د نجيب عبد الواحد في الثلاثاء الاقتصادي: الجامعات الخاصة أصبحت أهم مشاكل المنظومة التعليمية؟

رغم ما قد يبدو للوهلة الأولى من بعد للتعليم العالي عن الموضوعات الاقتصادية التي تتناولها عادة ندوة الثلاثاء الاقتصادية، إلا أن الدكتور نجيب عبد الواحد ومن خلال المعلومات التي أوردها في محاضرته حول التعليم العالي بين العام والخاص، قد كشف عن عمق الصلة بين التعليم العالي والاقتصاد نظراً للعلاقة الوثيقة بين التعليم من جهة والتنمية ونظمها من جهة أخرى.

تقييم التجربة

يرى الدكتور عبد الواحد أن «التعليم العالي قد حقق طفرة كبيرة ونمواً ملحوظاً خلال العقود الماضية، والتي تمثلت في تحقيق مجانية وجماهيرية التعليم، والعدالة في فرص الالتحاق لجميع الفئات الاجتماعية (النساء)، والاستثمار بكثافة في مؤسسات التعليم العالي وتزويده للنموذج التنموي الوطني بحاجته من الأطر.  إلا أنه لم يحقق مع ذلك سوى معدلات متدنية في مجالات الكفاءة النوعية الداخلية والخارجية والمتمثلة في التدني المريع لأداء القطاع الصناعي، حيث انخفضت مساهمة التعليم العالي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 7% مقابل 19% في تونس و 17% في المغرب و 13% في الأردن، وذلك بسبب ضعف المردود البشري المؤهل لخلق القيم المضافة، كما يظهر عدم كفاءة التعليم السوري في تحقيق التنمية الاقتصادية أيضاً من خلال موقع سورية في الأداء الصناعي التنافسي، حيث احتلت المرتبة 75 من أصل 88 بلداً والمرتبة 56/88 في نصيب الفرد من القيمة المضافة في الصناعة، والمرتبة 69/88 في حصة الفرد من الصادرات الصناعية و 78/88 في حصة المنتجات المتوسطة والعالية التقانة من إجمالي القيمة المضافة، ويرجع تدني تلك المؤشرات كما يراها الدكتور عبد الواحد إلى اعتماد الصناعة السورية على عمالة منخفضة التعليم وتقانات سريعة التقادم، ولأنها هدفت إلى تلبية الحاجة المحلية ضمن شروط حمائية وفرتها الدولة.

ويضيف عبد الواحد إن من مظاهر عدم الكفاية في تحقيق التنمية الاقتصادية هو انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تراجع نصيب الفرد من 60212 في العام 1990 إلى 56309 في العام1997 بالإضافة إلى هجر الاختصاصات العلمية ، ويلاحظ ذلك من خلال  تراجع نسبة المسجلين في الفرع العلمي من 60% في العام 1999 إلى حوالي 18% عام 2005.

التحديات المنتصبة

رغم الإيجابيات الكبيرة المتحققة خلال العقود الماضية إلا أن عبد الواحد يرى بأن النظام التعليمي القائم لم يعد يلبي متطلبات المرحلة القادمة، بحيث أننا نتقل إلى القرن الواحد والعشرين ونحن محملون بتركة ثقيلة من المتطلبات وبتحديات غير مسبوقة.

ويحدد عبد الواحد التحديات الداخلية التي تواجه التعليم العالي بنقاط عدة منها: تسرب رأس المال البشري وانخفاض جودة التعليم على المستويات كافة وغياب الانسجام بين مخرجات التعليم وسوق التعليم، وضغط الأعداد المتزايدة لطالبي  التسجيل في الجامعات، إضافة إلى ضعف التمويل وانخفاض الإنفاق العام على التعليم والأسلوب التقليدي الحفظي، والتحديات الخارجية المتمثلة في نمو  الاقتصاد القائم على المعرفة والتقدم التقني والمنافسة الدولية والتكتلات الاقتصادية الضخمة التي تعمل على بناء قوة اقتصادية وسياسية ذات وزن عالمي كبير وسياسات تعليمية وبحثية موحدة، شكلت بحد ذاتها عوامل تغيير قوية للمنظومة التعليمية، لأن نظام التعليم لايعمل في الفراغ، بل هو جزء من نظام اقتصادي اجتماعي وطني إقليمي.

وبالتالي لايمكن لأي نظام تعليمي (بحسب المحاضر) أن يصمد من دون نمط تنمية ملائم وحكم رشيد يعي المخاطر الخارجية ويضع الأهداف التي تحافظ على المصالح الوطنية.

