ثلاثة نماذج لأسعار العقارات الجنونية حتى السكن المتواضع أصبح مستحيلاً
تشكل قضية ارتفاع أسعار العقارات والأراضي بصورة غير مسبوقة والتي يراها الخبراء الاقتصاديون بداية الكارثة على مجمل الاقتصاد الوطني، استحقاقاً صعباً للحكومة المتخبطة في سياساتها وخططها، والتي طالما رددت جملة طنانة ورنانة يسمعها المواطنون عشرات المرات عند نهاية كل اجتماع يعقده الطاقم الحكومي: «الحكومة ستجد الحلول»..
ويتلقى المواطنون وعوداً بأن الحكومة ستلاحق كل القضايا الملحة في هذا المجال وتحلها، بينما يحصل العكس، فلا مناطق المخالفات والسكن العشوائي تنظمت ولا الحكومة أمنت السكن الشعبي الرخيص للمواطن، ولا أجور السكن باتت تطاق.. إلخ..
«قاسيون» التي لا تثق إلا بما يؤكده الواقع كانت لها جولة على ثلاث مناطق في دمشق للوقوف على حقيقة ارتفاع أسعار العقارات من خلال المواطنين أنفسهم، فسجلت الشهادات التالية:
جرمانا.. والخطأ الشائع
* رعد.ع: من سكان جرمانا يقول: لم أعد أعرف ما يجري حولي أصبح كل شيء كالخيال شقة بثلاث غرف ومن دون فرش على الشارع العام تؤجر بـ20000 ألف ليرة سورية، أصحاب البيوت ما عادوا يؤجرونها للسوريين.. ويقولون لنا «بوجود العراقيين نحن لسنا بحاجة لكم! الأولوية لمن يدفع أكثر». ويضيف رعد: كلما انتقلت من بيت لآخر نتيجة الطلب في زيادة الأجرة أسمع الكلمة نفسها «انتو كحتة»!
* أما ياسر.م: وهو صاحب عقار مؤجر، فدافع عن موقفه بشدة وأكد أن المتهم برفع أسعار البيوت ليسوا الدراويش، بل الذين «يأخذون أسعاراً فاحشةعلى طن الإسمنت والحديد»، وهو يرى أن في سورية كل البضائع ترتبط بعضها ببعض والأسعار كاوية لكل البضائع وليس في مجال السكن فقط، ويضيف: ما ذنبي إذا كان صحن السلطة يكلف أكثر من 200 ل.س أي راتب موظف في اليوم، والحمد لله أن المستأجرين عندي ليسوا سوريين!
* روبيرت.ج: شاب عراقي يسكن في جرمانا التقيناه في الشارع وقلنا له إن بعض السوريين يجعلونكم السبب الرئيسي لارتفاعات الأسعار وخاصة العقارات فما رأيك؟ قال هنا في جرمانا أصبح أكثر السكان من العراقيين، صحيح. ولكن السؤال هل ستنزل الأسعار إذا عاد العراقيون إلى بلدهم؟ لا أظن ذلك، لأنكم دائماً تهربون من السبب الرئيسي، وأعني سياسة حكومتكم التي ما تزال بدائية في حل المشاكل، ويضيف بجرمانا آمنت بالله.. نحن السبب، ولكن من سبب الارتفاعات في القنيطرة أو حماه مثلاً؟؟
مساكن برزة.. الأسعار نار
أيمن.ا قال: منذ زمن بعيد ومنطقة مساكن برزة تعد مكاناً مقصوداً لكل راغب في السكن متوسط الحال، وهذا بسبب طبيعة سكان الحي ومعظمهم من الوافدين أصلاً من المحافظات الأخرى، والدول الأخرى، فعند بداية الحرب الأهلية بلبنان توافد الأخوة اللبنانيون وسكنوا فيها ومع بداية حرب القبائل في الصومال حضر الأخوة الصوماليون بالمئات ثم بالألوف واليوم يتوافد الأخوة العراقيون بمئات الألوف.. كل هذا الإقبال جعل منها منطقة سياحية من الدرجة الأولى للخليجيين ومن ثم للغجر والفنانين والفنانات وبائعات الهوى وفهمكم كفاية.. كل ذلك ساهم في ارتفاع أجور الشقق السكنية المفروشة هنا حيث يتراوح إيجار الشقة مابين عشرة آلاف ل.س للشقة الأقرب إلى التواضع والسوء، وأربعين ألف ل.س وأكثر للشقة الديلوكس. كذلك ارتفعت أسعار البيوت والمحلات التجارية، فأصبح سعر البيت الذي لا يتجاوز 60م2 ثلاثة ملايين ل.س، والسعر يزداد طرداً مع ازدياد المساحة حتى يصل إلى 6 أو 7 أو 8 ملايين ل.س، وأسعار الفروغ للمحلات التجارية يتراوح ما بين المليونين والعشرين مليوناً حسب الموقع والأهمية، وإيجار المحل ما بين /15/ ألف والخمسين ألف ل.س شهرياً، وكذلك حسب الموقع والأهمية، وأنا كمتابع استغربت من الأسباب التي وضعتها الحكومة فموقفهم كان ضعيفاً جداً وتهربوا من الأسباب الحقيقية.
المزة.. حلم بعيد المنال!
يوسف.م. من سكان المزة يقول: في المزة الشقة تبدأ من العشرة آلاف وتصل إلى /60/ ألف ل.س، أي /2000/ ل.س باليوم!! والأكثرية الساحقة من المستأجرين من غير السوريين. ولكن هذا لا يعني أن هؤلاء الوافدين هم السبب الأول والأخير، فهناك حلقة ضائعة في هذه القصة، وهذه الحلقة كانت البداية للارتفاعات الأخيرة على جميع السلع، ففي منطقة الشيخ سعد مثلاً كان كل شيء غالي الثمن باستثناء الشقق والمحلات.. الآن أسعارها خيالية فاستئجار محل على الشارع يكلف أكثر من ستين ألف ل.س سواء للغريب أو ابن البلد، فهذه الأرقام لم نسمع بها حتى في أرقى مناطق العاصمة سابقاً.
أما الطالب هـ.ا: الذي أكد على عدم ذكر اسمه فقال: نحن سبعة طلاب نسكن في شقة واحدة حتى نستطيع دفع الإيجار..لم يعد هناك شيء مستحيل في سورية، كل شيء محتمل ومتوقع، فنحن بصراحة نعيش تحت خط الفقر بدرجتين (إذا بدّك) ويضيف: «كنا نفطر ونتعشى البيض، الآن حتى شراء البيض صار بدو تفكير طويل.. الله يعيننا ويعين أهالينا ويعين وطننا على هؤلاء السماسرة والتجار ومصاصي الدماء».
إن الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة هي البحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الارتفاعات، ومن أهمها البحث في ما تفعله الأموال الضخمة المحلية والعربية، البيضاء والسوداء، التي راحت تغزو سوق العقارات، وإلام ترمي من وراء ذلك؟
أيضاً هناك موضوع الـ(500) ألف شقة الفارغة في دمشق، وسياسة التوقف عن السكن التعاوني والتي ضُربت بفعل فاعل من دون إنذار وبالهمس..
لعل فتح هذه الملفات سيكشف الكثير من المستور والخفي وسيوصل الكثيرين من لصوص المال العام إلى حافة الهاوية أو بصريح العبارة إلى حافة الحاوية وهي مكانهم الطبيعي!!