د. سامر أبو عمار لـ«قاسيون»: هناك انحراف في الإحصاءات لأنها مستقرأة من بيانات مشكوك بها
ارتفع التضخم حسب الأرقام الرسمية في العام 2006، وكانت هذه النسبة بحدود 4,5 % في العام 2007، وحلق التضخم في العام 2008 ليصل إلى 15,15%. ويقول المكتب المركزي للإحصاء اليوم إن التضخم في العام 2009 بلغ حوالي 2,8%، لكن هذا الرقم يشير إلى استنتاجين متناقضين: الأول أن يكون هناك معجزة حكومية تمثلت بسلسلة من الإجراءات الفاعلة لخفض نسبة التضخم، وهذا لم يحصل، والثاني أن تكون الآلية التي تقاس فيها أرقام التضخم المعلنة غير دقيقة، حيث أن احتساب التضخم انطلاقاً من التثقيلات استناداً للأرقام القياسية لأسعار التجزئة في سورية حسب دورات بحث ميزانية الأسرة 1996 – 1997، يكمن خللها في أن المادة الغذائية وحسب هذه الأرقام كانت تشكل 60% من سلة أسعار المستهلك، والنقل والمواصلات حوالي 3%، والتدفئة 10%، والسلع المعمرة 1,5%، والإيجار 0,18%، والالبسة 9%، لكن الارقام الحالية لسلة المستهلك السوري تقول إن نسبة الإيجار تقدر بحوالي 30% من حجم هذه السلة، والنقل بحدود 5%، والتدفئة 10%، والسلع المعمرة 5%، والألبسة 15%، وهذه النسب المتناقضة إذا ما اعتمد عليها في تثقيلات الأسعار فإننا سنحصل بطبيعة الحال على أرقام خاطئة أيضاً، فإذا كان الأساس غير صحيح، فما هي دقة الأرقام التي تحسب على أساسها أرقام اليوم؟!!
للبحث في هذا الموضوع توجهنا إلى الدكتور والباحث الاقتصادي سامر أبو عمار للوقوف على رأيه في قضية التضخم الاقتصادي الحاصل، والذي بات مرضاً ملاصقاً للاقتصاد السوري.
- ما رأيكم كباحث اقتصادي برقم التضخم الذي أعلنه المكتب المركزي للإحصاء والمقدر بـ2,8% في 2009؟ وهل يعد رقماً واقعياً يعبر عن ارتفاع الأسعار الحقيقية الحاصلة في السوق؟!!
- دائماً هناك انحراف بين الواقع الفعلي وبين الإحصاءات التي تكون مستقرأة غالباً من بيانات مشكوك بها، وأرقام التضخم المعلنة حالياً بعيدة عن ارتفاع الأسعار الحاصل حالياً، لأن التضخم أساساً هو الارتفاع المستمر والمتواصل في الأسعار، فاحتساب رقم التضخم قياساً للسنة الفائتة فيه الكثير من التحيز والضبابية، والطريقة الأصعب والأدق هي حساب هذا التضخم استناداً لسلة السلع وأسعار التجزئة وتحركاتها، فإن كانت المقارنة بين العام 2008 و2009 فيمكن أن يكون رقم التضخم قريباً، ولكني أقول: إن التضخم يجب أن يقاس على أساس سنة معيارية ثابتة لكي تعبر عن حقيقة التضخم، حيث يتم تحديد هذه السنة المعيارية غالباً في عام يكون خالياً من أي انحرافات وطوارئ، بمعنى اعتبار 2008 سنة معيارية والقياس على أساسها يوصلنا إلى رقم تضخمي /2.8%/ لكن هذا الرقم لا يعتبر دقيقاً، لأن الرقم واستناداً إلى سنة أساس صحيحة يعني أن التضخم أضحى في 2009 حوالي /17%/ بدلاً من /2.8%/، وإذا أخذنا 2005 سنة أساس نصل إلى تضخم في 2009 من /20% ـ 30%/، فالتضخم ليس مجرد رقم إحصائي لا معنى له، لأنه يجب أن يعبر عن حقيقة ارتفاع الأسعار بشكل دقيق، فالرقم الصحيح يحتاج لإحصائيات أكثر دقة غير مستنبطة فقط من واقع الإحصائيات التي يأخذها المكتب المركزي للإحصاء من دوائر غالباً تحت إدارته.
التضخم انخفض من 15,15 في 2008 ليصل إلى 2,8% في 2009، ألا يفترض هذا تراجعاً في الأسعار أو تحسناً في حركة الأسواق الجامدة والدليل عليها نسب التنزيلات المقدرة بـ70% ولأول مرة؟!!