ثم استعرض عبد الواحد قوى ومعالم التغيير التي ساعدت في نهوض التعليم الخاص والتي تأتي في مقدمتها تيارات العولمة وثقافة السوق التي بدأت تغزو مجال التعليم منذ التسعينات والتي تمثلت في نحو غير مسبوق لمؤسسات التعليم العالي الخاصة، وتعرض الجامعات الحكومية لغزو ثقافة السوق بأشكال متعددة من خلال فرض رسوم دراسية متزايدة تدريجياً، وإدخال أنظمة للقبول في الجامعات تستهدف استعادة التكاليف (تعليم موازي)، بالإضافة إلى التعليم المفتوح الذي أصبح قناة متزايد الأهمية لاستعادة تكاليف التعليم والحد من ضغط الطلب على الجامعات الحكومية، مشيراً في الوقت ذاته بأن التغيير العام في نمط التنمية بعد تبني معظم الأنظمة العربية لمنهج اقتصاد السوق والعمل على إعادة هيكلة اقتصادها من خلال برنامج التثبيت والتكيف الهيكلي كان أيضاً من الأسباب المهمة في بروز ظاهرة التعليم الخاص.

ويضيف عبد الواحد بأن ضغوط تحرير التجارة لخدمات التعليم العالي مهدت الطريق لكي تستقبل البلدان النامية التعليم العابر للحدود، وبدأت الجامعات الأجنبية تسلك سلوك الشركات المتعددة الجنسيات من خلال فتح فروع محلية لها أو من خلال الشراكة مع الجامعات الوطنية أو من خلال التعليم عن بعد وبرامج دراسية وتدريبية مقدمة من شركات كبرى.

الجامعات الخاصة

يشير الوضع الراهن للجامعات الخاصة إلى وجود 8 جامعات محدثة ومفتتحة بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 36 لعام 2001 وجامعتين محدثتين لم تفتتحا بعد و18 جامعة حصلت على موافقة مبدئية للإحداث و 15 جامعة تقدمت بطلب إحداث، وكانت الأهداف المرجوة من هذه الجامعات أن تكون أكثر قدرة على تقديم خدمة تعليمية متميزة، وأن تستوعب جانباً من الطلب الاجتماعي وتخفف العبء عن الجامعات الحكومية، إلا أن المؤشرات الأولية المستقاة من الواقع (حسب المحاضر) لاتدل على ذلك مطلقاً.

ويرى الدكتور عبد الواحد أن ما يميز الجامعات الخاصة هي طبيعة الملكية التي تعبر عن أهداف تجارية بحتة، بالإضافة إلى تداخل الاختصاصات ومحدودية الإمكانات حيث أنها ماتزال تعتمد في هيئتها التدريسية على الجامعات الحكومية، مشيراً في الوقت ذاته إلى مجموعة ضغوطات وتجاوزات تمارسها الجامعات الخاصة من خلال السعي المتكرر لتخفيض الحد الأدنى لمجموع الدرجات اللازمة للقبول، وتجاوز الحد الأقصى المسموح به لأعداد الطلبة المقبولين بالإضافة إلى الضغوط التي تمارس من أصحاب رأس المال على إدارات الجامعات.

وأضاف عبد الواحد «بأن الجامعات الخاصة تستمد نفوذها من المناخ المتزايد الانتشار في المجتمعات العربية والذي يجعل من تصاعد دور القطاع الخاص ضرورة حتمية مهما كانت طبيعة النشاط الذي يمارسه، علماً أن معظم المجتمعات الأوروبية لم تسمح بدخول القطاع الخاص في التعليم الجامعي على الرغم من أن عماد هذه الدول هو الاقتصاد الرأسمالي والحرية الاقتصادية وريادة القطاع الخاص!!!

وشدد المحاضر على أهمية الدور الرقابي والسيادي للدولة في قطاع التعليم متسائلاً بأن الجامعات الخاصة التي اعتبرت من جانب البعض هي أحد السبل المهمة لحل مشاكل منظومة التعليم العالي قد أصبحت هي ذاتها أحد أهم مشاكل هذه المنظومة.

إحصاءات

بلغ عدد طلاب الجامعات السورية 245000 طالب وعدد طلاب التعليم المفتوح 87114 طالباً، وعدد المعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي 34 معهداً وعدد طلابها 34138 طالب، أما عدد المعاهد التابعة للوزارات الأخرى فقد بلغت 122 معهداً وعدد طلابها 20913 طالباً فيما بلغت نسبة التسرب الوسطية بين الطلاب في المعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي بحدود 40% أما في المعاهد التابعة للوزارات الأخرى فقد بلغت نسبة التسرب الوسطية بحدود 35%.

بلغ نسبة الالتحاق بالتعليم العالي في سورية بحدود 18% في العام 2006 مقابل 28% في لبنان و50% في إسرائيل و 70% في كوريا الجنوبية.