هل تطيح مغامرة (إعادة توزيع الدعم) بالحكومة؟
عرضت الحكومة مؤخراً الآلية التي يبدو أنها ستتبعها فيما يتعلق بما أسمته إعادة توزيع الدعم والتي ترتكز في مرحلتها الأولى على استعادة الحكومة 60 مليار ليرة سورية مما تدفعه لفاتورة الدعم - بحسب الدردري – وذلك برفع سعر لتر المازوت إلى 12 ل.س، ورفع سعر أسطوانة الغاز إلى 250 ل.س، ولتر البنزين إلى 40 ل.س، والشريحة الأعلى من فاتورة الكهرباء إلى 7 ل.س للكيلوواط الساعي. وتقوم خطة الحكومة في هذه المرحلة على توزيع 40 مليار ليرة من المبلغ المستعاد من كتلة الدعم على الأسر السورية بمعدل 12.000 ل.س لكل صاحب دفتر عائلة، وستنشئ الحكومة بالعشرين ملياراً المتبقية صندوقين؛ الأول لدعم الصادرات والثاني لدعم الزراعة، دون شرح لآلية عمل هذين الصندوقين!..
وخرجت الحكومة بنتيجة مفادها أن تطبيق هذه الآلية سيؤدي إلى ارتفاع في مجمل الأسعار قيمته 5% لتصل نسبة التضخم في سورية إلى 15% سيعوضها المواطن بالألف ليرة التي ستأخذها الأسرة التي ينتمي إليها شهرياً.
إن من يطّلع على هذه الآلية، والنتائج التي تتوقعها الحكومة من تطبيقها، سيستنتج واحداً من أمرين؛ إما أن هذه الحكومة هي حكومة غبية، وغير قادرة على تقدير نتائج خططها، أو أنها حكومة متغابية، تريد تمرير خطتها بغض النظر عن النتائج الكارثية على الطبقات الفقيرة، ولمجرد الاستجابة لمتطلبات ومصالح خارجية، (صندوق النقد الدولي، الدخول في شراكات اقتصادية..الخ).
قد تكون حسابات الفريق الاقتصادي في الحكومة صحيحة إذا ما أمسك بورقة وقلم وأخذ كل المؤشرات الاقتصادية (التي يعلم قبلنا أنها غير صحيحة) وجمع، وقسم، وطرح، واستند إلى القوانين الاقتصادية التي تعلموها، فقد يصل إلى الأرقام التي طرحها عن نسبة التضخم المتوقعة، ونسبة ارتفاع الأسعار. ولكن الفريق الاقتصادي الحكومي قد تغابى عن طبيعة المرحلة التي أوصل الاقتصاد السوري إليها والتي تقوم على (اقتصاد السوق الحر) دون وجود ضوابط تشريعية لهذا الاقتصاد الذي حوله إلى اقتصاد (خبط عشواء) المتحكم الوحيد به عم السماسرة والتجار الذين يستطيعون تعويض أي ارتفاع في أسعار حوامل الطاقة أضعافاً مضاعفة، وقد أثبتوا أنهم يستطيعون فعل ذلك حتى قبل إقرار الرفع، فوجدنا أن الأسعار قد ارتفعت أكثر من 50% لكثير من السلع لمجرد الحديث عن خطة إعادة توزيع الدعم، والمواطن ذو الدخل المحدود، هو الوحيد الذي تحمل نتيجة هذا الرفع الذي ابتلع أضعاف المبلغ الذي ستتصدق به الحكومة عليه، وقبل أن تفعل.
فكيف سنثق بحكومة تكذب علينا بأرقام، اتضح للجميع أنها، غير صحيحة؟! ونراها تبني على هذه الأرقام دراسات وتضع آليات عمل تمس بشكل مباشر قوتنا اليومي!!. فعندما تدعي الحكومة بأن نسبة التضخم ستصل 15% بعد رفع أسعار المحروقات، بينما أكثر المتفائلين بالاقتصاد السوري يقول بأن نسبة التضخم حالياً تفوق الـ20% وأرقام هيئة تخطيط الدولة التابعة للحكومة (برغم عدم الثقة بها أيضاً) تقول أن نسبة التضخم حالياً تفوق 12%.. فهل من المعقول أن تؤدي زيادة 70% في سعر المازوت لوحده إلى زيادة نسبة التضخم بـ3% فقط؟!
نعتقد أن رفع أسعار حوامل الطاقة سيحول أعداداً هائلةً من ذوي الدخل المحدود من على خط الفقر وما فوقه بقليل إلى مستويات أدنى من هذا الخط، نتيجة الارتفاعات المتلاحقة في أسعار السلع الرئيسية وانتشار الفوضى والفساد اللذين عششا في مؤسسات الدولة وباتا يمارسان علنياً دون خوف من رقيب ولا حسيب، ودون أدنى مساءلة!!.
كما أن هذا الرفع سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي، إذ يساهم بشكل كبير في الحد من قدرة الصناعة الوطنية على المنافسة وتحويل صناعيينا إلى تجار كما سيؤدي إلى رفع كلف الإنتاج الزراعي الذي سيؤثر بدوره وبشكل مباشر على الفلاح والإنتاج الزراعي بكافة حلقاته.
إن الشارع السوري يعيش حالة من القلق والترقب، بانتظار ما يخطط له من قبل هذه الحكومة التي لم يعد يثق بقراراتها ولا بتوجهاتها، ما ينذر بكارثة وطنية، اقتصادية واجتماعية، قد تطيح بها..