مطبات .. إذا ما استمر رفع الدعم..
كانت الزراعة حتى وقت قريب من أهم القطاعات الاقتصادية في سورية، حيث لعبت في الماضي، وتلعب في الحاضر دوراً بارزاً في المحافظة على الأمن الغذائي، وبالتالي الأمن الوطني، ومن الواجب أن يلقى هذا القطاع الاهتمام البالغ من الحكومة.. ولكن ما هو الاهتمام؟!
ظهرت التجربة خلال الخطط الخمسية المتعاقبة أن أي تطور جدي للاقتصاد السوري بمعظم قطاعاته الإنتاجية، يجب أن ينطلق من الواقع ومدى توفر الموارد الطبيعية اللازمة للتطوير من حيث قابليتها لإنتاج المواد الأولية.
القطاع الزراعي منوط به قبل كل شيء، تأمين الغذاء للسكان، وتحقيق الأمن الغذائي على مستوى السلع الإستراتيجية، إضافة إلى توفير المادة الأولية للصناعات التحويلية، وتحقيق ذلك كما تبين المؤسسات ومعدلات النمو التي تحققت في الخط التنموية يصعب بل يستحيل دون التوسع في المساحات المروية، وتحسين استثمار ما هو قائم منها. إذ دون ذلك، لا يمكن تحقيق أية زيادة في المردود والإنتاج من السلع الإستراتيجية مثل القمح، القطن، الشوندر، الذرة..
حتى قبل عامين وصل إنتاج القمح في سورية إلى نحو 4.700 مليون طن، ولكن هذا أصبح من الماضي.. فإذا كانت موجة الجفاف قد ضربت الإنتاج في العامين الماضيين، فإن الضربة الكبرى جاءت من رفع أسعار الطاقة، وإذا كان إنتاج العام الماضي قد وصل إلى مليوني طن من القمح، والشعير إلى 250 ألف طن، والحمص والعدس إلى أقل من 100 ألف طن، فإن العام القادم سوف تنخفض فيه هذه الأرقام إلى النصف أيضاً، لأن الجهات الوصائية بدلاً من أن تكون توجهاتها الأساسية لتحسين كفاءة استثمار مواردنا المائية، وبدل التفكير بإيجاد استراتيجيات جديدة في استثمارها من خلال إقامة مشاريع للري الشتوي والتكميلي وفق دورات زراعية متكاملة قمح + أعلاف بحيث تشكل المناطق المختارة حزاماً للأمن الغذائي؛ اتخذت قرارات مغايرة تماماً، كإغلاق الآبار المخالفة أو غير المرخصة، وللعلم فإن 80 % من آبار سورية غير مرخصة، حالها كحال السكن العشوائي.. ومع رفع أسعار المازوت والكهرباء ومن ثم إغلاق الآبار، فقد أقلع الفلاح عن الزراعة، وهجر الأرض، ونزح من الريف إلى المدينة، وأصبح الأمن الغذائي في خطر، وهذا يعني بشكل واضح اللجوء المتزايد إلى السوق الخارجية لتأمين الطلب المحلي على الغذاء، الأمر الذي يزيد من ارتباط بلدنا بهذه السوق وحاجته لها، مما سيضعنا في دوامة الجوع، ويبدو أن هذا مايريده الفريق الاقتصادي الحكومي.
والسؤال المطروح: ما هي أسباب ظهور العجز بين الإنتاج والاستهلاك؟ وهل أصبحت الموارد الطبيعية الزراعية والمائية عاجزة عن تلبية طلب الأعداد المتنامية للسكان من الغذاء؟ أم أن ما حدث كان نتيجة طبيعية وموضوعية للمناهج والسياسات التخطيطية، وعدم إيلاء هذا القطاع الأساسي الأهمية المطلوبة؟
إن دراسة أولية لمواردنا الطبيعية الزراعية، وعلى رأسها الماء، تبين أنه مازالت هناك طاقات كامنة غير مستثمرة يمكن في حال استغلالها بالشكل اللازم والمبرمج وحمايتها من الهدر والضياع أن تؤمن كامل احتياجات سورية من السلع الزراعية، وأن توفر لبلدنا أمناً غذائياً على مستوى السلع الإستراتيجية كافة، ولكن كما تم ضرب القطاع الصناعي في العام والخاص، يتم الآن، أو تم الآن ضرب القطاع الزراعي..