ندوة الثلاثاء الاقتصادية حول: تحديات التنمية والأمن القومي د. نبيل سكر: تغيير الخطاب الاقتصادي للسير مع دول الاعتدال
بحضور قليل وبعد تأخير استمر أكثر من نصف ساعة عن المحاضرة، على عكس سرعة السياسات الليبرالية القائمة، ألقى د. نبيل سكر في 10/4 محاضرة حول الانخراط في العولمة..
يرى د. سكر في أول محاور المحاضرة أن الاقتصاد العالمي شهد أربعة تحولات رئيسية خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية، وهو على مشارف محطة خامسة، وهذه المحطات هي ظاهرة النمور الآسيوية في السبعينات والثمانينات، وسقوط نظام التخطيط المركزي في الاتحاد السوفييتي وكتلته الشرقية، وظاهرة العولمة الاقتصادية ودولة الاتصالات والمعلومات، وانضمام دول شرق أوربا للاتحاد الأوربي في السنتين الأخيرتين، وظاهرة الموجة الجديدة من العولمة التي تتمركز بانفتاح دول كبيرة بالعالم الثالث كالصين والهند البرازيل على العولمة والثورة الرقمية، مما يعني أن العولمة التي تتصف بالتدفق والتجارة ورؤوس الأموال أصبحت قدراً محتوماً.
ثاني المحاور العولمة السياسية التي تلازمت مع العولمة الاقتصادية، وسببها سقوط الاتحاد السوفييتي السابق وكتلته الشرقية، مما حول النظام السياسي من الثنائية إلى الأحادية، وقد أدت ممارسة الدولة العظمى الأحادية إلى تراجع الأمم المتحدة عن تحقيق السلام في العالم، وخلقت شعوراً كبيراً بعدم وجود الأمان وخصوصاً في الشرق.
ثالثاً- «إسرائيل» التي استطاعت بعد 60 سنة من تأسيسها أن تصبح واحدة من الدول الصناعية في العالم، والناتج «القومي» فيها 123 مليار دولار، ومتوسط دخل الفرد 18.600 دولار، بينما متوسط دخل الفرد في الدول العربية النفطية يبلغ 4000 دولار. واستطاعت «إسرائيل» الاندماج الكامل بالنظام الاقتصادي العالمي وتسعى للهيمنة الاقتصادية في المنطقة في حالة حصول السلام مع جيرانها وخاصة بعد فتح الدول العربية حدودها لها.
أما المحور الرابع الوطن العربي من حيث التنمية والأمن، فيبلغ الناتج المحلي العربي 418 مليار دولار وتضم المنطقة العربية 5% من سكان العالم ولديها 60% من الثروة النفطية لكنها تعاني من أزمة تنمية حقيقية، ولم تستطع أن ترفع المستوى المعيشي للمواطن وإقامة تشكيل نظام اقتصادي وسياسي إقليمي ذي وزن ، كما قامت في الوطن العربي أنظمة حكم احتكرت السلطة وسيطرت على المجتمع وحدت من المشاركة الشعبية.
المحور الخامس الحالة السورية التي تراكمت فيها المشاكل الاقتصادية على مدى الثلاثين السنة الماضية، متمثلة بالجمودات بالهياكل الاقتصادية، وتدني المعدلات الإنتاجية، وتزايد البطالة، وضعف التصدير، مما جعله عرضة للصدمات الخارجية، وظلت سورية غير مندمجة بالاقتصاد العالمي تجارة واستثماراً.
وأضاف د. سكر أن سورية عانت أيضاً من نزيفين أساسيين هما: النزيف المالي والبشري، فالنزيف المالي تشكل من الخسائر السنوية الباهظة التي تتكبدها مؤسسات القطاع العام الاقتصادي والتي بلغت 85 مليار سورية في العام الفائت، والنزيف البشري بهجرة الشباب الذي يعني حرمان الاقتصاد الوطني من الموارد البشرية. ورأى د. سكر أن أهم ما يميز الاقتصاد السوري خلال السنوات الخمس الماضية زيادة دور القطاع الخاص وتحديث البنية التشغيلية والتنظيمية وتطوير القطاع المصرفي والمالي وتحرير التجارة، وقد تجاوزت الإصلاحات المحطة الرئيسية في العام 2005 حين تبنت الدولة والحزب مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي.
واقترح د. سكر نموذجاً يرتكز على ثلاثة مرتكزات هي الارتقاء التكنولوجي بشقيه التقليدي والحديث، المهارات البشرية العالية، والأجور المرتفعة، وهذا النموذج يزيد الإنتاجية ويقلل المنافسة ويساعدنا على النمو المستدام.. يتيح الإنتاج سلعاً ذات تقنيات عالية بأجور عالية بما يعزز قدرتنا التنافسية بالاقتصاد العولمي!!، ويزيد القدرة على التصدير وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والدخول في حلقات الإنتاج والتسويق العالمية، ويعزز قدرتنا على الردع العسكري من خلال الارتقاء التكنولوجي وتطوير مهاراتنا البشرية، ويرفع قدرتنا التنافسية في مواجهة التحدي الإسرائيلي (بعد السلام؟).
