صناعة الفساد على الطريقة السورية...
أصبح الفساد في سورية مؤسسة متكاملة، ونظاماً متماسكاً عصياً على الاختراق، حتى صار الفساد «خبرة»، امتدت عقوداً طويلة، لها خبراؤها الخاصون بها، ولها طرائق حمايتها، والتستر عليها، وغض النظر عنها، صارت لعبة لها قواعد وبروتوكولات وأصول عمل، لها تكاليفها وأرباحها، ولها استثماراتها وتوظيفاتها المادية والبشرية أيضاً، ويمكن أن أقول إنها أصبحت نوعاً من «البزنس» المنتشر بين بعض الفئات الاجتماعية، والذي يحقق مصالحها بشكل هادئ وسريع...
عقود من الفساد والهدر...ثم ماذا بعد ذلك...إما أن يفر الفاسدون وأموالهم، وإما أن «تضيع الطاسة» ويعفو الله عما مضى، والكارثة الكبرى أن كل عمليات الفساد التي تحدث ضمن جهاز الدولة ذاته، أو مع ذلك الجهاز، يكون الفاسدون والمتواطئون معهم هم من صلب ذلك الجهاز، ومن مواقع إدارية وتنفيذية مختلفة، مما يدل على أن شبكة الفساد متكاملة ومعقدة ومحكمة جداً.
والسؤال هو كيف يمكن لحالات فساد في بعض المواقع الاقتصادية والسياسية أن تستمر لمدة 20 عاماً أو ثلاثين عاماً دون أن يوضع حد لها؟ أو دون أن يعلن عنها أو تكشف من أحد ما؟ إن الجواب بسيط جداً: فإما أن يكون ذلك الفساد مكشوفاً ومعروفاً لبعض الجهات لكنها تغض النظر عنه باستمرار كونها تحقق العديد من المكاسب منه، وبالتالي لا ترغب في فضحه، أو أنها تغض النظر عنه كون الفاسدين هم في مفاصل اقتصادية وسياسية حساسة، ومن غير المرغوب به فضحهم علناً، وهو ما يفتح مجالاً للمساومة معهم مقابل طي ملفات فسادهم دون ضجيج، والتكتم عليها، وإما أن يكون جهاز الرقابة ضعيفاً إلى درجة الهشاشة فلا يستطيع أن يضبط عمليات الفساد تلك، وإما أن يكون ذلك الجهاز نفسه متواطئاً مع الفاسدين ويغض النظر عنهم مقابل نيله حصة من نتائج ذلك الفساد أيضاً.
في كل الحالات السابقة لا مبرر لاستمرار الفساد ولا يحق لأحد أن يغلق أي ملف من ملفات الفساد دون محاسبة صارمة وشديدة لكل أطرافه، ومهما كانت مناصبهم وامتيازاتهم، أما أن يصبح للفساد «استثناءات» فيحاسب البعض، ولا يحاسب البعض الآخر، فهذا معناه أننا نرقي، ونعزز، ونعمم تلك الظاهرة، ونرسخ تقاليدها أيضاً.