توفرت لها الإمكانية المناسبة، وأبقيت أموالها الباقية لديها بعد أخذ ضريبة الدخل وحصة الدولة في الماضي، واستخدمت هذه الأموال في تطوير وتحديث «الخماسية»، لعادت كما كانت شركة متميزة.

لا بد أن أذكر أن مشروع إصلاح القطاع العام الذي تم في أواخر العام 2007، نص على إبقاء جميع أموال شركات هذا القطاع لمدة 5 سنوات، وذلك لتأمين السيولة للتطوير وتجديد الآلات. فلم يحدث أي تطوير في شركة حمص للصباغة والنسيج منذ تأميمها حتى هذه اللحظة، رغم كل العروض المقترحة لتحديث الآلات.

• لماذا لم تستخدم أرباح القطاع العام الصناعي في تمويل الشركات الخاسرة؟

كان هناك اقتراح أن يتم جمع أرباح شركات القطاع العام الصناعي في صندوق واحد، وكان يسمح لوزير الصناعة في السابق أخذ قروض من شركات القطاع العام الصناعي الرابحة، وإعطاؤها لشركات أخرى خاسرة تحتاج إلى قرض. حيث أقدم العديد من وزراء الصناعة مثلاً على أخذ قروض من مؤسسة الصناعات الهندسية، تعطى لشركة جرارات حلب، وتقوم شركة الجرارات من خلاله بشراء الآلات للتجديد، ويتم وفاء القرض فيما بعد، فالشركة كانت تنتج في الماضي /2400/ جرار، بينما هي الآن عاجزة عن إنتاج /300 ـ 400/ جرار، ولا تعطى أية قروض أو أموال للتجديد. وزير الصناعة كان يمارس هذه الصلاحية في الماضي، والآن يبدو أنه لم يعد يمتلك مثل هذه الصلاحية، والتي لم يكن فيها قانون، بل كان فيها توجه عام، أما الآن فإنه لا يسمح بإعطاء القروض اللازمة، مما أدى إلى تدهور وضع الشركة وشركات أخرى. وأعتقد أن الوزير الحالي للصناعة، لم يستطع اتخاذ مثل هذا الإجراء بفعل موانع قد تكون توجيهية.

• ما تأثير طرح 15 شركة حالية للاستثمار وما يتبعها من شركات على حال الصناعة السورية؟

الصناعة السورية في القطاعين العام والخاص تعاني من أزمة، وعندما لا نعطي القطاع العام ما يلزمه من الدعم المادي، وغيره من أشكال الدعم الأخرى، فمن الطبيعي أن يتعثر، فهناك مشكلة إدارية تمويلية مالية، كما أن هناك بطئاً كبيرة في تنفيذ المشاريع، وهذا البطء مخيف، وسيؤدي حتماً إلى تدهور وضع الصناعة ووضع القطاع العام. فمثلاً ُدرس مشروع إنشاء معمل سماد آزوتي في منطقة القريتين على أساس نقل المياه من الفرات إلى تدمر، ولم تنفذ منه خطوة واحدة حتى الآن. والدكتور عصام الزعيم قدّم دراسات عديدة حول واقع القطاع العام الصناعي منذ العام 2005، ووضعت أيضاً مع الدكتور عصام دراسات حول واقع القطاع العام الصناعي، لكنه إلى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوة إيجابية في هذا المجال.

مشروع تحديث القطاع العام بدأ في العام 2002، ولم يتم توقيع الاتفاق إلا في العام 2006، وفي العام 2007 بدأ العمل، فالمشروع يشتمل أساساً على /40/ شركة، والآن أصبحت /35/، ثلاث شركات منها فقط للقطاع العام، والباقي للقطاع الخاص، و/21/ مليون يورو التي ستأتي من الاتحاد الاوروبي ستكون بمعظمها للقطاع الخاص.

نحن لسنا بحاجة إلى أفكار غير سورية، لأننا نمتلك العديد من الاختصاصيين في كافة المجالات، قادرين على إعداد دراسات اقتصادية وفنية ومالية للإصلاح، ولتطوير وتحديث القطاع العام، لكن وصفات البنك الدولي، وصفات صندوق التنمية الصناعية الدولي تقبل رضى واهتمام أكبر من قبل الحكومة.

وأدعو في الختام إلى عقد مؤتمر اقتصادي لبحث ودراسة قضية الإصلاح في القطاع العام، على أن يشارك في هذا المؤتمر من ترغب الحكومة في إشراكه من جانبها، ويشارك من الجانب الآخر صناعيون واقتصاديون منتقدون للأداء الحكومي، ولطريقة الإصلاح المتبعة.