البنك الدولي في مؤسساتنا موجّهاً!!
على مدى أكثر من أربعة عقود ونحن نقرأ عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودورهما وممارستهما حيال البلدان النامية، وقد وصلت هذه الممارسات إلى درجة تمويل انقلابات عسكرية في بعض بلدان أميركا اللاتينية، وأبرزها الانقلاب على الرئيس سلفادور الليندي في تشيلي.
الاقتصاد أولاً
حدد البنك الدولي مؤخراً مفهومه للإصلاح الاقتصادي على أنه تغييرات جذرية في منهج الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث يؤدي إلى تغيير في سلوك الأفراد نحو الاقتصاد بشكل عام. وقد تفعّل دور هذه المؤسسات المالية في السنوات الأخيرة، وتلخص عملها في ظل العولمة في عدة نقاط أبرزها:
ــ إيجاد (حلول) لمشاكل مديونية الدول النامية لإزالة الاختلالات الاقتصادية والتشوهات الهيكلية لتتلاءم مع نظام الاقتصاد الحر، دون إعطاء الأولوية للآثار الاجتماعية لهذه العمليات، ومواقف الرفض لهذا النهج.
ــ ممارسة الضغط المستمر للإسراع بتفكيك القطاع العام وبيع وحداته من خلال سياسة الخصخصة، عملاً بمبدأ اقتصاد السوق بصرف النظر عن عدم تأييد المواطنين لهذه التدابير التي تتجاهل الأبعاد الاجتماعية المترتبة عليها.
ــ تقليص القروض المقدمة من البنك الدولي للقطاع الزراعي في البلدان النامية، مما أدى ويؤدي عملياً إلى تدني الدخل في الريف وحفز الهجرة إلى المدن.
ــ وضع صندوق النقد الدولي برامج قاسية للإصلاح الاقتصادي للدول النامية من أجل تنفيذ ما يسمى بالإصلاحات الهيكلية التي تؤدي بزعمه إلى رفع كفاءة وإنتاجية اقتصاد الوطني.
ــ تناقض برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مع اهتمامات مؤسسات ووكالات دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة.
ــ عدم مراعاة البعد الإنساني لكثير من برامج صندوق النقد بشأن التكييف الهيكلي، حيث أن الصندوق متمسك بتخفيض التضخم النقدي أولاً وقبل كل شيء، وذلك عن طريق خفض الإنفاق العام، أي خفض الاستثمارات العامة دون الالتفات إلى موضوع البطالة الناتج عن هذا التقليص.
والسؤال المطروح: هل تغيرت مهام وأهداف البنك الدولي في الأعوام الأخيرة؟
بالتأكيد لا نستطيع الإجابة دون قراءة التجارب المرة للبلدان النامية مع هذه المؤسسة الدولية الكبرى، إلا أن د. عامر حسني لطفي وزير الاقتصاد والتجارة في سورية أجاب على ذلك في افتتاح ورشة عمل للتعريف بالبنك الدولي، حيث قال: «هذا الاجتماع فرصة مهمة للتعرف بشكل أعمق على هذه المؤسسة الدولية الهامة، بما يساعد على تبادل الأفكار والآراء حول سبل تعزيز التعاون بين سورية والبنك الدولي في المجالات المختلفة، خاصة وأن سورية تسعى ضمن إطار توجهها بالانفتاح على العالم الخارجي لمد جسر التعاون والتواصل مع المنظمات الدولية الصديقة، وبالتالي سورية عضو في البنك الدولي، ونسعى للاستفادة من هذه العضوية بمزيد من المساعدات الفنية والخبرات والدراسات والمنح التي يقدمها البنك الدولي».
التحول البنيوي
أكد وزير الاقتصاد أيضاً وجود «تحول بنيوي في عمل البنك الدولي من الداخل، وفي عمله في الخارج، عبر قيام هذا الفريق أو ذاك من المتخصصين بدراسة موضوع ما مع الأخذ بخصوصية البلد المعني، مثلاً التحولات الاقتصادية في سورية حازت على شروح عديدة، ونحن نحصل على ما نريد دون المساس باقتصادنا، ونحن نحدد ما نريد».
كلام السيد وزير الاقتصاد واضح لا لبس فيه، أي أن البنك الدولي لا يمكن أن يفرض شروطه علينا. وإنما نحن نحدد الشروط والأهداف. ولكن يبدو أننا استبقنا شروط البنك الدولي وقمنا بإجراء إصلاحات اقتصادية هامة أبرزها:
إبقاء القطاع العام كما هو في واقعه يعاني من مشكلات فنية وإنتاجية، وعرض شركاته الرابحة على الاستثمار، وتصفية الشركات الخاسرة. إضافة لإلغاء الدعم عن السلع الإستراتيجية، ورفع أسعار الطاقة، وتحرير التجارة، وتشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص. وتدابير أخرى عديدة تمت في السنوات الماضية.
أكبر الخسائر
الإنفاق الاستثماري يواصل تراجعه عاماً بعد عام، وتشهد بذلك موازنات الدولة منذ عدة أعوام، وهذا التراجع في دور الدولة التنموي أدى إلى الضغط على إمكانيات توليد فرص عمل في القطاع العام.
في حين أن القطاع الخاص ليس قادراً في ظروفه الراهنة وطبيعة رساميله وهياكلها ومصادرها على ردم الفجوة الاستثمارية أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدل الاستثمار الذي استهدف في الخطة الخمسية العاشرة، وقد انعكس ذلك سلباً على إمكانيات خلق فرص عمل جديدة في سوق العمل بما يتناسب مع عرض العمل، وهو بحدود 250 ألف إنسان سنوياً.
إن تحرير التبادل التجاري خلق صعوبات كبيرة وتحديات للقطاعين العام والخاص، حيث واجها منافسة وصعوبات كانت حاسمة في العام الحالي، وأدت إلى إغلاق آلاف الوحدات الإنتاجية في القطاع الخاص، الأمر الذي فاقم البطالة.
مع انخفاض الإيرادات في موازنة الدولة لأسباب متعددة، ومنها تراجع إنتاج النفط، وتخفيض الرسوم الجمركية إلى الحدود الدنيا، وانخفاض معدلات الضريبة.
إن كل ذلك يثير سؤالاً مشروعاً حول الإمكانيات المستقبلية للدولة في تمويل مشاريعها الاجتماعية، أي الانفاق على التعليم والصحة وتمويل تعويض البطالة، وهو من أساسيات الدور الاجتماعي للدولة.
هكذا يمرر الفريق الاقتصادي في الحكومة توصيات صندوق النقد والبنك الدولي بهدوء دون صدمة كهربائية كما يقول النائب الاقتصادي.