كفاءة الاستثمار في الاقتصادات العربية وعلاقتها بالنمو
ألقى د. محمود عبد الفضيل ضمن نشاطات جمعية العلوم الاقتصادية محاضرة بعنوان: «كفاءة الاستثمار في الاقتصادات العربية وعلاقتها بالنمو» بين فيها شروط الاستثمار الحقيقي التي يأتي في مقدمتها: المناخ السياسي والاقتصادي والمالي الملائم بعيداً عن تسليم مفاتيح الاستثمار والاقتصاد إلى الرأسمال العالمي والشركات الاحتكارية التي تعني في النهاية وبكل بساطة «استقالة» الدولة من المهام المنوطة بها.
إن هذه الأمة لن تنتصر إلا إذا استخدمت الوسائل التنموية الصحيحة والجيدة، وهذا عكس ما نراه بسبب الفساد. فاليابان عندما تكشف الفساد ينتحر الفاسد فوراً. في أوربا يستقيل، أما عندنا في معظم الدول العربية يكرم بمنصب أعلى ليسرق وينهب أكثر!!
الاستثمارات العربية
إذن كان لا بد من وقفة تأملية بعد أن نمت دول عديدة كانت في مصافي الدول المتخلفة وخاصة في فترة الستينات.. هذه الوقفة التقويمية للاستثمارات العربية ساهم فيها الكثير من الاقتصاديين العرب الذين سخّروا وقتاً كبيراً لدراسة التجارة البينية كمؤشر لتقدم علاقات الاقتصادات العربية أو التعاون فيما بينها.
التقرير السنوي الذي تصدره المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، بيّن الطفرة الحقيقية للاستثمارات البينية العربية، ففي 2005 كان الحجم 38 مليار دولار، فيما لم يكن يتجاوز في 2004 الـ /6/ مليار دولار. والسبب واضح، وهو إعادة التوطين الكبير للأموال العربية من الأسواق الأمريكية والأوربية نتيجة الظروف السياسية التي نمر بها. ومن المستغرب أن معظم الاستثمارات البينية الخاصة تذهب للسعودية كمصدر ومستقبل في نفس الوقت، تليها السودان ولبنان والمغرب وسورية، ومن الملفت أن قطاع الخدمات كانت له حصة الأسد في الاستثمارات العربية حيث وصل إلى 90% من حجمها وخاصة في مجال الاتصالات والخدمات المالية والسياحة.
لكن هناك مغالاة في القطاع العقاري، وقد أصبح البعض يسميه فقاعة عقارية وفقاعة استثمارية.
الرصيد التراكمي للاستثمارات العربية البينية خلال أعوام 1985 ـ 2004 كان 36 مليار دولار أي بمتوسط سنوي وصل 3.5 مليار دولار وهذا مبلغ ضئيل جداً جداً.
إذا قارنا ذلك مع السنوات العشر الأخيرة أي من 1995 ـ 2004 فإن معدل التضخم السنوي المتوسط أقل من 2.7 مليار. وهذا يؤكد أن معظم الأموال لم تدخل في العملية الإنتاجية للاقتصاد العربي.
فالاستثمارات ذات الطابع المؤسسي في الشراكة العربيةلم تدخل أيضاً سوى ضمن الاستثمارات النفطية التي لم تكن نتائجها جيدة أيضاً. لذا اعتمدت قمة عمان الاقتصادية 1980 المخطط التأشيري الذي لا بد منه كرؤية شاملة للعملية التكاملية والتكافلية، وإلا فإن الاقتصاد الذي لا يملك أي خطة أو توجه سيؤدي إلى نتيجتين خطيرتين:
الأولى: توقف عملية التعميق الصناعي في المنطقة العربية والذي لايزال في بدايته..
والثانية الطبيعة الرخوة والريعية للاقتصادات العربية.. وجميع التوافقات التي حصلت في السنوات الأخيرة ضد العملية الاستثمارية هي للتوافق مع متطلبات العولمة، أي عودة لفتح أبواب الاتصالات بأموالها الضخمة والخدمات المالية في ظل الأسواق المالية والسياحة لكي تتكامل مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة القائمة في المنطقة. هذا النمط الذي توافق مع العولمة في ظل السياسات الانفتاحية الجديدة، وسياسات التكيف الهيكلي من قبل الحكومات العربية والركض إلى (أمنيات) توافق واشنطن الذي مهمته تحرير الأسواق، الخصخصة، الاندماج في السوق العالمية الذي تراجعت عنه السياسات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية بعد المد اليساري وصعوده في عدة بلدان منها.
وبين المحاضر أن مشكلة الدول العربية في الرخاوة الاقتصادية لأن طبيعة البرجوازية والرأسمالية المحلية هي رأسمالية ليست قوية كما هو الحال في آسيا.
