د. سنان علي ديب لـ«قاسيون»: سياسات الفريق الاقتصادي تمسُّ الخطوط الحمراء وتزعزع الاستقرار وتعرقل التنميّة
أجرت قاسيون اتصالاً مع د. سنان علي ديب، الأستاذ المحاضر في جامعة تشرين وأجرت معه الحوار التالي:
• د. سنان، قلت في مقالة لك إنه «كثرت في الآونة الأخيرة الحملة ضد القطاع العام من أشخاص موجهين أو أصحاب مناصب أو مستفيدين أو من لجان مشكلة لإصلاح القطاع العام».. واعتبرت ذلك إما تجنياً أو غباءً أو حقداً.. برأيكم أليست المسألة أعقد من ذلك وأخطر؟!
وصفت أولئك بالتجني والحقد والغباء، وأؤكد على ذلك، حتى لا أتهم أحداً منهم بانتمائه الوطني أو بالارتباط بالمشاريع الخارجية.. إننا عندما نريد أن نقيم الموضوع فإننا ننظر إلى النتائج والانعكاسات السلبية على الحياة المعيشية للمواطن التي نجمت عن هذه السياسات وعن هذا التقصير في القطاع العام. من يهاجم القطاع وصفناه بالغباء لأنه لا يعرف مع من يحارب، فالقطاع العام أبعاده كثيرة.. فتح آفاقاً كثيرة.. كل ما ننعم به من كرامة واستقرار وكبرياء هو نتيجة عمل القطاع العام والمؤسسات العامة. نحن نختلف مع كل من يشكك في بنية هذا القطاع. نعترف بوجود أخطاء لكنها قابلة للحل.. من يريد أن يصحح فليصحح.. لا يحاول النيل من القطاع العام.. يوجد فساد، فليكافح الفساد. القطاع العام مازال حامي أمن هذا البلد.
• بماذا تفسر توازي الهجوم على القطاع العام مع اشتداد الهجمة الخارجية الإمبريالية الأمريكية الصهيونية على سورية، ومحاولة عزلها وخنقها؟
في ظل هذه الهجمة هناك ما يقال له (اقتصاد المقاومة). للأسف الشديد المواقف العقلانية في السياسة الخارجية التي استطاعت أن تتخطى جميع الألغام والمؤامرات وكان الشعب هو المزود لها.. هذه المواقف الخارجية للمؤسسات وللوزارات السيادية هي التي توازن الداخل، لم يواكبها اقتصاد قائم على سياسات تشجع المواطن وتعزز انتماءه وكبرياءه. ولا تمس هذه السياسات الخطوط الحمراء ومستوى معيشة المواطن.. نحن هنا لا نتهم .. لكن نقول: إن هذه السياسات بدأت تمس الخطوط الحمراء التي تزعزع الاستقرار وتعرقل التنمية، وتنعكس على معظم الشعب السوري في ظل هذه الظروف الإقليمية الدولية الخطيرة المعقدة. وفي ظل تعامل عقلاني ومبدئي من القيادة في سورية. ولكن الآن الكرة في ملعب المؤسسات الوطنية.. الشعب السوري شعب كبير وعظيم من الواجب تكريمه، وليس المساس بلقمة عيشه، ونقول أخيراً: إن سورية أغلى من كل الأشخاص.. هي الأغلى دائماً.
• أنت ترى بأن من يصفهم الليبراليون الجدد بأنهم «أنصار القطاع العام» هم في الحقيقة «أنصار الوطن».. بهذا المعنى، هل أصبح الدفاع عن القطاع العام دفاعاً عن الوطن؟!
في ظل الظروف الحالية.. نعم هو دفاع عن الوطن.. لأن القطاع العام مازال هو الممول الأكبر للموازنة.. وهو الموظف الأكبر، وهو باني التنمية، وباني البنى التحتية، وهو الموازن.. نحن لسنا ضد القطاع الخاص، لكن ضد العقلية التي يتعامل بها.. ضد عقلية الهجوم الحاقد على القطاع العام.. هو يتعامل برؤية وطنية. وأنصار القطاع يتعاملون برؤية الاحتواء، رؤية الوطن وعدم فتح الحرب.. ولكن الحرب كبيرة جداً.. وفي الفترة الأخيرة أحد الوزراء يقول: انتهى زمن النظام الاشتراكي.. هذا الكلام أبعاده خطيرة جداً.. هذا التصريح لا أحد يدلي به إلا في اجتماع للجبهة الوطنية.. في ظل اجتماع القيادة القطرية أو المؤسسات الكبيرة. هذا لم يعد هجوماً بل خلعاً وتحطيماً. القطاع العام وأنصاره لا يلغون أحداً.. هم يستوعبون الجميع، فلماذا يحارَب ومن المستفيد من محاربته؟! وفي ظل الظروف الخارجية الخطيرة، الكرة في ملعب المؤسسات الوطنية التي تعرف انعكاسات هذه الحملة.