وأكد د. سكر بأنه علينا السير بهذا الطريق لأنه ليس هناك خيار آخر، وأن سورية بإمكانها أن تلعب دوراً ريادياً في إحياء النظام الإقليمي العربي استعداداً لمرحلة السلام مع إسرائيل في المنطقة، وذلك من خلال التحاور مع كل من مصر والسعودية حسب القمة العربية في الرياض باتجاه تحالف ما بين مجموعة من الدول العربية لمواجهة القوة الإيرانية!! «أي الدول المعتدلة ومشروع رايس الأخير» ويقول د. سكر إذا أرادت سورية رفع دورها فعليها تغيير خطابها الاقتصادي لتعزيز موقعها الاقتصادي في المنطقة من جهة، ليتماشى مع الأنظمة الاقتصادية الليبرالية بجميع أقطار الوطن العربي «هل يطلب سكر من سورية تغيير خطابها الاقتصادي أكثر من هذا؟». مضيفاً أن سورية لا تستطيع أن تطير خارج السرب، والتكامل الاقتصادي العربي الجديد لا يمكن إلا أن يعتمد على القطاع الخاص والمتوقع منه أن يبادر إلى تعزيز تدفق التجارة والاستثمار «كشف عن أنيابه».
إن النظام الإقليمي العربي يجب أن يكون ليبرالياً، وإن الدفاع عن التخطيط المركزي لم يعد مجدياً، ويجب علينا الانخراط في العولمة وليس لدينا خيار آخر لأنها أصبحت واقعاً حقيقياً ولم يبق خارج العولمة سوى نحن.. وكوريا الديمقراطية.
تعقيب ومداخلات
بعد انتهاء المحاضرة قدم د.منير الحمش مداخلة نورد فيما يلي أهم ما جاء فيها:
إن ما طرحه د.نبيل سكر فيه الكثير من الأفكار التي تستحق المناقشة والتدقيق جيداً في أبعادها، ولكن من حيث المبدأ، فإن الربط ما بين التنمية والأمن مسألة أساسية، وقد وفق المحاضر بهذا الربط، لكنه عندما تحدث عن التنمية لم يوضح أي تنمية يقصد، هو يرغب بنظام اقتصاد السوق وفي ظل هكذا نظام لا توجد تنمية!! قد يتحقق في اقتصاد السوق نمو اقتصادي، ولكن التنمية بالمفهوم العلمي الذي يؤكد أن التنمية فعل إرادي غير ممكنة! بينما النمو الاقتصادي هو الذي يمكن أن يتحقق في الاقتصاد حينها، هناك مسألة جوهرية، التنمية مطلوبة ونحن نريدها لكن لا تنمية في ظل اقتصاد السوق لأنه يعني أن الدور الأساسي والقيادي في الاقتصاد سيكون بين القطاع الخاص، وإطلاق الحرية في السوق والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى أن اقتصاد السوق خلال الوصفة الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي يؤمن بها .د.نبيل سكر هي حكومة الحد الأدنى.. أي انسحاب الدولة من الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
ففي عام 98-99 قدم المحاضر بحثاً عن الإصلاح الاقتصادي، وتوليت آنذاك التعقيب على المحاضرة، واتفقنا على أن الاقتصاد السوري يمر بأزمة، واتفقنا أيضا أنه لا بد من السير نحو الإصلاح الاقتصادي، ولكن نقطة الخلاف بيننا كانت في تشخيص أسباب الأزمة، بينما كان يرى د.سكر ولا يزال أن سبب الأزمة عدم المضي في الإصلاح الاقتصادي باتجاه إقرار اقتصاد السوق، كنت أرى سبب الأزمة هو السير في عمليات إطلاق حرية التجارة وفتح الأبواب أمام اقتصاد السوق وهذه من الأسباب الجوهرية لخلافنا مع المحاضر، وفي عرضه الحالي ركز على ثلاث نقاط رئيسية: التطور التكنولوجي، تطوير المهارات، وبالنهاية طالب بالانخراط بالاقتصاد العالمي والعولمة، واستشهد في ذلك بأمثلة من الهند والصين، وهذا مهم، لكن في آخر الإحصاءات عن الصين هناك 800 مليون فلاح ريفي صيني يعيش بمتوسط دخل لا يتجاوز 460 دولار في العام، فالشرخ الذي أحدثته الإصلاحات الاقتصادية بدأ يخلق أوضاعاً اجتماعية واقتصادية قاسية جداً على المجتمع الصيني.
هناك خلط بين التعامل مع الاقتصاد العالمي انطلاقا من المصالح الاقتصادية الوطنية وما بين الانخراط والاندماج في هذا الاقتصاد، نحن بحاجة إلى التعامل مع الآخرين ولا يمكن أن نعيش خلف الأسوار، ولكن هناك فرق كبير ما بين الرضوخ لمطالب الخارج وما بين الانطلاق من المصالح الوطنية..
أما د.حيان سليمان فقد قال في مداخلته:
لماذا الجميع متفقون بشكل ضمني أو علني أن يكون رئيس البنك الدولي أمريكياً، ورئيس صندوق النقد الدولي أوربياً؟؟ هذا قائم منذ الحرب العالمية الثانية، وهو يعتبر من أكبر الخروقات في جدار المساواة التي ينشدونها. أما منظمة التجارة العالمية فحسب الوصفات التي قدمها كبار الباحثين في أمريكا وأوربا فبعد مؤتمر الدوحة في قطر قد انهارت، وإن الدول النامية لم يكن لديها أي موقف سوى المتفرج على ما يجري..
أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فليس من الصدفة أن يقوده واحد مثل (وولفوفيتز) المجرم بحق العالم وشعوب الدول النامية.
وأخيراً إن الذي يسبب 25% من الكربون العالمي هي المصانع الأمريكية، ثم تأتي وتقول إنها ضد الإرهاب الدولي وترفض أن يخضع جنودها للمحاكمة الدولية.. ألا تعتبر هذه مسخرة؟
■ قاسيون