لا دولة وطنية دون سياسة دعم
سياسة الدعم جزء من السياسة الاقتصادية للدول بشكلٍ عام، ولدول اقتصاد السوق الاجتماعي لتصحيح الخلل الذي يحدث في الاقتصاد لأسبابٍ شتى سواء في الأسعار أو الدخول، أهمها الاحتكار الذي يشوه العلاقات السعرية.
وبنظرة تاريخية نجد أنه منذ زمن الخلافة الإسلامية أقيمت سلطة لمراقبة الأسواق يتولاها المحتسب، تتولى فيما تتولى الخزن ومراقبة الأسعار، وتتدخل عند الحاجة فتغذي السوق بسلع جعلها التجار نادرة حفاظاً على اعتدال الأسعار ومنع التلاعب بالأسعار. الدول الاشتراكية كانت تحدد أسعار السلع والأسعار. والدول الرأسمالية تتدخل عبر الدعم لتصحيح التشوه في تشكل الأسعار والدخول إلخ. هنالك دعم للاستهلاك وآخر للإنتاج وللتصدير وللاستثمار إلخ. عبر آليات متنوعة حسب حاجة الاقتصاد في كل حالة.
يشكل الدعم أحد أدوات السياسة الاقتصادية لتوجيه الاقتصاد تبعاً للحالة الظرفية أو المتوسطة المدى أو البعيدة المدى، وتتغير تبعاً لتطور الاقتصاد وحاجاته إلخ. هنالك دعم للزراعة وآخر للصناعة ودعم للتعليم إلخ. تدفع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وروسيا الدعم لاقتصادها حسب ما تراه مناسباً. يطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية الدول النامية ومنها سورية بإلغاء الدعم في الوقت نفسه التي تحافظ هي عليه. لا تستطيع أية دولة أن تتخلى عنه. صحيح هنالك ضرورة لترشيد الدعم ليس إلا. تطالب الكثير من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بإلغاء الدعم المقدم للمشتقات النفطية بحيث يدفع المنتج والمستهلك الأسعار الدولية في الاتحاد الأوروبي والولايات الأمريكية. هذا هراء. لكل اقتصاد منظومة متكاملة من الأسعار. لا يمكن تجزئتها. يعرف الدعم على أنه الفرق بين سعر الكلفة وسعر البيع.
سياسات الدعم المقترح في سورية
لقد أصبح الفرق في الثروة والدخل كبيراً جداً في سورية، ويتفاقم كثيراً نتيجةً للسياسات الاقتصادية، لذلك من الملح اقتصادياً اتباع سياسة دعم رشيدة، لا تشبه من قريب أو من بعيد السياسة التي ينهجها الفريق الاقتصادي، وهذه السياسة يجب أن تعمل على مايلي:
دعم القطاع الزراعي: وذلك عبر دعم ترشيد استخدام مياه الري بالاعتماد على الري بالتنقيط والري بالإرضاع للأشجار المثمرة مثلاً، ودعم تجميع القطع من الأراضي الزراعية في قطعة واحدة كما فعلت دول عديدة منها ألمانيا الاتحادية مثلاً ليصبح الإنتاج الزراعي رشيداً اقتصادياً. ودعم التخصص الزراعي ودعم تشكل جمعيات تسويق للمنتجات الزراعية تعاونية اختيارية ودعم تقديم قروض للفلاحين انطلاقاً من استراتيجية للتنمية مدعومة بعيدة المدى لاستصلاح الأراضي مثلاً ولزراعة الأشجار المثمرة إلخ. كانت ألمانيا الاتحادية تقدم قروضاً للفلاحين بفائدة 1 % سنوياً في الستينيات بعد الحرب بعيدة المدى حتى إنجاز التطوير والتحديث للقطاع الزراعي ولتأمين المكننة إلخ.
مساحة الأراضي المزروعة قمحاً وشعيراً تعادل قرابة 3 مليون هكتار. بوسعنا أن ندفع للفلاحين مبلغاً مقطوعاً فوق كلفة الإنتاج مقابل كل هكتار مزروع قمحاً وشعيراً مثلاً وليكن 20 ألف ل.س. تحدد الجهات المختصة المساحة المزروعة كل عام بما يغطي الاستهلاك + المخزون الاستراتيجي. ولا نصدر القمح مادة خاماً لأننا نخسر مرتين. مرة بشكل مباشر عندما نبيع بأقل من سعر الكلفة وثانية لأننا نفوت الفرصة الضائعة في القيمة المضافة عند التصنيع إلى منتجات نهائية ولتكن معكرونة أو بسكويت إلخ. المفترض تخفيض المساحة المزروعة وزيادة الإنتاجية. عند حصول الفلاحين على أرباح مجزية، يصبح بوسعهم تطوير وسائل الإنتاج وزيادة تأهيلهم والاعتماد على خبرات فنية لتحسين إنتاجية الهكتار إلخ.
