حسني العظمة: «الدعم» هو قضية سيادية من الدرجة الأولى

قبل التكلم عن موضوع رفع الدعم وإعادة توزيعه، فلنتحدث عن موضوع آخر وهو استهلاك المازوت الذي حقق زيادة هائلة في سورية. إن هناك هدراً كبيراً في المحروقات له أسباب عديدة، منها ارتفاع استهلاك قطاع النقل الذي جرى فيه تجميد وتوقيف شركات كثيرة واستبدالها بـ«الفئران» البيضاء التي تستهلك كميات كبيرة من المازوت نسبة إلى عدد الأفراد المنقولين، هذا الحل الذي لم تستخدمه أي دولة أو عاصمة، ويقتصر استخدامها على المناطق الريفية وليس داخل المدن. ثم هناك قطاع التدفئة، فمع انتشار السكن العشوائي والأبنية غير المعزولة تذهب كميات كبيرة من الوقود هباءً بمدفأة الغرفة.

وبدل أن تفكر الحكومة بوسائل لتخفيض الهدر بقطاع النقل الذي يستهلك ما نسبته 40% من الاستهلاك العام من المازوت، والتدفئة المنزلية التي تمثل ربع استهلاك، وبدل التفكير بحلول جدية وبعيدة المدى واستراتيجية تخفض هذا الهدر، يفكرون برفع أسعار المازوت، وهو بحد ذاته خاطئ، ومن ثم يريدون تحميل المواطن مسؤولية استيراد المازوت، مع أنه قديم، لأن إنتاج المصفاتين لا يكفي منذ سنوات عديدة، لكن الكميات المستوردة كانت قليلة نسبياً لكنها ازدادت سنة وراء أخرى، والآن وصلت إلى أرقام كبيرة حتى طفح الكيل.

والسؤال من المسؤول عن ذلك؟ هل المواطن هو المسؤول عن عدم إنشاء مصفاة دير الزور الثالثة؟ هذه المصفاة الجاهزة والمدروسة فنياً واقتصادياًَ منذ عام /1995/ والحكومات المتعاقبة لم تنفذ هذا المشروع الحيوي بكل معنى الكلمة، فالمصفاة الأولى (حمص) أنشئت في نهاية الخمسينات، والثانية بأواسط السبعينات ببانياس، وكان من المفترض أن تنشأ مصفاة ثالثة بعد عشرين عاماً، وكان المقترح بمدينة دير الزور بعد اكتشاف حقول للنفط هناك، فمصفاة دير الزور مدروسة منذ /12/ عاماً على أن تنتج أربعة ملايين طن مازوت في السنة، وإلى الآن لم يصل استيراد المازوت في سورية إلى هذا الرقم، أي لو أنها أنشئت في حينه أو بعد حين، لما وصلنا إلى هذا الحد المفرط من استيراد المازوت. إذاً يجب محاسبة المسؤول عن ذلك، وهو الحكومات المتعاقبة التي لم تنفذ هذا المشروع، وليس المواطن الدرويش.

وإذا تطرقنا إلى أسعار المازوت فهناك من يقول إن أسعار المازوت في تركيا /70/ ليرة وفي لبنان /30/ ليرة، ولا يتم مقارنتها مع مصر مثلاً، هذا البلد الواقع بصورة تامة تحت هيمنة الصناديق الدولية والذي يصل سعر المازوت فيه إلى أقل من 40% مقارنة مع سورية، وهو محتفظ بهذا السعر لاعتبارات السيادة الوطنية، فسعر المازوت ليس مسألة اجتماعية كما يحاول البعض في الفريق الاقتصادي ترويجه إعلامياً، بل هو مسألة اجتماعية مهمة وتنموية وبيئية وسيادية معاً، لأن سعر المازوت يتحكم بسعر كافة المنتجات الصناعية والزراعية بالإضافة إلى معيشة المواطنين.

فالقطاع الزراعي على سبيل المثال ينتج حوالي /ربع/ الدخل القومي، ويشغل حوالي 30% من القوى العاملة في سورية، والنمو الذي حصل في سورية خلال العقدين الماضيين منذ أن اعتمد مشروع الأمن الغذائي قبل عشرين سنة، كان لا يمكن تحقيقه إلا بتثبيت أسعار المحروقات، فحوالي 20% من استهلاك المازوت يذهب للزراعة، وبدون تثبيت هذه الأسعار فإن السلع الزراعية سترتفع جداً، وستكون عاجزة عن المنافسة أمام السلع المستوردة.

وكذلك الأمر بالنسبة للصناعة، فهم يريدون فتح الأبواب أمام المستوردات حتى تزيد أكثر وأكثر، ثم يرفعون سعر المازوت، أي رفع أسعار كل المنتجات الوطنية سواءً بالقطاع العام أو الخاص. هذا الضرر سيعم على الجميع.

والنتيجة المنطقية لهذا العمل ستكون زيادة في الاستيراد، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية في جميع القطاعات.

- هل ترى أن هذا المخطط أو المقترح جاء وفق خطط متكاملة غايتها تسريع تطبيق السياسات الليبرالية التي تحاول الحكومة فرضها من (انفتاح) و(تحرير أسواق) و(تحرير تجارة)؟.

-- هم يقولون علناً إنه يجب الاندماج بالاقتصاد العالمي، وهذا يعني بصراحة، إلغاء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلد، والالتحاق بعجلة الاقتصاد الامبريالي العالمي..

- وماذا عن التهريب وحججهم في هذا الموضوع؟

-- التهريب أيضاً هو مسؤولية الدولة، وليس المواطن، وأعتقد أنهم يعرفون جيداً من الذي يهرب المازوت في المناطق الحدودية، ويمكن القضاء على التهريب أو الحد منه إلى درجة كبيرة من خلال القبض على هؤلاء المهربين المعروفين للجميع.. هذه حجج واهية، ثم إنهم يضيفون تقديراتهم لكميات التهريب لصادرات القطاع الخاص، ومن يفتح المجموعة الإحصائية السورية يتفاجأ ببند يتحدث عن صادرات القطاع الخاص من المحروقات، علماً أنه لا وجود لشيء اسمه صادرات القطاع الخاص من المحروقات، لأن المحروقات هي بيد شركة المحروقات، لكن هناك بند أعتقد أنه صدر في عام /2005/ يقول إن القطاع الخاص صدر /800/ ألف طن من المازوت، وهم يضيفونها إلى أرقام الصادرات!! وذلك من أجل الإيحاء بأن القطاع الخاص ناشط وفاعل بالتصدير. وهم يسعرون /800/ ألف طن مقارنة بأسعار لبنان، وهناك وثائق رسمية بذلك!! ومن جهة أخرى يستخدمون هذه الأرقام ليقولوا ويصرحوا بأن هناك نمواً اقتصادياً في البلاد، وهي بالنهاية عملية إعلامية بحتة إذ يستخدمون هذا التهريب كذريعة لرفع أسعار المازوت، ومن جهة أخرى كمؤشر على النمو الاقتصادي.