• أليس اعتماد صيغة غير واضحة (اقتصاد السوق الاجتماعي) هي من فتحت هذه الإشكالية.. ألا ترى أنه من الواجب وضع خطوط عريضة واضحة لاقتصاد السوق الاجتماعي لكي لا يستمر الفريق الاقتصادي في تفسيره بالشكل الذي يخدّم نهجه المدمر وسياساته غير المسؤولة؟
إن تبني الإطار النظري للسوق الاجتماعي في ظل المتغيرات الكثيرة هو تبنٍّ صحيح، لأنه نموذج اقتصادي لا يهدم ولا يحطم أي فكر.. اشتراكي... شيوعي... أي فكر وطني ولكن التفسير الخاطئ لهذا التبني هو الذي أوصل إلى هذه النتائج الكارثية، فعندما تبنت القيادة هذا الخيار كان بقصد مواكبة التطورات العالمية، ولكن خُطّط شيء، وما نفذ على أرض الواقع شيء آخر.. السياسات الاقتصادية كانت بعيدة جداً عن هذا التبني.. زيادة الضرائب والرسوم بشكل مرهق وكبير، احتكار مطلق، فساد وإفساد، تصعيد الروتين، تجاوز كل الأنظمة والقوانين، مع نسيان فاضح للجانب الاجتماعي..
أين صناديق العاطلين عن العمل؟! أين الصناديق المخصصة للفقراء؟ أين هي..؟! أين خريطة الفقر.. أين خريطة البطالة؟! أرقام مضللة. فالإطار النظري لهذا التحول لم يكن لإلغاء أي فكر.. لكن المساهمة الكاملة وفق الموارد المتاحة في خدمة القضية الوطنية ومواجهة الإمبريالية الجديدة من أجل خدمة القضية الوطنية..للأسف فهمت خطأً.. الإطار النظري ينعكس على معيشة المواطنين.. لا عكس ذلك.
• برأيك ما المطلوب حالياً لمواجهة سياسات الفريق الاقتصادي التي أوصلت البلاد إلى أعتاب كارثة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة؟
إن الانعكاسات السلبية لهذه السياسات قد أصبحت تهدد الكثير من المواطنين وتؤدي إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.. وانهيار الطبقة الوسطى التي هي حاملة القيم الفكرية والثقافية.. ستؤدي إلى سياسات كارثية غير محدودة على مستوى توازن البلد في ظل هذه الهجمة الشرسة المبرمجة التي تحاول النيل من أمن واستقرار بلدنا دون أن تنجح بذلك.
الكرة في ملعب القيادة السياسية الواعية لكل هذه المشاكل.. القادرة على اتخاذ القرار المناسب في الأوقات الحرجة، وهي مازالت الحامية لكامل الوطن. والملاحظ أن الفريق الاقتصادي يحاول نيل حسن سلوك من البنك الدولي.. ليس سورياً من يطلب شهادة حس السلوك من هذه المؤسسات.. بل إن هذه الشهادة يجب أن يحصل عليها من الشعب السوري.
نحن لا نهاجم أشخاصاً.. نهاجم إجراءات وسياسات.. ولا نهاجم القطاع الخاص. نحن مع كل فرد في هذا الوطن يسخر معاناته وقدراته من أجل خدمة مسيرة التنمية. وفي هذه الظروف لن تكون مسيرة التنمية ناجحة إلا إذا كانت مخططة من الدولة. وإن كان القطاع الخاص لا يقبل أن يخضع لإرادة الدولة، فمن المستحيل أن يعمل .. المزايا التي أعطيت للقطاع الخاص في السنوات الماضية كانت كبيرة، لكنه فشل للأسف، لأنه يعمل فقط بعقلية الربح، لا بعقلية المنافسة الإنتاجية.
أخيراً، أنا أطالب السلطة بتنفيذ جميع القوانين والإجراءات من أجل ضرب من يلعب بقوت الشعب في هذه الفترة الخطيرة.. لأنه لعب بتوازن البلد واستقراره في ظل الهجمة التي بدأت معالمها.. والقادم أخطر.