إنها تبحث عن الربح السريع وسلوكها الاقتصادي غير متين، خاصة ما يتعلق بالمضاربة، لذلك فالتكيف الذي نستخدمه هو تكيف سلبي وليس إيجابياً، فالتعامل مع العولمة إما يكون بالشروط الوطنية أو حسب الشروط الكمبرادورية.
فالسوق العقارية تشهد حالة من الجنون وخاصة في دبي، والتي وصل حجم الاستثمارات العقارية فيها إلى نصف تريليون دولار في السنوات الأخيرة، ومعدل النمو السنوي 100%.
ولخص د. عبد الفضيل محاضرته بعدة نقاط:
أولها: تراجع مسألة الأمن الغذائي وإهمال الزراعة نتيجة نقص الاستثمار.
ثانياً: تراجع الصناعة وأزمتها خاصة في قطاع الغزل والنسيج.
ثالثاً: سيطرة الشركات الرأسمالية ذات الرأسمال الاحتكاري على فروع عامة للنشاط الصناعي في المنطقة وأهمها «الإسمنت، الأدوية، الكيماويات والمنظفات...).
كل ذلك أدى إلى اختفاء وتفتيت التكامل العربي- العربي، وظهور التكامل مع الشركات الأجنبية والاندماج معها وبالشبكات التي تديرها وخاصة ما يسمى باقتصاد السوق.
المداخلات بنكهة سورية
د. عصام الزعيم: المحاضرة طرحت علينا مسألة هامة وهي تتعلق بتوسيع البعد الجغرافي للتنمية الاقتصادية القطرية في ظرف عالمي يتصف بالعولمة لتصبح تحدياته كبيرة بدءاً بفتح الشركات مروراً بنمط الأسواق وانتهاءً بأنواع التجارة الدولية، ومن المفيد القول إن التنمية القطرية بقيت سائدة، وإن التوسع الصناعي بدأ يحصل في دول خليجية عديدة.
د. منير الحمش: إن ما يدعى الفقاعة الأخيرة أي (العقارات) والاتجاه نحو الخدمات المالية والسياحة والاتصالات، قد يكون مطلوباً ولكن المشكلة أنه ترافق مع شروط بمعنى أن المستثمرين العرب اشترطوا لكي يتجهوا إلى السوق السورية أن يتم إطلاق تحولات وهذا ما يندرج تحت لواء العولمة ومتطلباتها وهذا ما نسمعه بين حين وآخر من توجهات من الإدارة الاقتصادية بالقول إن السياحة وأحياناً الانفتاح والتجارة الخارجية هي قاطرة نمو وبالنهاية هدفها الاندماج بالعولمة وبالاقتصاد العالمي. فالاستثمار الأجنبي طلب أن يتم تعديلات في القوانين السورية بحيث يكون باستطاعتهم الدخول والخروج في أي وقت يشاؤون وهذا ما تم في قانون الأسواق المالية والبورصة بنص صريح شراء الأسهم والانسحاب متى شاء.
غسان القلاع: في مطلع الخمسينات من القرن الماضي وفي وقت لم تظهر فيه السوق الأوربية المشتركة بعد، وفي المؤتمر الأول لغرف الزراعة والصناعة والتجارة العربية، جاء في أحد المقررات ما يسمى «بالسوق العربية المشتركة»، إلا أن الحكومات العربيةلم تساعد على إقامة هذا السوق أو تنشيطه أو المساعدة في القيام بالتجارة البينية في ظل القواعد الجمركية العربية وقصور وسائل المواصلات والتسهيلات المالية كنقاط أساسية لها، فبدون التجارة المالية لا يمكن الحصول على تنمية كاملة متوازنة في البلاد العربية. والسؤال: لماذا لم يتطرق المحاضر إلى المناخ الاستثماري؟ ولماذا استقطبت المملكة العربية السعودية 75% من هذه الاستثمارات؟ ولماذا لم يتم النظر إلى الاستثمارات النفطية أي المال النفطي في دول شمال أفريقيا كالمغرب؟ والسؤال الأهم كيف بإمكاننا أن نتلمس الطريق الصحيح في إيجاد العمل العربي المشترك لتأسيس نهضة صناعية زراعية وتجارية؟؟
د. نبيل مرزوق: إن الاستثمارات التي توجهت إلى الدول العربية هي استثمارات ذات رؤوس ريعية نفتقد الخبرة الصناعية فسورية بفترة التأميمات خرجت رأسماليين سوريين إلى الدول العربية المجاورة وقاموا فيها بعض الصناعات.. إن طبيعة الرأسمال هي التي تحكم طبيعة الاستثمار وهذا يتم في ظل آلية جديدة التي نسميها ليبرالية السوق..
■ متابعة علي نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.