يكون ذلك بالنسبة للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والحمص والعدس والشعير كمادةٍ علفية. يجب أن يحصل الفلاح على دخل جيد من عمله في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني.
دعم القطاع الصناعي العام والخاص والمشترك انطلاقاً من استراتيجية للصناعة وصولاً إلى نهضة صناعية، إذ يوجد لدينا جزر صناعية ولا يوجد نسيج صناعي، ومستلزمات الإنتاج الصناعية جلها مستورد. يجب التخطيط لخلق تقسيم عمل عمودي وأفقي بين المصانع والفروع الصناعية، فالتجهيزات الرأسمالية جلها مستهلك فنياً واقتصادياً وهي تحتاج إلى استبدال، لذا يجب تمويل ودعم هذه العملية بعد دراسات الجدوى الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي. علينا دعم قيام صناعة الفولاذ وصناعة المحركات وصناعة وسائل النقل بدءاً من الخطوط الحديدية والقاطرات والعربات والحاويات النمطية، ودعم انتقال كل المصانع إلى شبكة من المدن الصناعية الموزعة على مساحة القطر حفاظاً على الموارد الطبيعية من أراضي صالحة للزراعة وحفاظاً على البيئة، ووضعها حصراً على أراضي أملاك الدول غير الصالحة للزراعة ببيع الصناعيين الأراضي داخل المدن الصناعية بأسعار مدعومة، ودعم كلفة الانتقال من المواقع الحالية إلى المدن الصناعية. يعطي هذا الدعم ثماره بعد عقد من الزمن على شكل انخفاض كلفة الإنتاج وغيرها...
إذاً، يتم دعم الصناعة بتوفير خدمات البنية التحتية من مدن صناعية موزعة على كامل مساحة القطر تقدم الأرض فيها بأسعار زهيدة مدعومة كي تشجع الانتقال إليها مما يخدم مصلحة الاقتصاد ككل ويحافظ على البيئة. وتأمين شبكة متطورة من الخطوط الحديدية مكهربة وسريعة تنخفض فيها كلفة النقل وتكون خدمات النقل سريعة جداً، مما يضع الصناعة في وضع تنافسي أفضل..
كما يجب تطوير البنية الفوقية اللازمة للصناعة من توفير مدارس مهنية متطورة (بوليتكنيك) مجهزة بأحدث التجهيزات لتوفير عمال مهرة ومساعدين مهندسين. تحتاج الصناعة إلى نسبة عالية من خريجي المعاهد المتوسطة في شتى الاختصاصات والمهن.
تتولى الدولة إعداد الاستراتيجية للصناعة مشتقة من استراتيجية للتنمية بشكلٍ عام وتشتق منها سياسات صناعية وبرامج مرحلية لتطوير الصناعة وحل مشاكلها المستعصية، فتبدأ بالتخطيط لإنشاء أنسجة صناعية في كل فروع الصناعة. تدعم الصناعة بإنفاق حصة من الدخل القومي للبحث العلمي الصناعي وللبحث العلمي بشكلٍ عام تصل حتى 5 % من الناتج الإجمالي. لن تتطور الصناعة ولا غيرها من القطاعات دون دعم منظم مرشد.
دعم التعليم بتقديم منح دراسية للمتفوقين وتقديم قروض مدعومة للطلاب بفائدة مدعومة وحتى التخرج إلى مهنة أو شهادة جامعية، وبدء العمل بأقساط مريحة انطلاقاً من استراتيجية للتعليم تربط التعليم بحاجات الاقتصاد على المدى المتوسط والبعيد إلخ.
يجب وضع جدول لتثبيت أسعار سلة السلع الضرورية كالحليب والبيض واللحم والخضار والفواكه وزيت الزيتون والبقول.. عبر التحكم بالإنتاج والتصدير، فلا يسمح بتصدير إلا الفائض فقط، حفاظاً على ثبات الأسعار. هذه أصلاً مهمة الإدارة الاقتصادية بالنسبة لكل الأسعار، فكيف تكون الحال بالنسبة للسلع المهمة لسلة الاستهلاك الشعبي؟ يجب تكليف فريق من الاقتصاديين بترشيد الدعم سواء للمنتج أو للمستهلك ولا يكون ذلك بتخفيض الدعم، ولكن برفعه بما يضمن العدالة الاجتماعية (اقتصاد السوق الاجتماعي) وتنشيط عجلة الاقتصاد. كل الدول تتولى الدعم للقطاع الزراعي خاصةً وللمستهلكين وللصناعة وغيرها.