انخفاض التضخم يدل إما على تحسن اقتصادي ورواج ناتج عن سياسات ناجحة قامت بها الحكومة، أو يدل على انكماش اقتصادي متمثل بسحب كتلة نقدية هائلة من السوق لا تفعل أو تستثمر، فأنت في هذه الحالة تكون خلقت أزمة أخرى قد يكون التضخم أمر عارضاً أمامها، لأن الهدف الأخير لأية سياسات مالية هو المؤشرات الاقتصادية الكلية، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، والمركز المالي للبلاد أيضاً، ففي غياب الرواج الاقتصادي حالياً فإنني أقول: إن هناك انكماشاً اقتصادياً وهروباً للسيولة باتجاه الاكتناز والتعطيل، وغياب الاستثمارات الحقيقية والمادية. وهنا لابد من سؤال الحكومة: هل يعبر رقم التضخم الحالي عن سياسات تدخلية حكومية ترافقت مع مجموعة من الإجراءات التي تحمي الاقتصاد من الانكماش، وإذا كان التضخم قد انخفض فعلاً، فالسؤال: هل يعود هذا إلى إجراءات حكومية تم تنفيذها؟! وما هي هذه الإجراءات؟! فهل ساهم انسحاب الحكومة من الاستثمارات داخلياً في تخفيض معدل الكساد؟!
هل مشكلة التضخم في سورية ذات علاقة وارتباط مع الاستهلاك والإنتاج (عرض وطلب)، أم ثمة خلل بالسياسات النقدية؟!
التضخم هو في النتيجة زيادة في الكتلة النقدية ويقابلها كتلة قليلة من السلع، ومولد هذا الشيء زيادة الدخول التي لا تقابل بزيادة في الإنتاج المادي والخدمي، وأحياناً يكون التضخم مخفياً بشكل آخر، بمعنى أن يكون هناك سلع موجودة في الاقتصاد الوطني ولكن لا تستطيع الدخول الموجودة أن تلحق بأسعار السلع، وبالتالي ينتج عنها ظاهرة الركود التضخمي الموجودة اليوم في اقتصادنا، وأرى أنه عندما يصبح التضخم ظاهرة ملازمة ومستمرة للاقتصاد يخلق طبقتين متمايزتين، الأولى طبقة صغيرة من الأغنياء وثروتها هائلة، وتقابلها طبقة ذات شرائح عريضة جداً من الفقراء، فهذا النوع من التضخم يعمق الهوة بين الطبقتين، وفي هذه الحالة يكون هناك زيادة في الإنتاج المادي، لكن شريحة الأغنياء غالباً تكون غير راغبة في شراء هذه السلع الموجودة، لأنها لا تتناسب مع مستواها الاجتماعي، وفي المقابل يكون الفقراء غير قادرين على الحصول عليها، وفي هذه الحالة تذهب سلة السلع والخدمات في الهواء. إن سحق الشرائح الوسطى في بلادنا هو أحد أهم نتائج التضخم المستمر.
وجود التضخم في الاقتصاد الوطني، ألا يعنى فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق أحد أهم أهدافها ألا وهو الحفاظ على الاستقرار العام للأسعار؟!
الحفاظ على المستوى العام للأسعار يعد أحد أهم أهداف البنك المركزي، والذي يجب أن يتدخل بشكل أو بآخر لكبح جماح التضخم، وهذا يطرح أسئلة عدة من أهمها: هل البنك المركزي يملك كل أدواته؟! وهل السياسة النقدية في سورية سياسة كاملة؟! أنا أقول إن هذه السياسة قاصرة وتابعة، فالسياسة الاقتصادية مرتبطة بسياسات أخرى غير متخصصة في كثير من الأحيان، فالأفضل إعطاء البنك المركزي السوري كامل استقلاليته، ويجب أن يعطي المركزي كل أدواته بما فيها السوق المفتوحة، وسعر الخصم والتحرك من خلال أذونات الخزينة بهدف السيطرة على السوق، ومن ناحية أخرى، يجب على وزارة المالية أن تستخدم كل أدواتها في الإنفاق الحكومي (الاستثماري والجاري)، الضرائب، بهدف كبح جماح التضخم، وتحفيز الاستثمار، والمؤشر الأول والأخير بتقديري هو المواطن والحالة المعيشية. هل هناك تحسن في هذا المستوى؟! فالتحسن مازال ضعيفاً بالقياس إلى ما يجب أن يكون، فالمواطن السوري أقل رفاهية من باقي الدول المجاورة على الرغم من أننا نمتلك الكثير من المقومات الأفضل، وناتجنا المحلي وصادراتنا أكبر، فهناك حلقة مفرغة، وهي موجودة في كل مفصل من مفاصل العمل، لذلك لابد من وضع سياسات مالية واقتصادية ونقدية واجتماعية متناسبة ومنسجمة مع بعضها تجسد حقيقة العمل الجماعي، وهنا أؤكد أنه لكي تكون الإجراءات الاقتصادية فاعلة لابد من وجود زمن، وهذا زمن يفصل التخطيط عن النتائج التي تظهر بعد /4 ـ 5/ سنوات.