د. منير الحمش خاص ــ قاسيون: د. منير الحمش خاص ــ قاسيون:

هل التجارة الخارجية - حقاً - قاطرة للنمو الاقتصادي ج «2»

في ندوة الثلاثاء الاقتصادية التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية السورية، قدم الدكتور عامر لطفي وزير الاقتصاد والتجارة في سورية بتاريخ 20/3/2007، محاضرة حول التجارة الخارجية في سورية. لعل أهم ما جاء فيها: دعوته بأن تكون سياسة تحرير التجارة الخارجية جزءاً أساسياً من برنامج الإصلاح الاقتصادي انطلاقاً من أن «التجارة الخارجية هي قاطرة للنمو الاقتصاد».

 وقد قدم د. منير الحمش عقب انتهاء المحاضرة مداخلة هامة قدمنا الجزء الأول منها في العدد الماضي، ونقدم في مايلي الجزء الثاني ...

تعمل الدول الصناعية المتقدمة، من أجل المحافظة على تقسيم العمل الدولي القائم الجائر وغير العادل، بين البلدان النامية وبينها، على إعاقة التنمية في البلدان النامية، وعلى تكريس حالة التخلف لإبقائها مصدراً للمواد الأولية والطاقة، وسوقاً لمنتجاتها الصناعية.

وفي هذا الإطار، فإنها تسعى (إلى الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة) إلى إلحاق البلدان النامية (حسب الحال) بالاقتصاد العالمي عن طريق تكتلات اقتصادية إقليمية تتولى قيادتها. وفي المنطقة العربية تجلى ذلك بمشروعين: الشراكة المتوسطية مع أوربا، والشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الأوسع.

الأول تطرحه أوربا، والثاني تطرحه الولايات المتحدة.

وتكتسب مثل هذه التكتلات والمشاريع أهمية خاصة في منطقتنا العربية، من حيث كونها وسيلة للتطبيع مع إسرائيل، كما أنها تمنح إسرائيل دوراً قيادياً من خلال المزايا والتسهيلات والمساعدات المادية والمعنوية.

ومن الواضح أن أية عملية تطبيع مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال للأراضي العربية (وفي سورية لا ننسى الجولان) واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية فإنه يعتبر تفريطاً مذلاً بالقضايا الوطنية والقومية. فضلاً عن ذلك، فإن إقامة مثل هذه العلاقات يعني تولي إسرائيل دوراً مهيمناً على الاقتصاد العربي.

لقد كان للقطاع الخاص السوري، ولا يزال، دور أساسي في الاقتصاد الوطني، وفي العمل الوطني. ولا بد أن يكون لهذا القطاع دوراً أساسياً إلى جانب القطاع العام، أما عن السوق وآلياته وقواه فلا يمكن الركون إليها من أجل تحقيق التنمية، ولا بد من دور للدولة يتمحور حول التحفيز والتشجيع والدعم للقطاع الخاص، إلى جانب قيامها بالاستثمار في المشروعات التي تفوق قدرات القطاع الخاص، أو أنه يحجم عنها بسبب طبيعتها، وكذلك في المشروعات الخاصة بالبنية التحتية والمواد الاستراتيجية.

ويأتي ذلك في سياق نظام يزاوج ما بين التخطيط والسوق. ولا ينسى أو يهمل المسائل المتعلقة بحل مشكلات الفقر والبطالة، والارتقاء بمستوى معيشة الشعب. وإذا كانت التجارب التاريخية تعلمنا بأن اقتصاد السوق لم يستطع أن يحقق النمو الاقتصادي في البلدان النامية، فضلاً عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو يؤدي فقط إلى تشويه الاقتصاد والاحتكار والفوضى، فإن ثمة أمرا آخر يجب أن يراعى وهو تصاعد دور ما يدعى برجال الأعمال الجدد، الذين تم (تصنيعهم) في أنابيب الرأسمالية والعولمة. فهؤلاء الذين يعتبرون بمثابة رُسل للعولمة، والليبرالية الاقتصادية الجديدة، لا يهمهم إلا تحقيق الأرباح وضخها إلى الخارج. وإذا كان نشاطهم يقتصر اليوم على القطاع الاقتصادي فإنهم سيطالبون غداً بنصيبهم في العمل السياسي تمهيداً لامتلاك القرار الاقتصادي والسياسي معاً.

وأخشى ما أخشاه، أن تصدق نبوءة (شواب) الأمين العام لمنتدى دافوس عندما قال منذ عامين، إن «مسألة السلام يجب ألا تترك للسياسيين والدبلوماسيين ولابد من أن يكون لرجال الأعمال دور فيها.

وقد وجدنا كيف أن بعض رجال الأعمال في مصر قاموا بالمفاوضات من أجل اتفاقية (الكويز)، خارج إطار الحكومة المصرية، وبعد أن تم الاتفاق عُرض على الجهات المختصة وقامت بالمصادقة عليه دون عرضه على مجلس الشعب.

نقول ذلك للتنبيه والحذر، مع التنويه للفارق الكبير بين هؤلاء وبين رجال الأعمال الوطنيين الذين استمروا في المحافظة على دور القطاع الخاص الوطني.

نعود الآن إلى مقولة «التجارة الخارجية قاطرة النمو» وهي المقولة التي تأتي في إطار الليبرالية الاقتصادية الجديدة، التي تدعو إلى تحرير التجارة وانفتاح الأسواق، وترتبط فضلاً عن ذلك بسياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي والتثبيت الهيكلي التي يوصي بها الاتحاد الأوربي وتوافق واشنطن (بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحكومة الولايات المتحدة).

وللرد على هذه المقولة، نقول، إن الإنتاج (الصناعي والزراعي والخدمات المرتبطة بالإنتاج) هو قاطرة النمو، وهو السبيل إلى تحقيق النمو والازدهار. وأن «التحرير قبل التمكين خطر جسيم» يهدد الاقتصاد الوطني برمته.

ولا نريد أن نسهب في دحض مقولة الفريق الاقتصادي الحكومي، في تحرير التجارة والأسواق والانفتاح (السداح المداح) ولكننا في هذه العجالة، نعود إلى دروس التاريخ التي لا تؤيد توجهات التحرير وإلغاء الحماية والدعم الهادف إلى مساعدة الصناعات الناشئة في الدول النامية على اكتساب القدرة التي تمكنها فيما بعد من مواجهة المنافسة مع المنتجات الأجنبية.

ونلفت النظر قبل ذلك إلى الارتباط الوثيق بين الأمن القومي، والأمن الاقتصادي، وبين الأمن الاقتصادي وتعزيز قوة الاقتصاد، وبين قوة الاقتصاد وقوة الدولة. فإذا كانت السياسات الاقتصادية التي تستهدف التحول نحو اقتصاد السوق، هي السياسات التي يروج لها في إطار الدعوة إلى الالتحاق بالاقتصاد العالمي المعولم.

وإذا كان هذا التحول هو ما تسعى إليه الولايات المتحدة وأوربا (وضمناً) إسرائيل، فلأن هذه السياسات من شأنها إضعاف الدولة. وبالتالي إضعاف قدرتها التفاوضية تجاه ما يطرح من مشاريع خارجية.

ونورد هنا تلخيصاً لهذه الدروس التاريخية أورده البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالاشتراك مع عدد من الهيئات الأخرى في تقرير بعنوان «جعل التجارة العالمية تعمل لصالح الناس» مما يدحض ادعاءات الليبرالية الاقتصادية الجديدة ودعاة اقتصاد السوق وتحرير التجارة. جاء في التقرير ما يلي:

1 - العلاقة المتيقن منها هي أن الدول تقوم بإلغاء الحواجز وتحرير التجارة كلما ازدادت ثراءً وتقدماً. وليس قبل ذلك. أي أن النمو هو ما يؤدي إلى تحرير التجارة، وليس العكس.

2 - يعتبر الاندماج في الاقتصاد العالمي، نتيجة للنمو والتنمية الناجحين، وليس شرطاً مسبقاً لهما، أي أن الاندماج قبل إحراز مستوى معقول من النمو والتنمية مسلك خاطئ.

3 - ليس من المنطقي تطبيق قواعد تجارية موحدة على مختلف الدول بغض النظر عن مستوى التطور الذي أحرزته كل منها. وثمة حاجة إلى النظر إلى القواعد التي تحابي الأطراف الأضعف في الاقتصاد العالمي (المعاملة التفضيلية أو المعاملة الخاصة والمتميزة بإصلاحات منظمة التجارة العالمية) على أنها قواعد مكملة للقواعد العامة للنظام التجاري العالمي، وليست مجرد استثناءات منها.

4 - ثمة حاجة للتحول من تركيز النظام التجاري الحالي على الترويج لتحرير التجارة والنفاذ إلى الأسواق، إلى تزويد الدول بحيز أوسع لرسم السياسات الوطنية. وهو ما يعني ضرورة تخفيف القواعد والمعايير والالتزامات الدولية المفروضة من الخارج. والتي عادة ما تفرض لصالح الأطراف الأقوى في النظام الاقتصادي والتجاري العالمي، وإفساح المجال بالتالي أمام الدول النامية لتغليب المصلحة الوطنية عند وضع سياسات النمو والتنمية.

وبعد.. ألا يستحق الأمر مناقشة هادئة تضع النقاط على الحروف، انطلاقاً من مصلحة الاقتصاد الوطني، ومصلحة سورية في مسيرتها السياسية والاقتصادية؟

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 13:28